الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} (1). وولدُ البَنِينَ أولادٌ؛ قال اللهُ تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} (2) يُخاطِبُ بذلكَ أمَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقالَ: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} (3) يُخاطبُ بذلك مَن في عَصْرِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم منهم. وقال الشاعرُ (4):
بَنُونَا بَنُو أَبنائِنا، وبَنَاتُنَا
…
بَنُوهُنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ (5)
998 - مسألة؛ قال: (فَإِنْ كُنَّ بَنَاتٌ وبَنَاتُ ابْنٍ، فَلِلْبَنَاتِ الثُّلثانِ، وليسَ لِبنَاتِ الابنِ شيءٌ، إلَّا أن يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، فَيُعَصِّبهُنَّ فِيمَا بَقِىَ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
أجمعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ فَرْضَ الابْنتَيْنِ الثُّلُثانِ، إلَّا روايةً شَذَّتْ (1) عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ فَرْضَهما النِّصفُ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} (2). فمفهومُه أن ما دونَ الثَّلاثِ ليس لهما الثُّلثانِ. والصَّحِيحُ قولُ الجماعةِ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لأَخِى سعدِ بنِ الرَّبِيعِ:"أَعْطِ ابْنَتَىْ سَعْدٍ الثُّلُثيْنِ"(3). وقال اللهُ تعالى في الأَخَواتِ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} (4). وهذا تَنْبِيهٌ على أنَّ للبنْتَينِ الثُّلُثينِ؛ لأنَّهما أَقْربُ، ولأنَّ كلَّ مَن يَرثُ الواحِدُ منهم النِّصفَ فلِلاثْنَتَينِ منهم الثُّلثانِ، كالأَخَواتِ مِن الأَبويْنِ، والأَخَواتِ من الأبِ، وكلُّ عَددٍ يَخْتَلِفُ فَرضُ واحدِهم وجَماعتِهم فلِلاثْنيْنِ منهم مِثلُ فَرْضِ الجماعةِ، كوَلَدِ الأُمِّ، والأَخَواتِ مِن
(1) سورة النساء 11.
(2)
سورة الأعراف 26، 27، 31، 35.
(3)
سورة البقرة 40، 47، 122، وسورة المائدة 72، وسورة طه 80، وسورة الصف 6.
(4)
تقدم في: 8/ 203.
(5)
في أ: "الرجال الأجانب". وسقط عجز البيت من: الأصل.
(1)
في م: "شاذة".
(2)
سورة النساء 11.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 6.
(4)
سورة النساء 176.
الأَبَوينِ، أو مِن الأبِ، فأمَّا الثَّلاثُ مِن البناتِ فما زادَ، فلا خِلافَ في أنَّ فرضَهُنَّ الثُّلُثانِ، وأنَّه ثابتٌ بقولِ اللهِ تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} . واختُلِفَ فيما ثَبتَ به فَرْضُ الابنتَيْنِ، فقِيلَ: ثَبتَ بهذه الآيةِ، والتَّقديرُ، فإنْ كُنَّ نِساءً اثنتَيْنِ، وفوقَ صِلَةٌ، كقولِه:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} (5). أي اضْرِبُوا الأَعْناقَ. وقد دَلَّ على هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين نزلَتْ هذه الآيةُ، أرسلَ إلى أخِى سعدِ بن الرَّبيعِ:"أعْطِ ابْنَتَىْ سَعْدٍ الثُّلُثَينِ". وهذا مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَفسيرٌ للآيةِ، وبَيانٌ لِمعناها، واللَّفظُ إذا فُسِّرَ كان الحُكمُ ثابتًا بالْمُفَسَّرِ لا بالتَّفْسِيرِ. ويَدلُّ على ذلك أيضًا أنَّ سببَ نُزولِ الآيةِ قِصةُ بِنْتَىْ سعدِ بنِ الرَّبيعِ، وسؤالُ أمِّهما عن شَأْنِهما في مِيراثِ أبِيهما. وقيلَ: بل ثبَتَ بهذه السُّنَّةِ الثابتةِ. وقيلَ: بل ثبَتَ بالتَّنْبيهِ الذي ذكرْناه. وقيلَ: بل ثبتَ بالإِجْماعِ. وقيلَ: بالقِياسِ. وفى الجملةِ فهذا حُكمٌ قد أُجْمِعَ عليه، وتَواردَتْ عليه الأَدِلَّةُ التي ذكرْناها كلُّها، فلا يَضرُّنا أيُّها أثْبتَه. وأجمعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ بناتِ الصُّلْبِ مَتى اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ، سقَطَ بناتُ الابنِ، ما لم يَكُنْ بإزائِهن، أو أسْفَلَ مِنهنَّ ذكرٌ يُعصِّبُهُنَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ تعالى لم يَفْرِضْ لِلأولادِ إذا كانوا نِساءً إلَّا الثُّلُثيْنِ، قَليلاتٍ كُنَّ أو كَثيراتٍ، وهؤلاء لم يَخْرُجْنَ عن كَوْنِهنَّ نِساءً مِن الأولادِ، وقد ذَهب الثُّلُثان لولَدِ الصُّلبِ، فلم يَبْقَ لهُنَّ شيءٌ، ولا يُمْكِنُ أن يُشارِكْنَ بناتِ الصُّلْبِ؛ لأنَّهنَّ دونَ دَرَجَتِهن، فإن كانَ مع بناتِ الابنِ ابنٌ في دَرَجتِهنَّ، كأَخيهِنَّ، أو ابنِ عَمِّهن، أو أنْزَلَ منهنَّ كابنِ أخِيهنَّ، أو ابنِ ابنِ عَمِّهنَّ، أو ابنِ ابنِ ابنِ عمِّهِنَّ، عَصَّبَهُنَّ في الباقى، فجُعِلَ بينهم للذَّكرِ مِثلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ. وهذا قولُ عامَّةِ العُلماءِ. يُروَى ذلك عن عليٍّ، وزيدٍ، وعائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قالَ مالكٌ، والثَّورىُّ، والشَّافعىُّ، رضى اللهُ عنهم، وإسحاقُ، وأَصحابُ الرَّأْىِ. وبه قال سائرُ الفُقهاءِ إلَّا ابنَ مَسْعودٍ ومَن تَبعَه (6)؛ فإنَّه خالفَ الصَّحابةَ في سِتِّ مَسائلَ مِن الفَرائضِ، هذه إحْداهُنَّ، فجعلَ الباقِىَ للذَّكرِ دونَ
(5) سورة الأنفال 12.
(6)
في م: "اتبعه".