الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرَ وعثمانَ إعطاءَ المُؤَلَّفةِ، ولعلَّهم لم يَحْتاجُوا إلى إعطائِهم، فتَرَكُوا ذلك لعَدَمِ الحاجةِ إليه، لا لِسُقُوطِه.
فصل:
والمُؤَلّفةُ قُلُوبُهُم ضَرْبانِ؛ كُفّارٌ ومُسْلِمونَ، وهم جميعًا السَّادةُ المُطَاعُونَ فى قَوْمِهِم وعَشائِرِهم. فالكُفارُ ضَرْبانِ؛ أحدهما، مَنْ يُرْجَى إسْلامُه، فيُعْطَى لِتَقْوَى نِيَّتُه فى الإِسْلامِ، وتَمِيلَ نَفْسُه إليه، فيُسْلِمَ؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يومَ فَتْحِ مَكَّةَ، أعْطى صَفوانَ بنَ أُمَيّةَ الأمانَ، واسْتَنْظَرَه صَفْوانُ أرْبعةَ أشْهُرٍ ليَنْظُرَ فى أمْرِه، وخَرَجَ معه إلى حُنَيْنٍ، فلما أعْطى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم العَطَايَا قال صفوانُ: مالِى؟ فأوْمأَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إلى وادٍ فيه إبلٌ مُحَمَّلةٌ، فقال:"هذَا لَكَ". فقال صَفْوانُ (7): هذا عَطاءُ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ (8). والضربُ الثانى، مَنْ يُخْشَى شَرُّه، ويُرْجَى بعَطِيَّتِه كَفُّ شَرِّه وكَفُّ غيرِه معه. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ أَنَّ قومًا كانوا يَأْتُونَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فإنْ أعْطاهُم مَدَحُوا الإِسلامَ، وقالوا: هذا دِينٌ حَسَنٌ. وإن مَنَعَهُم ذَمُّوا وعابُوا (9). وأمَّا المسلمونَ فأَرْبَعةُ أضْرُبٍ؛ قومٌ من ساداتِ المُسْلِمينَ لهم نُظَرَاءُ من الكُفَّارِ، ومن المُسلمينَ الذين لهم نِيَّةٌ حَسَنةٌ فى الإِسلامِ، فإذا أُعْطُوا رُجِىَ إسلامُ نُظَرَائِهِم وحُسْنُ نِيَّاتِهِم، فيجوزُ إعطاؤُهم؛ لأنَّ أبا بكرٍ رَضِىَ اللَّهُ عنه، أعْطى عَدِىَّ بن حاتمٍ، والزِّبْرِقانَ بن بَدْرٍ، مع حُسْنِ نِيَّاتِهِما وإسْلامِهِما. الضرب الثانى، ساداتٌ مُطاعُونَ فى قَوْمِهِمْ يُرْجَى بعَطِيَّتِهِم قُوّةُ إيمانِهِم، ومُنَاصَحَتُهم فى الجِهادِ، فإنهم يُعْطَوْنَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أعْطى عُيَيْنةَ بن حِصْنٍ، والأقْرَعَ بن حَابسٍ، وعَلْقَمةَ بن عُلاثَةَ، والطُّلَقاءَ من أهلِ مَكّةَ، وقال للأنْصارِ: "يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ عَلَامَ تَأْسَوْنَ؟ عَلَى لُعَاعةٍ (10) مِنَ الدُّنْيا تأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا
(7) فى م زيادة: "إن".
(8)
أخرجه مسلم، فى: باب ما سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال: لا. وكثرة عطائه، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1806.
(9)
انظر إرواء الغليل 3/ 369.
(10)
اللعاعة: الخصب والدنيا.
لَا إِيَمانَ لَهُمْ، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إِيمَانِكُمْ؟ " (11). ورَوَى البخارىُّ (12)، بإسْنادِه عن عَمْرِو بن تَغْلِبَ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أعْطَى أُناسًا وَتَرَكَ أناسًا، فبَلَغَه عن الذينَ تَرَكَ أنَّهم عَتَبُوا، فصَعَدَ المِنْبَرَ، فحَمدَ اللَّه وأَثْنَى عليه، ثم قال: "إنِّى أُعْطِى أُنَاسًا وأَدَعُ أُنَاسًا، والَّذى أَدَعُ أحَبُّ إلىَّ مِنَ الَّذِى أُعْطِى، أُعْطِى أُنَاسًا لِمَا فِى قُلُوبِهِم مِنَ الْجَزَعِ والْهَلَعِ، وأكِلُ أُنَاسًا إلَى مَا فِى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى والْخَيْرِ؛ مِنْهُمْ عَمْرُو بن تَغْلبَ". وعن أنَسٍ، قال: حين أفاءَ اللَّه على رسولِه أمْوالَ هوازِنَ، طَفِقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُعْطِى رِجالًا من قريشٍ مائةً من الإِبِلِ، فقال ناسٌ من الأنْصارِ: يَغْفِرُ اللَّه لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، يُعْطِى قُرَيْشًا ويَمْنَعُنا، وسُيُوفُنا تَقْطُرُ من دِمائِهِم. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنِّى أُعْطِى رِجَالًا [حَدِيثِى عَهْدٍ](13) بكُفْرٍ أتَأَلَّفُهُم". متفقٌ عليه (14). الضَّرب الثالث، قومٌ فى طَرَفِ بِلادِ الإِسْلامِ، إذا أُعْطُوا دَفَعُوا عَمّنْ يَلِيهم من المُسْلمينَ. الضَّرْب الرابع: قومٌ إذا أُعْطُوا أَجْبُوا الزكاةَ ممَّن لا يُعْطِيها إلَّا أن يَخافَ. [وكلُّ هؤلاء](15) يجوزُ الدَّفْعُ إليهم من الزَّكاةِ؛ لأنَّهم من المُؤَلَّفةِ قُلُوبُهُم، فيَدْخُلُونَ فى عُمُومِ الآية.
(11) أخرجه مسلم، فى: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 738، 739. والنسائى، فى: باب المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 65.
(12)
فى: باب من قال فى الخطبة بعد الثناء: أما بعد، من كتاب الجمعة، وفى: باب ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه. . .، من كتاب الخمس، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا
…
}، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 2/ 13، 4/ 114، 9/ 191.
كما أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 5/ 69.
(13)
فى الأصل، أ، ب:"حديث عهد". وفى م: "حدثاء عهد". وفى البخارى: "حديث عهدهم". والمثبت فى صحيح مسلم.
(14)
أخرجه البخارى، فى: باب ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه، من كتاب الخمس. صحيح البخارى 4/ 114. ومسلم، فى: باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 733 - 737.
كما أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 3/ 166.
(15)
فى أ: "فهؤلاء".