الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكُنْ دُونَها أُمٌّ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (3). وهذا يَدُلُّ على أَنَّهَا لَا تَرِثُ معها شَيْئًا. ولِأَنَّ الْجَدَّةَ تُدْلِى بالْأُمِّ، فسَقَطَتْ بها، كسُقوطِ الْجَدِّ بِالْأَبِ، وابْنُ الابْنِ به. فأَمَّا أُمُّ الْأَبِ، فإِنَّها أيضًا إِنَّمَا تَرِثُ مِيرَاثَ أُمٍّ؛ لأنَّها أُمٌّ، ولذلك تَرِثُ وابْنُها حَىٌّ، ولو كان مِيرَاثُهَا مِنْ جِهَتِه ما وَرِثَتْ مع وُجُودِهِ.
1015 - مسألة؛ قال: (وَكَذَلِكَ إنْ كَثُرْنَ، لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا)
أجْمَعَ أهْلُ الْعِلْمِ على أنَّ مِيرَاثَ الْجَدَّاتِ السُّدُسُ، وإِنْ كَثُرْنَ، وذلك لِمَا رَوَيْنَا مِن الْخَبَرِ (1)، وأنَّ عمرَ شَرَّكَ بينهما. وقد رُوِىَ نحوُ ذلِك عن أبي بكرٍ رَضِىَ اللهُ عنه، فرَوَى سَعِيدٌ (2)، ثنا سُفْيَانُ، وهُشَيْمٌ، عن يحيى بنِ سَعِيدٍ، عن الْقَاسِمِ بنِ محمدٍ، قال: جَاءَتِ الْجَدَّتَانِ إِلى أبى بكرٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، فأَعْطَى أُمَّ الْأُمِّ الْمِيرَاثَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ. فقال له عبدُ الرحمنِ بنُ سُهَيْلِ بنِ حَارِثَةَ، وكان شَهِدَ بِدرًا: يا خليفةَ رسول اللهِ، أَعْطَيْتَ التي إنْ مَاتَتْ لم يَرِثْها، ومَنَعْتَ التي لو ماتَتْ وَرِثَها! فجعل أبو بكرٍ السُّدُسَ بينهما (3). ولأنَّهنَّ ذَواتُ عَددٍ لا يَشْرَكُهُنَّ ذكَرٌ، فاسْتَوى كثيرُهُنَّ ووَاحِدَتُهُنَّ، كالزَّوجاتِ. وقَوْلُ الخِرَقِىِّ:"لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا". يريدُ به التحرُّزَ مِنْ زِيادتهنَّ بالرَّدِّ، فإنَّهنَّ يَأْخُذْن في الرَّدِّ زيادةً على السُّدُسِ، على ما قد مضَى ذِكْرُهُ.
فصل:
ولا خلافَ بين أَهْلِ العِلْمِ في تَوْرِيثِ جَدَّتينِ؛ أُمِّ الْأُمِّ، وأُمِّ الأَبِ. وكذلك إنْ عَلَتَا وكانتا في القُرْبِ سَواءً، كأُمِّ أُمِّ أُمٍّ وأُمِّ أُمِّ أبٍ، إِلَّا ما حُكِىَ عن داودَ، أَنَّه لا يُوَرِّثُ أُمَّ أُمِّ الأبِ شيئا؛ لأنَّهُ لا يَرِثُها فَلا تَرِثُهُ، ولأنَّها غَيْرُ مَذْكورةٍ فِي الْخَبَرَ. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
(3) في: باب في الجدة، من كتاب الفرائض. سنن أبي داود 2/ 110.
(1)
تقدم تخريجه في صفحة 54.
(2)
في: باب الجدات، السنن 1/ 55.
(3)
وأخرجه البيهقي، في: باب فرض الجدة والجدتين، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 235. والدارقطني، في: كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 4/ 90، 91.
أَعْطَى ثلاثَ جَدَّاتٍ (4). ومِنْ ضَرُورتِه أن يكونَ فيهنَّ أُمُّ أُمِّ الأبِ، أو مَنْ هي أعْلَى منها. وما ذكره داودُ فهو قياسٌ، وهو لا يقولُ بالْقياسِ، ثم هو باطلٌ بأمِّ الْأُمِّ، فإنَّها تَرِثُهُ ولا يَرِثُهَا. وقوله: ليستْ مذكورةً في الخبرِ. قُلْنا: وكذلك أُمُّ أُمِّ الأُمِّ. واخْتَلَفُوا في تَوْرِيثِ ما زادَ عليهما؛ فذهَب أبو عبد اللَّه إلى تَوْريثِ ثلاثِ جَدَّاتٍ، مِن غيرِ زيادةٍ عليهنَّ. ورُوِىَ ذلك عن علىّ، وزَيْدِ بن ثابتٍ، وابنِ مَسْعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. ورُوِىَ نحوُه عن مَسْروقٍ، والحسنِ، وقتادةَ. وبه قال الأَوْزَاعِىُّ، وإسحاقُ. وَرُوِىَ عن سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ ما يَدُلُّ على أنَّه لا يُوَرَّثُ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتين. وحُكِىَ ذلِكَ عن أبي بكرٍ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارِثِ بن هِشَام، وسليمانَ بنِ يَسارٍ، وطَلْحةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وربيعةَ، وابنِ هُرْمُزٍ، ومالكٍ، وابنِ أبي ذِئْبٍ، وأَبى ثَوْرٍ، وداودَ، وقالَه الشافِعىُّ فِي القَدِيمِ، وحُكِىَ عَنْ الزُّهْرِىِّ أنَّه قال: لا نَعْلمُ وَرِثَ في الإِسلامِ إلَّا جَدَّتَيْن. وحُكِىَ عن سَعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، أنَّه أَوْتَرَ بِرَكْعةٍ، فَعَابَهُ ابنُ مَسْعُودٍ، فَقَال سَعْدٌ: أَتَعِيبُنِى وأَنْتَ تُوَرِّثُ ثَلاثَ جَدَّاتٍ؟ ورُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّه وَرَّثَ الْجَدَّاتِ وإِنْ كَثُرْنَ، إذا كُنَّ في دَرَجةٍ واحِدَةٍ، إِلَّا مَنْ أَدْلَتْ بِأَبٍ غَيْرِ وَارثٍ، كَأُمِّ أَبِ الأُمِّ. قال ابنُ سُرَاقةَ: وبهذا قَال عَامَّةُ الصحابةِ إِلَّا شَاذًّا. وإليهِ ذَهَبَ الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه، وهو روايةُ الْمُزَنِىِّ عَن الشافعىِّ، رَضِىَ اللَّه عنه، وهو ظاهِرُ كَلام الْخِرَقِىِّ، فإنَّهُ سَمَّى ثَلاثَ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ. ثم قال:"وإنْ كَثُرنَ فعلى ذلك". واحْتَجُّوا بأنَّ الزائِدَةَ جَدَّةٌ أَدْلَتْ بوارثٍ فوَجَبَ أَنْ تَرِثَ، كإحْدَى (5) الثَّلاثِ. ولَنا، ما رَوَى سَعيدٌ (6)، عن ابنِ عُيَيْنَةَ، عن منصورٍ، عن إبِراهيمَ، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ ثَلاثَ
(4) أخرجه الدارمي، في: باب في الجدات، من كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 358. والبيهقي، في: باب توريث ثلاث جدات. . .، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 236. والدارقطني، في: كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 4/ 91.
(5)
في الأصل، م:"كأحد".
(6)
في: باب الجدات. سنن سعيد بن منصور 1/ 54.
جَدَّاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، وواحِدةً مِنْ قِبَلِ الأُمِّ. وأَخْرَجَهُ أبو عُبَيْدٍ والدَّارَقُطْنِىُّ (7). ورَوَى سَعِيدٌ (8) أيضًا، عن إبراهيم، أنَّه قال: كانوا يُوَرِّثُون (9) مِن الْجَدَّاتِ ثلاثًا، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، وواحِدةً مِن قِبَلِ الأُمِّ. وهذا يَدلُّ على التَّحْديدِ بِثَلاثٍ، وأَنَّه لا يَرِثُ (10) أَكْثَر مِنْهُنَّ. وإِذا ثبتَ هذا، فإنَّ الوارثاتِ هي أُمُّ الأُمِّ وإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُها، وأُمُّ الأبِ وأُمَّهاتُها وإِنْ عَلتْ دَرَجَتْهُنَّ، وأُمُّ الجَدِّ وأُمَّهاتُها. ولا تَرِثُ أُمُّ أَبِ الجَدِّ، ولا كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأكْثَرَ مِنْ ثلاثةِ آباءٍ. وهؤلاءِ الجَدَّاتُ الْمُخْتَلَفُ فيهنَّ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ على أَنَّ الجدَّةَ المُدْلِيَةَ بِأَبٍ غيرِ وَارِثٍ لَا تَرِثُ، وهى كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، كأُمِّ أبى الأُمِّ، إلَّا ما حُكِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وجَابِرِ بنِ زَيْدٍ، ومُجاهِدٍ، وابنِ سِيرِينَ أنَّهم قالوا: تَرِثُ. وهو قَوْلٌ شَاذٌّ، لا نَعْلَمُ اليومَ بِه قائلًا، وليس بصحيحٍ؛ فإنَّها تُدْلِى بغيرِ وَارِثٍ، فلم تَرِثْ، كالأجانِبِ، وأَمْثِلَةُ ذَلِكَ، أُمُّ أُمٍّ وأُمُّ أَبٍ، السُّدُسُ بينهما إِجْماعًا، أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وأُمُّ أُمِّ أبٍ، وأُمُّ أبى أَبٍ، وأُمُّ أَبى أُمٍّ، السُّدُسُ للثَّلاثِ الأُوَلِ، إِلَّا عندَ مَالكٍ ومُوَافِقيهِ، فإِنَّه لِلأُولَيَيْنِ. وعنذَ داودَ هو لِلْأُولَى وَحْدَها. ولا تَرِثُ الرَّابِعَةُ إِلَّا في [قَوْلٍ شَاذٍّ](11) عن ابنِ عَبَّاسٍ ومُوَافِقيه، أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وأُمُّ (12) أُمِّ أُمِّ (13) أبٍ، وأُمُّ أُمِّ أبى أَبٍ، وأُمُّ أبى أَبِى أبٍ، وأُمُّ أُمِّ أبى أُمٍّ، وأُمُّ أبى أُمِّ أُمٍّ، وأُمُّ أَبى أَبى أُمٍّ، وأُمُّ أَبى أُمِّ أَبٍ. السُّدُسُ للأُولى عند دَاودَ، وللأُولَيَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ ومُوَافِقيه. وللثَّلاثِ الأُوَلِ
(7) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 4/ 90. كما أخرجه البيهقي، في: باب من لم يورث أكثر من جدتين، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 235.
(8)
في: باب الجدات. السنن 1/ 54.
كما أخرجه الدارقطني، في: كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 4/ 90. والبيهقي، في: باب توريث ثلاث جدات متحاذيات أو أكثر، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 236.
(9)
في م: "يرثون".
(10)
في أ: "يورث".
(11)
في الأصل: "القول الشاذ".
(12)
سقطت الواو من: أ.
(13)
في ازيادة: "أم".
عَنْد أحمدَ ومُوَافِقيه. ولِلْأَرْبَعِ الأُوَلِ عند أبي حنيفةَ ومُوَافِقِيه. وتَسْقُطُ الأَرْبَعُ الباقياتُ إِلَّا في الرِّوايةِ الشَّاذَّةِ. وفي الجملةِ لا يَرِثُ مِنْ قِبَلِ الأُمِّ إلَّا وَاحِدةٌ، ولا مِنْ قِبَلِ الأَبِ إِلَّا اثْنَتَانِ، وهما اللَّتَانِ جاءَ ذكْرُهما في الخبرِ، إلَّا عِنْدَ أبي حنيفةَ ومُوافِقيهِ، فإنَّهُ كُلَّما عَلَوْنَ دَرَجةً، زَادَ في عَدَدهِنَّ مِنْ قِبَلِ الأبِ وَاحِدةٌ.
1016 -
مسألة؛ قال: (وَإنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ كَانَ (1) الميرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ)
أمَّا إِذا كانتْ إِحْدَى الجدَّتَيْنِ أُمَّ الأُخْرَى، فأجْمَع أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الميراثَ لِلْقُرْبَى وتَسْقُطُ البُّعْدَى بها، وإِنْ كانتَا مِن جِهَتَيْنِ والقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الأُمِّ، فالميراثُ لها، وتَحْجُبُ البُّعْدَى في قولِ عامَّتِهم، إلَّا ما رُوِىَ عن ابنِ مَسْعُودٍ، ويحيى بنِ آدم، وَشَرِيكٍ أَنَّ الميراثَ بينهما. وعن ابنِ مَسْعودٍ، إِنْ كانتا (2) من جِهَتَيْنِ فهما سَواءٌ، وإنْ كانتا من جهةٍ واحدةٍ فهو للقُرْبَى. يعني به أنَّ الجَدَّتَيْن مِن قِبَلِ الأَبِ إِذا كانَتْ إِحْداهما أُمَّ الأَبِ والأُخْرَى أُمَّ الجَدِّ، سَقَطَتْ أُمُّ الجَدِّ بِأُمِّ الأَبِ. وسائِرُ أَهْلِ العِلْمِ على أَنَّ القُرْبَى مِنْ جِهَةِ الأُمِّ تَحْجُبُ البُعْدَى مِنْ جِهَةِ الأَبِ. فأمَّا القُرْبَى مِنْ جهَةِ الأَبِ فهلْ تَحْجُبُ البُعْدَى مِن جِهَةِ الأُمِّ؟ فعنْ أحمدَ فيها (3) روايتانِ؛ إِحْدَاهما، أنَّها تَحْجُبُها، ويكونُ الميراثُ لِلْقُرْبَى. وهذا قَوْلُ عليٍّ عليه السلام، وإِحْدَى الرِّوَايتَيْنِ عن زَيْدٍ. وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه، وأَهْلُ العِرَاقِ، وهو قَوْلُ الشَافِعِيِّ. والرِّوايةُ الثانيةُ عن أحمدَ، هو بينهما. وهى الرِّوايةُ الثَّابتةُ عن زيدٍ. وبه قال مالكٌ، والأوْزَاعيُّ. وهو القولُ الثانِي للشافعيِّ؛ لأنَّ الأبَ الذي تُدْلِى به الجَدَّةُ لا يَحْجُبُ الجَدَّةَ مِن قِبَلِ الأُمِّ، فالتى تُدْلِى بِه أَوْلَى أنْ لا يَحْجُبها، وبهذا فَارَقَتْها القُرْبَى مِن قِبَلِ الأُمِّ، فَإِنَّها تُدْلِى بالأُمِّ، وهى
(1) سقط من: م.
(2)
في اهنا وفيما يأتي: "كانا".
(3)
في أ: "منه".