الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر دولة المستعين بالله الثانية
قال «1» : ولما فتح سليمان بن الحكم المستعين قرطبة دخل القصر لخمس خلون من شوّال وتلقّب بالظافر بحول الله، وأحضر هشاما ووبخه وقال: قد كنت تبرأت لى من الخلافة فأعطيت صفقة يمينك فما حملك على نقض عهدك؟ فاعتذر أنه مغلوب عليه، وتبرأ له، وسلّم الأمر إليه. وضرب سرادق سليمان بشقنده، ونزل البربر حوله، وهرب كثير من موالى بنى أمية فاحتوى البربر عليها واقتسموا البلد بينهم. وطالب سليمان الناس بالأموال فغرمهم فوق طاقتهم، واشتد أمر البربر على الناس فاستباحوا الأموال والحريم وسليمان لا يمكنه دفعهم وليس فى يده مع قرطبة غير إشبيليه ولبلة والشنبة وباجة.
وكان فى عسكره رجلان «2» من ولد الحسن بن على بن أبى طالب وهما القاسم وعلى ابنا حمّود بن ميمون فقوّدهما على المغاربة، ثم ولّى عليا الأصغر منهما سبتة «3» وطنجة «4» ،/وولى القاسم الجزيرة الخضراء، وبين الموضعين المجاز المعروف بالزقاق «5» ، وسعة البحر هناك ثمانية عشرة ميلا.
وكانت العبيد لما خرجوا من قرطبة عند دخول البربر إليها ملكوا مدنا عظيمة وتحصّنوا فيها، فراسلهم على بن حمّود وذكر أنّ هشام بن الحكم لما كان محاصرا بقرطبة كتب إليه يوليه عهده فاستجاب له العبيد وبايعوه. فزحف من سبتة إلى مالقة «1» وفيها عامر بن فتوح الفائقى مولى فائق- مولى المستنصر- فأطاعه وأدخله مالقة. فملكها علىّ بن حمود وأخرج عنها عامر بن فتوح ثم زحف بمن معه من البربر وجمهور العبيد إلى قرطبة، فأخرج له المستعين ولده- ولى عهده محمد بن سليمان- فى عساكر البربر، ومعه أحمد بن سعيد الوزير. فانهزموا، ورجع محمد بن عبد الله الزناتى إلى قرطبة، وأخرج المستعين بالله وضمن له أن يقاتل بين يديه. فلما قربوا من عسكر على بن حمود قادوه بلجام بلغلته وسلموه لعلى، فلما حصل فى يده دخل القصر فى يوم الأحد لسبع بقين من المحرم سنة سبع وأربعمائة، وضرب عنق سليمان بيده وقتل أباه الحكم- وهو شيخ كبير له اثنتان وسبعون سنة- فكانت مدة ولاية سليمان ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأياما. وكان مولده سنة أربع/ وخمسين وثلاثمائة، وكان أديبا شاعرا، فمن شعره:
عجبا يهاب اللّيث حدّ سنانى
…
وأهاب لحظ فواتر الأجفان
وهى أبيات عارض بها العباس بن الأحنف فى أبياته التى أنشدها على لسان الرشيد التى أولها:
ملك الثلاث الآنسات عنانى
…
وحللن من قلبى بكلّ مكان