الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأحْكامٍ، فوَجَبَ أن نُثَبِّتَ أحْكَامَها، كما لو انْفَرَدَتْ. فإن أعطاه لِيُتْمِه، فزال فَقْرُه، لم يُعْطَ لِفَقْرِه شيئا.
1083 - مسألة؛ قال: (وأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَىْءِ لِجمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ غَنِيُّهُمْ وفَقيِرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، إلَّا الْعَبِيدَ)
لا نعلمُ خِلافًا بين أهلِ العلمِ اليومَ فى أَنَّ العَبِيدَ لا حَقَّ لهمِ فى الفَىْءِ. وظاهرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ، أَنَّ سائرَ الناس لهم حَقٌّ فى الفَىْءِ، غَنِيَّهم وفَقِيرَهم. ذَكَرَ أحمدُ الفَىْءَ فقال: فيه حقٌّ لكلِّ المسلمينَ، وهو بين الغَنِىِّ والفقيرِ. وقال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: ما مِن أحَدٍ من المسلمينَ إلَّا له فى هذا المالِ نصيبٌ، إلَّا العَبِيدَ، فليس لهم فيه شىءٌ. وقرأ عمرُ:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حتى بَلَغ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (1) ثم قال: هذه اسْتَوْعَبَتِ المسلمينَ عامَّةً، ولئن عِشْتُ ليَأْتِيَنَّ الرَّاعِىَ بسَرْوِ حِمْيَرَ نَصِيبُه منها، لم يَعْرَقْ فيه (2) جَبِينُه (3). ولأنَّه مالٌ مَخْمُوسٌ، فلم يَخْتَصَّ به مَن فيه مَنْفَعةٌ، كأرْبَعةِ أخماسِ الغَنِيمةِ. وذَكَرَ القاضى أَنَّ أهلَ الفَىْءِ هم أهلُ الجِهَادِ من المُرَابطِينَ فى الثُّغُورِ، وجُنْدِ المُسْلِمينَ، ومَنْ يقومُ بمَصالِحِهم؛ لأنَّ ذلك كان للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فى حياتِه، لحُصُولِ النُّصْرةِ والمَصْلحةِ به، فلما مات صارتْ بالجُنْدِ (4)، ومَنْ يحتاجُ إليه المسلمونَ، فصار ذلك لهم دون غيرِهم، وأمَّا الأَعْرابُ ونحوُهم ممَّن لا يُعِدُّ نَفْسَه للجِهادِ، فلا حَقَّ لهم فيه. والذين يَغْزُونَ إذا نَشِطُوا، يُعْطَوْنَ من سَهْمِ سبيلِ اللَّهِ من الصَّدَقةِ. قال: ومعنى كلامِ (5) أحمدَ، أنَّه بين الغَنِىِّ والفقيرِ، يعنى الغِنَى الذى فيه مصلحةُ المسلمينَ من المُجاهدِينَ والقضاةِ والفقهاءِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ معنى كلامِه، أَنَّ لجميعِ المسلمينَ الانتفاعَ بذلك المالِ؛ لكَوْنِه يُصْرَفُ إلى مَنْ يَعُودُ نَفْعُه إلى (6) جميعِ
(1) سورة الحشر 7 - 10.
(2)
فى م: "فيها".
(3)
تقدم تخريجه فى صفحة 282.
(4)
فى م: "للجند".
(5)
فى أ: "قول".
(6)
فى ب، م:"على".
المسلمينَ، وكذلك يَنْتَفِعونَ بالعُبُورِ على القناطرِ والجُسُورِ المَعْقُودةِ بذلك المالِ، وبالأنهارِ والطُّرُقاتِ التى أُصْلِحَتْ به. وسياقُ كلامِه يَدُلُّ على أنَّه ليس مُخْتَصًّا بالجُنْدِ وإنما هو مَصْروفٌ فى مصالحِ المسلمينَ، لكن يبدأُ بجُنْدِ المسلمينَ؛ لأنَّهم أهَمُّ (7) المصالحِ؛ لكَوْنِهم يَحْفَظُونَ المسلمينَ، فيُعْطوْنَ كِفَاياتِهِم، فما فَضَلَ قُدِّمَ الأهَمُّ فالأهَمُّ من عِمارَةِ [الثُّغُورِ وكِفَايَتِها بالأَسْلِحةِ والكُراعِ (8)، وما يُحْتاجُ إليه، ثم الأهَمُّ فالأهَمُّ، من عِمارةِ](9) المساجدِ والقَناطرِ، وإصلاحِ الطُّرقِ، وكِراءِ الأنهارِ، وسَدِّ بُثُوقِها، وأرْزاقِ القُضاةِ والأئمةِ والمُؤَذِّنينَ والفُقَهاءِ، ونحو ذلك ممَّا للمسلمينَ فيه نَفْعٌ. وللشافعىِّ قولان، كنحوٍ مما (10) ذكَرْناه (11). واحْتَجُّوا على أَنَّ أرْبعةَ أخْماسِ الفَىْءِ كان لرسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حياتِه، بما رَوَى مالكُ بن أوْسِ بن الحَدَثانِ قال: سمعتُ عمرَ ابن الخَطَّابِ، والعباسُ وعلىٌّ يَخْتَصِمان إليه فى أمْوالِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال عمرُ: كانت أموالُ بنى النَّضِيرِ ممَّا أفاءَ اللَّه على رَسُولِه، ممَّا لم يُوجِفِ المسلمونَ عليه بخَيْلٍ ولا رِكَابٍ. وكانتْ (12) لرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم خالصًا دون المسلمينَ، وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ منها على أهْلِه نَفَقةَ سَنَتِه، فما فَضَلَ جعَلَه فى الكُرَاعِ والسِّلاحِ، ثم تُوُفِّىَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوَلِيهَا أبو بكرٍ بمِثْلِ ما وَلِيَها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم وَلِيتُها بمِثلِ ما وَلِيهَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ. مُتْفَقٌ عليه (13). إلَّا أَنَّ فيه: يجْعَلُ ما بَقِىَ أُسْوةَ المالِ. وظاهرُ (14) أخْبارِ
(7) فى ب: "لهم".
(8)
الكراع: اسم يشمل الخيل والسلاح.
(9)
سقط من: ب.
(10)
فى أ، ب:"ما".
(11)
فى ب: "ذكرنا".
(12)
فى م: "وكان".
(13)
أخرجه البخارى، فى: باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه، من كتاب الجهاد، وفى: باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال، من كتاب النفقات، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة، من كتاب الفرائض، وفى: باب ما يكره من التعمق والتنازع فى العلم والغلو فى الدين والبدع، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى 4/ 46، 7/ 81، 82، 8/ 185، 186، 9/ 121، 122، 123 ومسلم، فى: باب حكم الفىء، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1379.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى صفايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأموال، من كتاب الإِمارة. سنن أبى داود 2/ 125 - 127، والإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 25، 48، 60، 208، 209.
(14)
فى أ: "فظاهر".