الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى رمى البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوّة، وبطل الفتوة من البلاد أجمع إلا من لبس منه، ومنع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره، ومنع من الرّمى بالبندق إلا من ادّعى له وانتسب إليه. فأجابه النّاس إلى ذلك إلا رجلا واحدا يقال له ابن السفت فإنه فارق العراق والنحق بالشام فأرسل إليه يرغبه بالمال الجريل/ ليرمى عنه وينتسب إليه فأبى. فأنكر عليه بعض أصحابه ذلك فقال: يكفينى افتخارا أنّ كل رام فى الدنيا رمى الخليفة إلا أنا! والعجم ينسبون إلى الناصر أنه هو الذى راسل التتار وجرّأهم على البلاد، وهذه المصيبة العظمى إن كانت!
ذكر خلافة الظاهر بأمر الله
هو أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضىء بأمر الله، وهو الخليفة الخامس والثلاثون من الخلفاء العباسيين. بويع له البيعة العامّة بعد وفاة والده الناصر لدين الله فى شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وكان قد خلع من ولاية العهد وقطعت خطبته كما تقدّم، وإنما فعل ذلك أبوه لميله إلى ولده الصغير، فلما مات اضطر إلى أعادته لولاية العهد.
قال «1» ولما ولى الخلافة أظهر العدل والإحسان وأمر بإبطال المظالم وكفّ الأيدى عن الناس، وأعاد على الناس ما كان أبوه قد اغتصبه من أموالهم وأملاكهم، وأبطل المكوس والحوادث. فمن ذلك أن المخزن كان له صنجة للذهب تزيد على صنجة البلد نصّف
قيراط فى الدينار، فيقبضون بها المال ويصرفون بصنجة البلد، فسمع بذلك فخرج/ خطه للوزير أوله:«ويل للمطففين إلى قوله ليوم عظيم «1» قد بلغنا الأمر كذا وكذا فتعاد صنجة المخزن إلى الصحيحة المتعامل بها. فكتب إليه بعض النواب يقول «إن هذا مبلغ كبير وقد حسبناه فكان فى السنة الماضية خمسة وثلاثين ألف دينار» فأعاد عليه الجواب بالإنكار ويقول: لو كان ثلاثمائة ألف دينار وخمسين ألفا يطلق،! وأطلق زيادة صنجة الديوان وهى فى كل دينار حبة، وتقدم إلى القاضى أنّ كل من عرض كتابا قديما بملك صحيح يعيده إليه من غير إذنه. وأقام رجلا صالحا لولاية الحشرى وبيت المال وكان حنبليا فقال: إن مذهبى أن أورث ذى الأرحام فان أذن أمير المؤمنين أن أفعل ذلك وليت وإلا فلا! فقال أعط كلّ ذى حقّ حقّه واتّق الله ولا تتّق سواه! وأبطل مطالعات حراس الدروب ببغداد بأخبار الناس وقال «لا يكتب إلينا إلا فما يتعلق بمصالح دولتنا» .
ومنه أنه لما ولى الخلافة وصل صاحب الديوان من واسط وكان وجّه فى خلافة الناصر لتحصيل الأموال، فأحضر ما يزيد على مائة ألف دينار وطالع بذلك، فأعاد الخليفة الظاهر الجواب بإعادة المال إلى أربابه، فأعيد إليهم. وأطلق من كان فى السجون وأمر أن يحمل إلى القاضى/ عشرة آلاف دينار يوفى بها دين من هو فى سجن الحاكم على شىء يعجز عنه. وتصدّق فى ليلة عيد الفطر
وفرّق فى العلماء وأهل الدين مائة ألف دينار، ولم تطل مدّته فى الخلافة.
وكانت وفاته فى رابع عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، فكانت مدة خلافته منذ أفضى إليه الأمر تسعة أشهر وأربعة عشر يوما. قال «1» : وأخرج قبل وفاته توقيعا بخطه إلى الوزير ليقرأ على أرباب الدولة فقال الرسول: إنّ أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم أو نفذ مثال لا يبين له أثر، بل أنتم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوال! فقرأ المرسوم فإذا فبه بعد البسملة «اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالا ولا إغضاؤنا إغفالا ولكن نبلوكم أيكم أحسن عملا، وقد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح الشنعة وإظهار الباطل الجلىّ فى صورة الحسن الخفىّ حيلة ومكيدة، وتسمية الاستئصال والاحتياج استيفاء واستدراكا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل وأنياب أسد مهيب، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد، وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون/ إلى هواكم، وتمزجون باطلكم بحقّه فيطيعكم وأنتم له عاصون، ويوافقكم وأنتم له مخالفون. والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمنا، وبفقركم غنى، وبباطلكم حقا. ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصرّ، ولا ينتقم إلا ممن استمر، يأمركم بالعدل وهو يريده منكم وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم، يخاف الله تعالى فيخوفكم