الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الباب الخامس من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية ببلاد الأندلس
«1»
كان ابتداء هذه الدولة فى سنة ثمان وثلاثين، وقيل تسع وثلاثين ومائة، فى خلافة أبى جعفر المنصور الثانى من الخلفاء العباسيين،
وأول من ملك بلاد الأندلس من بنى أمية أبو المظفر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان
.
وقيل كنيته أبو المطرّف، وقيل أبو سليمان، وقيل أبو زيد، وأمه بربرية من سبى أفريقية واسمها راح ولقّب عبد الرحمن بالدّاخل عند دخوله. وكان استيلاء عبد الرحمن على الأندلس فى سنة ثمان وثلاثين ومائة. وقيل تسع وثلاثين. وكان سبب دخوله إليها واستيلائه عليها أنه لما قتل مروان بن محمد، وانقرضت الدولة الأموية، وقتل من قتل من بنى أمية، وتشتتوا فى البلاد....
/ كان عبد الرحمن هذا بذات الزّيتون «1» ففرّ منها إلى فلسطين، فأقام بها هو ومولاه بدر يتجسّس له الأخبار، فحكى عنه أنه قال:
«لما أعطينا الأمان ثم نكث بنا بنهر أبى فطرس «2» أتانى الخبر وكنت منتبذا عن الناس. فرجعت إلى منزلى آيسا ونظرت فيما يصلحنى وأهلى، وخرجت خائفا حتى صرت إلى قرية على الفرات ذات شجر وغياض. فبينا أنا ذات يوم فيها وولدى سليمان يلعب بين يدى- وهو يومئذ ابن أربع سنين- فخرج عنى ثم دخل علىّ باكيا فزعا، فتعلق بى وجعلت أدفعه، وخرجت لأنظر فإذا بالخوف قد نزل بالقرية والرايات السّود منحطّة عليها وأخ لى حدث يقول لى: النجاة النجاة! فأخذت دنانير معى ونجوت بنفسى وأخى وأعلمت أخواتى بمقصدى وأمرتهنّ أن يلحقننى مولاى بدرا [- قال-] وأحاطت الخيل بالقرية فلم يجدوا لى أثرا. فأتيت رجلا من معارفى وأمرته فاشترى لى دوابّ وما يصلحنى فدلّ علىّ عبد له العامل، فأقبل فى خيله يطلبنى فخرجنا على أرجلنا والخيل تبصرنا، فدخلنا الفرات فسبحنا فنجوت أنا والخيل ينادون بالأمان وأنا لا أرجع وأما أخى فإنه عجز عن السباحة فى نصف الفرات فرجع إليهم بالأمان، فقتلوه وأنا أنظر إليه وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاحتملت ثكله/ ومضيت وتواريت فى غيضة حتى انقطع الطّلب عنى. وخرجت فقصدت
المغرب فبلغت أفريقية، ثم ألحقتنى أختى أمّ الإصبع مولاى بدرا بنفقة وجوهر.
قال المؤرخ «1» : ولما بلغ أفريقية كان بها عبد الرحمن بن حبيب الفهرى عاملا لمروان بن محمد، فظنّ عبد الرحمن بن معاوية أن ابن حبيب يرعاهم ويحوطهم ويحسن مجاورتهم. فلما علم ابن حبيب أن مروان قد قتل وأن أهله وولده قد تفرقوا وأن رجاله قد استأمنوا إلى أعمال أبى العباس السّفاح طلب لنفسه السلامة، وكتب بالسّمع والطّاعة، وأراد قتل عبد الرحمن بن معاوية ومن معه والتقرّب بهم إلى عمال السفاح. وأرسل فى طلبه فهرب منه وأتى مكناسة وهى قبيلة من البربر وعندهم شدة، ثم هرب منهم وأتى نفراوة «2» وهم أخواله. وقيل أتى قوما من الزناتيين فأحسنوا قبوله فيهم وأخذوا فى التدبير والمكاتبة إلى الأمويين من أهل الأندلس يعلمونهم بقدومه ويدعونهم إلى عبد الرحمن.
ووجه بدرا مولاه إليهم، وكان أمير الأندلس يومذاك يوسف ابن عبد الرحمن الفهرى فسار بدر إليهم وأعلمهم حال عبد الرحمن ودعاهم إليه فأجابوه، ووجّهوا إليه مركبا فيه تمّام بن علقمة ووهب بن الأصفر وشاكر بن أبى الأسمط، فوصلوا إليه وأبلغوه طاعتهم، وأخذوه ورجعوا به إلى الأندلس/ فأرسى بالمركب
بالجزيرة فى شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومائة. فأتاه جماعة من رؤسائهم من أهل إشبيلية «1» ، ثم انتقل إلى كورة ريّة فبايعه إبراهيم بن شجرة عاملها «2» . ثم سار إلى إشبيلية فبايعه أبو صالح يحيى بن يحيى، ونهض إلى قرطبة فبلغ خبره يوسف بن عبد الرحمن وكان غائبا عن قرطبة بنواحى طليطلة «3» ، فأتاه الخبر وهو راجع إلى قرطبة فتراسل هو ويوسف فى الصلح فخادعه، فلم يشك أصحاب يوسف فى انتظام الصّلح وذلك فى يومين أحدهما يوم عرفة، فأقبل يوسف فى إعداد الطعام ليأكله الناس فى يوم الأضحى وعبد الرحمن يرتّب خيله ورجله وعبر النهر فى أصحابه.
وأنشب القتال ليلة الأضحى، وصبر الفريقان حتى ارتفع النهار، وركب عبد الرحمن على بغلة وأسرع القتل فى أصحاب يوسف فانهزم وظفر عبد الرحمن بن معاوية. ولما انهزم يوسف
أتى ماردة «1» وأتى عبد الرحمن قرطبة، وأخرج حشم يوسف وأهله من القصر على تؤدة ورفق، ودخله بعد ذلك. ثم سار فى طلب يوسف، فلما أحس به يوسف سار إلى قرطبة فدخلها وملك قصرها، وأخذ جميع أهله وماله، ولحق بمدينة إلبيرة «2» .
ورجع عبد الرحمن إلى قرطبة فلم يجده فسار إلى إلبيرة، وتراسلا فى الصلح فاصطلحا على أن ينزل/ يوسف هو ومن معه بأمان وأن يسكن مع عبد الرحمن بقرطبة ويرهنه يوسف ابنه أبا الأسود محمدا وسار يوسف مع عبد الرحمن إلى قرطبة فلما دخل قرطبة تمثل:
فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا
…
إذا نحن فيهم سوقة تتنصّف
قال «3» واستقر عبد الرحمن بقرطبة وبنى القصر والمسجد الجامع، وأنفق فيه ثمانين ألف دينار، ومات قبل تمامه «4» .