الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومدة مملكته الأولى والثانية عشرة أشهر، وعمره خمسا وثلاثين سنة!
ذكر دولة المؤبد هشام الثانية
قال «1» : وبايع الأجناد هشاما المؤيد فى يوم الأحد الحادى عشر من ذى الحجة سنة أربعمائة وأحضر بين يديه رأس محمد المهدى، فأمر بإرساله إلى البربر وهم يومئذ بوادى شوش فى خدمة المستعين بالله سليمان بن الحكم، طمعا أنّ البربر يفعلون به كما فعل هو بالمهدى، ويعودون إلى طاعته فيتم أمره وتستقيم دولته. فلما وصل إليهم مع جماعة من أهل قرطبة كادوا يقتلونهم، فمنعهم المستعين بالله بعد أن أفرط فى توبيخهم، فعادوا إلى قرطبة.
وتولى واضح العامرىّ حجابة المؤيد، وأمره بحفر الخندق على قرطبة فحفره، وحصنها، قال «2» : وكان لمحمد بن عبد الجبار ولد بقرطبة عمره نحو ستّ عشرة سنة فاحتال له شيعة أبيه حتى أو صلوه إلى مدينة طليطلة، فقبله أهلها، وأمّروه عليهم. فأغار على بعض ما كان لواضح، فلقيه محارب التجيبى فقهره وأسره وأرسل به إلى واضح، فقتله.
قال «3» : ثم/ قصد المستعين قرطبة فى جموعه من البربر،
فلم يتمكن منها، فقصد الزهراء فاستولى عليها فى يوم السبت لستّ بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعمائة، وقتل من بها من الجند، وأخذ فى قتال أهل قرطبة، وواضح يتولّى حربه. ثم رحل البربر من الزهراء لخمس بقين من شعبان، وجعلوا يغيرون على البلاد ويخرّبون، فانضم أهل البوادى إلى قرطبة خوفا منهم، فصاروا أكثر من أهلها، وغلت الأسعار فمات أكثرهم جوعا. وقطع البربر الميرة عن قرطبة، فاشتد بها الغلاء فبيع مدّ القمح- وهو قفيزان ونصف بالقروى- بثلاثمائة دينار دراهم وهى مائة مثقال عينا. وجاءت رسل ابن مادويه يستنجزون تسليم الحصون إليه على أن لا يغزوهم ولا يتعرض لشىء من ثغورهم، فرضوا بهدنة وسلّموا إليه مدنا كثيرة وأكثر من مائتى حصن مما افتتحه الحكم بن عبد الرحمن ومحمد بن أبى عامر.
وسمع ابن شالوس «1» بما تسلّم ابن مادويه من الحصون، فكاتب على حصون أخرى وتوعّد وتهدّد، فأجيب إلى ما سأل وسلّمت إليه.
وأخرب البربر مدنا جليلة، وقتلوا أكثر أهلها، ولم تسلم منهم إلا طليطلة ومدينة سالم، وبلغت خيلهم أندراوه «2» وما وراءها حتى إنّ الراكب يسير شهورا لا يرى أحدا فى قرية ولا طريق. قال «3» :
واستخف جند قرطبة بواضح حتى صاروا/ يصرحون بسبّه، فعزم على مراسلة البربر فى الصلح لما رأى من اضطراب الجند عليه
وطمعهم فيه، وأظهر أن ذلك عن رأى هشام لما فيه من الصلاح للعامة والخاصة. فبعث واضح إلى البربر رجلا يعرف بابن بكر فاجتمع بسليمان وعاد بجوابه فقتله الجند فى المجلس- ولم يقدر هشام ولا واضح على منعهم- واحتزّوا رأسه، وطافوا به البلد. فعزم واضح على الهرب إلى البربر، وكان ابن أبى وداعة يعاديه فزحف إلى داره فى عدة من الجند فأخرحوه حاسرا وعاتبوه على ما أتلف من الأموال وما عزم عليه من مصالحة البربر. وضربه ابن أبى وداعة يسيفه وحمل عليه القوم فقتلوه، واحتزوا رأسه وطافوا به، وألقوا جثته فى الرصيف بالموضع الذى ألقى فيه ابن عسقلاجة وابن عبد الجبار، ونهبت دور أصحابه.
وولّى هشام ابن أبى وداعة المدينة، فاشتدّ على أهل الريب وهاب الجند وغيرهم، وكان مقتل واضح فى يوم الثلاثاء للنصف من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعمائة.
ثم قدم البربر وسليمان، ونازلوا قرطبة وظاهرها وقد امتلأت أيديهم بالغنائم، وقلّت الأقوات على أهل قرطبة، وعظم عليهم الخطب، واشتد الأمر، وكان بين أهلها والبربر مراسلات وأمور يطول شرحها. كان آخر ذلك أن سليمان ملك قرطبة فى يوم/ الأحد لثلاث خلون من شوّال سنة ثلاث وأربعمائة، وكانت مدة ولاية المؤيد الثانية سنتين وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما وفقد المؤيد لخمس خلون من شوال سنة ثلاث وأربعمائة.