الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أَنَّ المملوك لا يُورَثُ؛ وذلك لأنَّه لا مالَ له فيورثُ، فإنَّه لا يَمْلِكُ، ومَنْ قال: إنَّه يملكُ بالتمليكِ. فَمِلْكُه ناقصٌ غَيْرُ مُسْتَقرٍّ، يزُولُ إلى سيِّدِه بزَوالِ مِلْكِه عَنْ رَقَبَتِه، بدليلِ قَوْلِه عليه السلام:"مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ"(4). ولأَنَّ السَّيِّدَ أحقُّ بمنافِعه وأكْسابِه فى حياتِه، فكذلك بَعْد مماته. وممَّنْ رُوِىَ عنه أَنَّ العَبْدَ لا يَرِثُ، ولا يُورثُ، ولا يَحْجُبُ: علىٌّ، وزيدٌ. وبه قال الثّورىُّ، ومالِكٌ، والشّافِعىُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأى.
فصل:
ويَرِثُ الأسيرُ الذى مع الكُفَّارِ إذا عُلِمتْ حياتُه. فى قولِ عامَّةِ الفقهاء، إلَّا سعيدَ بنَ المُسَيِّبِ، فإنَّه قالَ: لا يرثُ؛ لأنَّه عَبْدٌ. وليس بصحيحٍ؛ لأنَّ الكفّارَ لا يَمْلِكونَ الأحْرارَ بالقَهْرِ، فهو باقٍ على حُرِّيَّته، فَيَرِثُ، كالمُطْلَقِ.
فصل: والمُدَبَّرُ، وأمُّ الولدِ، كالقِنِّ؛ لأنَّهم رقيقٌ، بدليلِ أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بَاع مُدَبّرًا (5). وأُمُّ الولدِ مَمْلوكةٌ، يجوزُ لسيِّدِها وَطْؤُها، بحُكْمِ المِلْكِ، وتزويجُها وإجارتُها. وحُكْمُها حُكْمُ الأمةِ فى جميعِ أحْكامِها، إلَّا فيما يَنْقلُ المِلْكَ فيها أو يُرادُ له كالرَّهْنِ.
فصل: فأمَّا المُكاتَبُ، فإن لم يَمْلِكْ قَدْرَ ما عليه فهو عبدٌ، لا يَرِثُ، ولا يُورَثُ، وإِنْ مَلَكَ قَدْرَ ما يُؤَدِّى، ففيه روايتانِ؛ إحْداهما، أنَّه عَبْدٌ ما بَقِىَ عليه دِرْهمٌ، لا يَرِثُ، ولا يُورَثُ. رُوِىَ (6) ذلك عن عمرَ، وزيد بنِ ثابتٍ، وابنِ عمَرَ، وعائِشَةَ، وأُمِّ سَلَمَةَ، وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والشّافِعىِّ رَضِىَ اللَّه عنهُ، وأبى ثَوْرٍ. وعن ابنِ المُسَيَّبِ، وشُرَيْحٍ، والزُّهْرِىّ، نحوُه؛ لما رَوَى أبو داودَ (7) بإسنادِه، عن عمرو بن شُعَيْبٍ، عن
(4) تقدم تخريجه فى: 6/ 21.
(5)
أخرجه البخارى، فى: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع، وفى: باب بيع المدبر، من كتاب العتق. صحيح البخارى 3/ 109، 192. ومسلم، فى: باب جواز بيع المدبر، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1289. وابن ماجه، فى: باب المدبر، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 840. والدارمى، فى: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 257. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 301، 369، 370، 390.
(6)
فى م: "يروى".
(7)
فى: باب فى المكاتب يؤدى بعض كتابته. . .، من كتاب العتق. سنن أبى داود 2/ 346. =
أبيه، عنْ جَدِّه، أنّ النّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قال:"المُكاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" وفى لَفْظ، أَنَّ النّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّما عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائةِ أُوقيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّما عَبْدٍ كَاتَبَ عَلى مِائةِ دِينَارٍ، فَأدَّاهَا إلا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ عَبْدٌ". وعن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وعمَرَ بنِ عبدِ اللَّه مَوْلى غُفْرَةَ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عُبَيْدة (8) أنّ النّبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لِعَتّابِ بنِ أَسِيدٍ:"مَنْ كَاتَبَ مُكَاتَبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَقْضِىَ كِتَابَتَهُ"(9).
وقال القاضى، وأبو الخَطَّابِ: إِذَا أَدّى المُكاتَبُ ثلاثةَ أرْباعِ كتابَتِه، وعَجزَ عنِ الرُّبْعِ، عَتَقَ؛ لأنَّ ذلك يَجِبُ إيفَاؤُه للمُكاتَبِ، فلا يجوزُ إبْقاؤُه على الرِّقِّ لِعَجْزِه عَمَّا يَجِبُ رَدُّهُ إليه. والرِّوايةُ الثانيةُ، أنَّه إذا مَلَكَ ما يُؤَدِّى، فقدْ صارَ حُرًّا، يَرِثُ، ويُورَثُ، فإذا ماتَ له مَنْ يَرِثُه وَرِثَ، وإِنْ ماتَ فلسيِّده بَقِيّةُ كتابتِه، والباقى لِوَرَثَتِه؛ لما رَوَى أبو داودَ (10)، بإسنادِه عن أمِّ سَلَمَةَ، قالت: قال لنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ لإحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّى، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ". ورَوَى الحَكمُ، عن علىٍّ وابنِ مَسْعودٍ، وشُرَيْحٍ: يُعْطَى سَيِّدُه من تَرِكَتِه ما بَقِىَ من كتابتِه، فإنْ فَضَلَ شىءٌ، كان لورثَةِ المُكاتَبِ. ورُوِىَ نحوُه عن الزُّهْرِىِّ. وبه قال ابنُ المُسَيَّبِ. وأبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، والنَّخَعىّ، والشَّعْبىّ، والحسنُ، ومنصورٌ، ومالِكٌ، وأبو حنيفةَ، غيرَ أنَّ مالكًا جَعَلَ مَنْ كان معه فى كِتابَتِه أَحَقَّ ممَّنْ لم يكُنْ مَعَه. قال فى مُكَاتَبٍ
= كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المكاتب إذا كان عنده ما يؤدى، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 265. وابن ماجه، فى: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 842. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 178، 184، 206، 209.
(8)
فى م: "عبدة". وانظر: تهذيب التهذيب 5/ 309.
(9)
ذكره السيوطى فى الجامع الكبير 1/ 825. وقال: أخرجه عبد الرزاق.
(10)
فى: باب فى المكاتب يؤدى بعض كتابته فيعجز أو يموت، من كتاب العتق. سنن أبى داود 2/ 346. كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المكاتب إذا كان عنده ما يؤدى، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 265، 266. وابن ماجه، فى: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 842. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 289، 308، 311.