الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خراسان، وكان قد أذن له فى القدوم وأراد أن يستعين به على ذلك ويتقوّى به على غلمان المعتضد بالله، فتأخّر بارس.
واتّفق أنه وقع بين أبى عبد الله بن المعتمد وبين ابن عمرويه- صاحب الشرطة- منازعة فى ضيعة مشتركة بينهما، فأغلظ له ابن عمرويه، فغضب ابن المعتمد غضبا شديدا وأغمى عليه، وفلج فى المجلس فحمل إلى بيته فى محفّة فمات فى اليوم الثانى.
فأراد الوزير البيعة لأبى الحسن بن المتوكل فمات أيضا بعد خمسة أيام، وتمّ أمر المقتدر. وحجّ بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الله الهاشمى ودخلت سنة ستّ وتسعين ومائتين:
ذكر خلع المقتدر وولاية ابن المعتز
وانتقاض ذلك وعودة المقتدر ووفاة عبد الله بن المعتزّ قال «1» : وفى هذه السنة اجتمع القوّاد والقضاة والكتاب مع الوزير «2» على خلع المقتدر والبيعة لابن المعتز بالله. وأرسلوا إلى عبد الله بن المعتز فأجابهم إلى ذلك على أن لا يكون فيه سفك دم ولا حرب، فأخبروه أنّ كلمتهم اجتمعت عليه، وأنه ليس له منازع ولا محارب. وكان القائم فى ذلك الوزير المذكور ومحمد
ابن داود الجراح وأبو المثنّى أحمد بن يعقوب القاضى، ومن القوّاد الحسين بن حمدان وبدر الأعجمى ووصيف بن صوار تكين ثم إن الوزير رأى أمره صالحا مع المقتدر، وأنه على ما يحب، فبدا له فى ذلك فوثب به الآخرون فقتلوه، وكان الذى تولّى قتله منهم الحسين بن حمدان وبدر الأعجمى ووصيف.. لحقوه وهو سائر إلى بستان له فقتلوه، وقتلوا معه فانكا المعتضدى، وذلك فى العشرين من شهر ربيع الأول، وخلع المقتدر من الغد، وبايع الناس لابن المعتز.
وركض الحسين بن حمدان إلى الحلبة «1» ظنا منه أن المقتدر يلعب هناك بالكرة فيقتله، فلم يصادفه لأنه لما بلغه قتل الوزير ركض دابته «2» ودخل الدار. وغلّقت الأبواب، فندم الحسين حيث لم يبدأ بالمقتدر! وأحضروا ابن المعتز وبايعوه بالخلافة، وتولى أخذ البيعة له محمد بن سعيد الأزرق، وحضر الناس والقواد وأصحاب الدواوين سوى أبى الحسن بن الفرات وخواصّ المقتدر فإنهم لم يحضروا.
ولقّب ابن المعتزّ المرتضى بالله «3» أبا العباس عبد الله بن المعتز.
ووجه إلى المقتدر يأمره بالانتقال إلى دار ابن طاهر- التى كان
بها قبل الخلافة- لينتقل هو إلى دار الخلافة، فأجابه بالسمع والطاعة، وسأل الإمهال الى الليل: وعاد الحسين بن حمدان بكرة غد إلى دار الخلافة فقاتله الخدم والعلمان والرّجّالة «1» /من وراء السور عامة النهار، فانصرف عنهم آخر النهار. فلما جنّه الليل «2» سار عن بغداد بأهله وماله الى الموصل لا يدرى لم فعل ذلك؟ ولم يكن قد بقى مع المقتدر من القوّاد غير مؤنس الخادم ومؤنس وغريب الخال «3» وحاشية الدار. فلما همّ المقتدر بالانتقال عن الدار قال بعضهم لبعض: لا نسلم الخلافة من غير أن نبلى عدوا «4» ونجتهد فى دفع ما أصابنا! فاجتمع رأيهم على أن يصعدو فى الماء إلى الدار التى فيها ابن المعتز يقاتلونه، فأخرج لهم المقتدر السلاح والزرديات «5» وركبوا السميريات «6» . فلما رآهم من عند ابن المعتزّ هالهم كثرتهم، واضطربوا، وهربوا على وجوههم من قبل أن يصلوا إليهم، وقال بعضهم لبعض: إنّ الحسين بن حمدان ما يريد يجرى، فلهذا هرب من الليل، وهذه مواطأة بينه وبين المقتدر. ولما رأى عبد الله بن المعتزّ ذلك ركب ومعه وزيره محمد بن داود وهربا،
وغلام له ينادى: يا معشر العامة ادعوا لخليفتكم السّنىّ اليربهارى! وإنما نسبه لذلك لأنّ الحسين بن القاسم بن عبيد الله البربهارى كان مقدّم الحنابلة والسّنّة من العامة ولهم فيه اعتقاد عظيم، فأراد استمالتهم بهذا القول.
ثم إنّ ابن المعتزّ ومن معه ساروا نحو الصحراء ظنّا منهم أنّ من بايعه من الجند يتبعونه، فلم يلحقه منهم أحد. فرجعوا،/ واختفى محمد بن داود فى داره، ونزل ابن المعتزّ عن دابته ومعه غلامه يمن، وانحدرا إلى دار عبد الله بن الجصّاص، فاستجارا به. واستتر أكثر من بايع ابن المعتز، ووقعت الفتنة والنّهب والقتل ببغداد، وثار العيارون والسّفلة «1» ينهبون الدّور.
وكان ابن عمرويه- صاحب الشرطة- ممن بايع ابن المعتزّ، فلما هرب جمع ابن عمرويه أصحابه ونادى بشعار المقتدر يدلّس بذلك فناداه العامّة: يا مراء يا كذاب! وقاتلوه، فهرب واستتر وتفرّق أصحابه.
وقلّد المقتدر فى تلك الساعة الشرطة مؤنسا الخازن، وخرج بالعسكر وقبض على.. وصيف بن صوار تكين وغيره، فقتلهم.
وقبض على القاضى أبى المثنّى أحمد بن يعقوب فقتله لأنه قيل له «بايع المقتدر» فقال: لا أبايع صبيا! فذبح، وأرسل المقتدر إلى أبى الحسن على بن الفرات- وكان مختفيا- فأحضره، واستوزره، وخلع عليه.
وكان فى هذه الحادثة عجائب منها أنّ الناس كلّهم أجمعوا على خلع المقتدر والبيعة لابن المعتزّ، فلم يتم ذلك، بل كان بالعكس. ومنها أنّ ابن حمدان على شدّة تشيّعه يسعى فى البيعة لابن المعتزّ على غلوّه فى النّصب «1» .
ثم إن خادما لابن الجصاص- يعرف بسوسن «2» - أخبر صافيا الحرمى أن ابن المعتز عند مولاه ومعه جماعة، فكبست داره وأخذ ابن المعتزّ منها/ وحبس إلى الليل، ثم عصرت خصيتاه حتى مات وسلّم إلى أهله «3» . وصودر ابن الجصّاص على مال كثير، وأخذ محمد بن داود وزير المعتزّ فقتل، ونفى علىّ بن عيسى إلى واسط، وصودر القاضى أبو عمرو على مائة ألف دينار، وسيّرت العساكر من بغداد فى طلب الحسين بن حمدان، فتبعوه إلى الموصل ثم إلى بلده، فلم يظفروا به، فعادوا إلى بغداد. وأخذ الوزير الجرائد التى كان فيها أسماء من أعان
على المقتدر فغرّقها فى دجلة، وبسط ابن الفرات العدل والإحسان وأخرج الإدارات للطالبيين والعباسيين. وأرضى القواد بالأموال، ففرّق معظم ما كان فى بيوت الأموال وفى هذه السنة كان ابتداء ظهور الدولة العبيدية المنسوبة للعلوية بأفريقية على ما نذكره- إن شاء الله تعالى- فى أخبارهم «1» .
وفيها سيّر المقتدر القاسم بن سيما وجماعة من القوّاد فى طلب الحسين بن حمدان، فساروا حتى بلغوا قرقيسيا فلم يظفروا به، فكتب المقتدر إلى أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان- وهو الأمير على الموصل- يأمره بطلب أخيه الحسين. فسار هو والقاسم بن سيما، فالتقوا عند تكريت فانهزم الحسين، وأرسل أخاه إبراهيم بن حمدان يطلب له الأمان فأجيب إلى ذلك، ودخل بغداد وخلع عليه وعقد له على قم وقاجان «2» فسار إليهما.
/ وفيها وصل بارس غلام إسماعيل السامانى، وقلّد ديار ربيعة.
وفيها خلع على المظفر مؤنس الخادم، وأمر بالمسير إلى غزو
الروم. فسار فى جمع كثيف فغزا من ناحية ملطية «1» ومعه أبو الأغرّ السّلمى، فظفر وغنم، وأسر منهم جماعة، وعاد.
وفيها قلّد يوسف بن أبى الساج «2» أعمال أرمينية وأذربيجان، وضمنها بمائة ألف وعشرين ألف دينار.
وفيها أمر المقتدر أن لا يستعان بأحد من اليهود والنّصارى، فألزموا بيوتهم، وأخذوا بلبس العسلىّ «3» و [تعليق]«4» الرّقاع من خلف ومن قدام، وأن يكون ركبهم خشنا. وحجّ بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ودخلت سنة سبع وتسعين ومائتين: فى هذه السنة وجه المقتدر القاسم بن سيما لغزو الصائفة «5» ، وحجّ بالناس، الفضل بن عبد الملك.
وفيها مات عيسى النّوشرى- أمير مصر- واستعمل المقتدر
تكين «1» الخادم، وخلع عليه فى منتصف رمضان. وقال أبو الفرج بن الجوزى «2» فى حوادث هذه السنة «قال ثابت بن سنان رأيت فى صدر أيام المقتدر ببغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين، وكان لها كفّان بأصابع تامة متعلقة فى رأس كتفيها لا تعمل بهما/ شيئا وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها، ورأيناها تغزل برجليها وتمدّ الطاقة وتسوّيها- قال- ورأيت امرأة أخرى بعضدين وذراعين وكفّين إلا أنّ كلّ واحد من الكفين ينخرط ويدقّ إذا فارق النّهدين حتى ينتهى إلى رأس دقيق يمتدّ ويصير إصبعا واحدة، وكذلك رجلها على هذه الصورة، ومعها ابن لها على مثل صورتها!» ودخلت سنة ثمان وتسعين ومائتين: فى هذه السنة جعلت أم موسى الهاشمية قهرمانة دار «3» المقتدر بالله، فكانت تؤى الرسائل عن المقتدر بالله وأمّه إلى الوزراء. ثم صار لها [أن]«4» تحكم كثيرا فى الدولة على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وحج بالناس فى هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمى.
ودخلت سنة تسع وتسعين ومائتين: