الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعْسِرًا، أمَّا المُوسِرُ، فلا يَضْمَنُ الأبُ عنه رِوَايةً واحدةً، فإن طَلَّقَ قبلَ الدُّخولِ، سَقَطَ نِصْفُ الصَّداقِ. فإن كان ذلك بعدَ دَفْعِ الأبِ الصَّداقَ عنه، رَجَعَ نِصْفُهُ إلى الابْنِ، وليس للأَبِ الرُّجُوعُ فيه، بمعنى الرُّجُوعِ فى الهِبَةِ؛ لأنَّ الابنَ مَلَكَه بالطَّلاقِ عن غيرِ أبِيه، فأشْبَهَ ما لو وَهَبَه الأبُ أجنَبِيًّا. ثم وَهَبَه الأجنبىُّ للابْنِ (19). ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ فيه؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ عن ابْنِه، فلم يَسْتَقِرَّ المِلْكُ حتى اسْتَرْجَعه الابنُ. وكذلك الحكمُ فيما لو قَضَى الصَّداقَ عن ابْنِه الكبيرِ، ثم طَلَّقَ قبلَ الدُّخولِ. وإن ارْتَدَّتْ قبلَ الدُّخولَ، فالحكمُ فى الرُّجوعَ فى جَمِيعه، كالحكمِ فى الرُّجوعَ فى النِّصْفِ بالطَّلاقِ.
فصل:
فى المَحْجُور عليه للسَّفَهِ، والكلامُ فى نِكاحِه فى ثلاثةِ أحْوالٍ؛ أحدها، أَنَّ لوَلِيِّه تَزْويجَه، إذا عَلِمَ حاجَتَه إلى النِّكاحِ؛ لأنَّه نُصِبَ لمصالِحِه، وهذا من مَصالحِه، لأنَّه يَصُونُ به دِينَه وعِرْضَه ونَفْسَه، فإنَّه ربما تَعَرَّضَ بتَرْكِ التَّزويج للإثْمِ بالزِّنَى، والحَدِّ، وهَتْكِ العِرْضِ، وسواءٌ عَلِمَ حاجَتَهُ (20) بقَوْلِه أو بغيرِ قولِه، وسواءٌ كانت حاجَتُه [إلى الاسْتمْتاعِ](21) أو إلى الخِدْمةِ، فيُزَوِّجُه امرأةً لتَحِلَّ له؛ لأنَّه يحْتاجُ إلى الخَلْوةِ بها. وإن لم يكُنْ به حاجةٌ إليه، لم يَجُزْ تَزْويجُه؛ لأنَّه يُلْزِمُه بالنِّكاحِ حُقوقًا؛ من المَهْرِ، والنفقةِ، والعِشْرةِ، والمَبِيتِ، والسُّكْنَى، فيكون تَضْيِيعًا لمالِه ونَفْسِه فى غير فائدةٍ، فلم يَجُزْ، كتَبْذِيرِ مالِه. وإذا أراد تَزْويجَه (22)، استأذَنه فى تَزْويجِه، فإن زَوَّجَه بغيرِ إذْنِه، فقال أصحابُنا: يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فمَلَكَه الوَلِىُّ فى حَقِّ المُوَلَّى عليه، كالبَيْعِ، ولأنَّه مَحْجورٌ عليه، أشْبَهَ الصغيرَ والمَجْنونَ، ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ تَزْوِيجَه بغيرِ إذْنِه؛ لأنَّه يَمْلِكُ الطَّلاقَ، فلم يُجْبَرْ على النِّكاحِ، كالرَّشيدِ وكالعَبْدِ (23) الكبيرِ؛ وذلك لأنَّ
(19) فى الأصل: "الابن".
(20)
فى ب، م:"بحاجته".
(21)
فى م: "بالاستمتاع".
(22)
فى الأصل: "أن يزوجه".
(23)
فى م: "والعبد".
إجْبارَه على النِّكاحِ مع مِلْكِ الطَّلاقِ، مُجَرَّدُ إضْرارٍ، فإنه يُطَلِّقُ فيَلْزَمُه الصَّداقُ مع فَوَاتِ النِّكاحِ، ولأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ فى امْرأةٍ، ولا يكونُ له فى أُخْرَى، فإذا أُجْبِرَ على مَنْ يَكْرَهُها، لم تَحْصُلْ له المصلحةُ منها، وفات عليه غَرَضُه من الأُخْرَى، فيَحْصُلُ مُجَرَّدُ ضَرَرٍ مُسْتَغْنًى عنه. وإنَّما جاز ذلك فى حَقِّ المجنونِ والطفْلِ، لعدمِ إمكانِ الوُصولِ إلى ذلك مِن قَوْلِهما، ولم يَتَعَذّرْ ذلك ههُنا، فوَجَبَ أن لا يُفَوِّتَ ذلك عليه، كالرَّشِيدِ. الحال الثانى، أنَّ للوَلِىِّ أن يَأْذَنَ له فى التَّزْويجِ فى الحالةِ (24) التى للوَلِىِّ تَزْويجُه فيها، وهى حالةُ الحاجةِ؛ لأنَّه من أهلِ النِّكاحِ، فإنه عاقلٌ مُكَلَّفٌ، ولذلك يَمْلِكُ الطَّلاقَ والخُلْعَ، فجاز أن يُفَوِّضَ إليه ذلك، ثم هو مُخيَّرٌ بين أن يُعَيِّنَ له المرأةَ، أو يَأْذَنَ له مُطْلَقًا. وقال بعضُ الشافعيةِ: يَحْتاجُ إلى التَّعْيينِ له (25)؛ لئَلَّا يتزَوَّجَ شَرِيفةً يَكْثُرُ مَهْرُها ونَفَقَتُها، فيتَضَرَّرُ بذلك. ولَنا، أنَّه أذِنَ فى النِّكاحِ، فجاز من غيرِ تَعْيِينٍ، كالإِذْنِ للعَبْدِ، وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرُوه (26). ولا يتزَوَّجُ إلَّا بمَهْرِ المِثْلِ، فإن زاد على مَهْرِ المِثْلِ، بَطَلَتِ الزِّيادةُ؛ لأنَّها مُحاباةٌ بمالِه، [وهو لا](27) يَمْلِكُها. وإن نَقَصَ عن مَهْرِ المِثْلِ، جاز؛ لأنَّه رِبْحٌ من غيرِ خُسْرانٍ. الحال الثالث، إذا تَزَوَّجَ بغيرِ إذْنٍ. فقال أبو بكر: يصحُّ النِّكاحُ، أَوْمَأَ إليه أحمدُ، قال القاضى: يعنى إذا كان مُحتاجًا، فإن عُدِمَتَ الحاجةُ لم يَجُزْ؛ لأنَّه إتلافٌ لمالِه (28) فى غيرِ فائدةٍ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن أمْكَنَه اسْتِئْذانُ وَلِيِّه، لم يَصِحَّ إلَّا بإذْنِه؛ لأنَّه مَحْجورٌ عليه، فلم يَصِحَّ منه التَّصَرُّفُ بغيرِ إذْنِهِ (29)، كالعبدِ، وإن طَلَبَ منه النكاحَ، فأبَى أن يُزَوِّجَه، ففيه وَجْهان. ولَنا، أنَّه إذا احتاجَ إلى النِّكاحِ، فحَقُّه مُتَعَيِّنٌ فيه، فصَحَّ استِيفاؤُه بنَفْسِه، كما لو
(24) فى أ، م:"الحال".
(25)
سقط من: ب، م.
(26)
فى الأصل، أ، ب:"ذكره".
(27)
فى م: "ولا".
(28)
فى ب: "ماله".
(29)
فى م: "إذن".