الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا ادَّعَى الرجلُ أنَّه ابنُ سَبِيلٍ (11)، ولم يُعْرَفْ ذلك، لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنةٍ. وإن ادَّعَى الحاجةَ، ولم يكُنْ عُرِفَ له مالٌ فى مكانِه الذى هو به، قُبِلَ قولُه من غير بَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُه معه. وإن عُرِفَ له مالٌ فى مكانِه، لم تُقْبَل دَعْواه للفقرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كما لو ادَّعَى إنسانٌ المَسْكنةَ.
فصل: وجملةُ مَنْ يأخُذُ مع الغِنَى خَمْسةٌ؛ العاملُ، والمُؤَلَّفُ قَلْبُه، والْغازِى، والْغارِمُ لإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ، وابنُ السَّبِيلِ الذى له اليَسَارُ فى بَلَدِه. وخَمْسةٌ لا يُعْطَوْنَ إلَّا مع الحاجةِ؛ الفقيرُ، والمسكينُ، والمُكاتَبُ، والغارمُ [لمصلحةِ نَفْسِه](12) فى مُباحٍ، وابنُ السَّبِيلِ. وأرْبعةٌ يأخذونَ أخْذًا مُسْتَقِرًّا، لا يَلْزَمُهُم رَدُّ شىءٍ بحالٍ؛ الفقيرُ، والمِسْكينُ، والعاملُ، والمُؤَلَّفُ. وأربعةٌ يأخذونَ أخذًا غيرَ مُسْتَقِرٍّ؛ المُكاتَبُ، والغارِمُ، والغازِى، وابنُ السَّبِيلِ.
فصل: ومَنْ سافرَ لِمَعْصِيةٍ، فأراد الرُّجوعَ إلى بلدِه، لم يُدْفَعْ إليه، ما لم يَتُبْ. فإن تاب، احْتَمَلَ جوازَ الدفعِ إليه؛ لأنَّ رُجُوعَه ليس بمَعْصِيةٍ، فأشْبَهَ رُجوعَ غيرِه، بل ربَّما كان رُجُوعُه إلى بلدِه تَرْكًا للمَعْصِيَةِ، وإقلاعًا عنها، كالعاقِّ يُرِيدُ الرُّجوعَ إلى أبَوَيْهِ، والْفارِّ من غَرِيمِه أو امرأتِه (13) يريدُ الرُّجوعَ إليهما. ويَحْتَمِلُ أن لا يُدْفَعَ إليه؛ لأنَّ سَبَبَ ذلك المَعْصِيةُ، فأشْبَهَ الغارِمَ فى المَعْصِيَةِ.
1096 - مسألة؛ قال: (ولَيْسَ عَلَيْهِ أنْ يُعْطِىَ لِكُلِّ هؤُلَاءِ الأصْنَافِ، وإِنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ، إنَّمَا عَلَيْهِ أنْ لَا يُجَاوِزَهُمْ
(1))
وذلك لأنَّ الآيةَ إنَّما سِيقَتْ لبَيانِ مَنْ يجوزُ الصَّرْفُ إليه، لا لإِيجَابِ الصَّرْفِ إلى
(11) فى م: "السبيل".
(12)
فى ب: "لمصلحته".
(13)
فى أ: "وامرأته".
(1)
فى ب: "يتجاوزهم".
الجميعِ، بدليلِ أنَّه لا يجبُ تَعْميمُ كلِّ صِنْفٍ بها. وقد ذَكَرَ اللَّه تعالى فى آيةٍ أُخْرَى صَرْفَها إلى صنفٍ واحدٍ، فقال سُبحانَه:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (2). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لمُعاذٍ حين بَعَثه إلى الْيَمَنِ: "أعْلِمْهُم أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فى فُقَرَائِهِمْ". مُتَّفَقٌ عليه (3). فلم يَذْكُرْ فى الآيةِ ولا فى (4) الخبرِ إلَّا صِنْفًا واحدًا. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَقِبيصَةَ حين تَحَمّلَ حَمالةً: "أقِمْ يا قَبِيصَةُ، حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ، فنَأْمُرَ لَكَ بِهَا"(5). فذَكَرَ دَفْعَها إلى صِنْفٍ واحدٍ (6)، وهو من الغارِمِينَ. وأمَرَ بنى زُرَيْقٍ بدَفْعِ صَدَقَتِهِم إلى سَلمةَ بن صَخْرٍ. روَاه أبو دَاودَ (7). وهو شَخْصٌ واحدٌ. وَبعَثَ إليه علىٌّ رضى اللَّه عنه بِذُهَيْبةٍ فى تُرْبَتِها، فقَسَّمَها بين المُؤَلَّفةِ قُلُوبُهُم (8)، وهم صِنْفٌ واحدٌ. والآثارُ فى هذا كثيرةٌ، تَدُلُّ على أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ يَعْتَقِدُ فى كلِّ صَدَقةٍ ثابِتَةٍ دَفْعَها إلى جميعِ الأصنافِ، ولا تَعْمِيمَهُم بها، بل كان يَدْفَعُها إلى مَنْ تَيَسَّرَ من أهْلِها، وهذا هو اللائقُ بحِكْمةِ الشَّرْعِ وحُسْنِه، إذ غيرُ جائزٍ أن يُكَلِّفَ اللَّه سبحانَه مَنْ وَجَبَتْ عليه شاةٌ، أو صاعٌ من البُرِّ، أو نِصْفُ مِثْقالٍ، أو خمسةُ دَرَاهِمَ، دَفْعَها إلى ثمانيةَ عشرَ نَفْسًا، أو أحدًا وعشرينَ، أو أربعةً وعشرينَ نَفْسًا، من ثمانيةِ أصنافٍ، لكلِّ ثلاثةٍ منهم ثُمْنُها، والغالبُ تَعَذُّرُ وُجُودِهم فى الإقْليمِ العظيمِ، وعَجْزُ السلطانِ عن إيصالِ مالِ بيتِ المالِ مع كَثْرتِه إليهم على هذا الوَجْهِ، فكيفَ يُكَلِّفُ اللَّه سبحانه وتعالى كلَّ مَنْ وَجَبَتْ عليه زكاةٌ جَمْعَهم
(2) سورة البقرة 271.
(3)
تقدم تخريجه فى: 1/ 275، 4/ 5.
(4)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(5)
تقدم تخريجه فى: 4/ 119.
(6)
سقط من: م.
(7)
فى: باب فى الظهار، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 513.
كما أخرجه الدارمى، فى: باب فى الظهار، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 163، 164. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 37.
(8)
تقدم تخريجه فى: 4/ 128.