الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِكاحِ الحُرَّةِ، فهل له أن ينْكِحَ أمةً؟ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، له ذلك. وهو قولُ مالكٍ، والشافعىِّ؛ لأنَّها مُساوِيةٌ له، فلم يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ نِكاحِها عَدَمُ الحُرَّةِ، كالحُرِّ مع الحُرَّةِ، ولأنَّه لو اشْتُرِط عَدَمُ الحُرَّةِ، لَاشْتُرطَ عَدَمُ القُدْرةِ عليها، كما فى حَقِّ الحُرِّ (7). والثانية، لا يجُوز. وهو قولُ (8) أصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه يُرْوَى عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، أنَّه قال: تُنْكَحُ الحُرَّةُ على الأَمَةِ، ولا تُنْكَحُ الأمَةُ على الحُرَّةِ. ولأنَّه مالِكٌ لبُضْعِ حُرَّةٍ، فلم يكُنْ له أن يتزوَّجَ أمةً، كالحُرِّ (9). وإن عَقَدَ النِّكاحَ عليهما جميعًا، صَحَّ فيهما؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ يجوزُ إفْرادُها بالعَقْدِ، فجاز بالجَمْعِ (10) بينهما، كالأمَتَيْنِ.
فصل:
وإذا زَنَتِ المرأةُ، لم يَحِلَّ لمَنْ يَعْلَمُ ذلك نِكاحَها إلَّا بشَرْطَيْن؛ أحدهما، انْقِضاءُ عِدَّتِها، فإن حَمَلَتْ من الزِّنَى فقضاءُ عِدَّتِها بوَضْعِه، ولا يَحِلُّ نِكاحُها قبلَ وَضْعِه. وبهذا قال مالكٌ وأبو يوسفَ. وهو إحدى الرِّوايَتيْنِ عن أبى حنيفةَ. وفى الأُخْرَى قال: يَحِلُّ نِكاحُها ويَصِحُّ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه وَطْءٌ لا يَلْحَقُ به النَّسَبُ، فلم يُحَرِّم النِّكاحَ، كما لو لم تَحْمِلْ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ (11) الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِى مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ"(12). يعنى وَطْءَ الحَوامِلِ. وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ"(13). صحيحٌ، وهو عامٌّ، ورُوِىَ عن سعيدِ ابن المُسَيَّبِ، أَنَّ رَجُلًا تزوَّجَ امرأةً، فلما أصابَها وجَدَها حُبْلَى، فرُفِعَ ذلك إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ففَرَّقَ بينهما، وجَعَلَ لها الصَّداقَ، وجَلَدَها مائةً. روَاه سعيدٌ (14). ورأَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم
(7) فى ب، م:"الحرة".
(8)
فى م زيادة: "الشافعى و". وتقدم قول الشافعى.
(9)
سقط من: ب.
(10)
فى أ: "الجمع".
(11)
فى ب: "وباليوم".
(12)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى وطء السبايا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 497. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الرجل يشترى الجارية. . .، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذى 5/ 64. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 108، 109.
(13)
تقدم تخريجه فى صفحة 553.
(14)
فى: باب المرأة تزوج فى عدتها. سنن سعيد بن منصور 1/ 188. =
امرأةً مُجِحًّا (15) على بابِ فُسْطاطٍ، فقال: لعَلَّه يُرِيدُ أنْ يُلِمَّ بِهَا؟ قالوا: نعم. قال: "لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ ألْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُه وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ أمْ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ". أخرجه مسلمٌ (16). ولأنَّها حامِلٌ من غيرِه، فحُرِّمَ عليه نِكاحُها، كسائرِ الحَوامِلِ. وإذا ثَبَتَ هذا لَزِمَتْها العِدَّةُ، وحُرِّمَ عليها النِّكاحُ فيها؛ لأنَّها فى الأصْلِ لمَعْرِفةِ براءَةِ الرَّحِمِ، ولأنَّها قبلَ العِدَّةِ يَحْتَمِلُ أن تكونَ حامِلًا، فيكونَ نِكاحُها باطِلًا، فلم يَصِحَّ، كالمَوْطوءةِ بشُبْهةٍ. وقال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ: لا عِدَّةَ عليها؛ لأنَّه وَطْءٌ لا تَصِيرُ به المرأةُ (17) فِراشًا، فأشْبَهَ وَطْءَ الصَّغِيرِ. ولَنا، ما ذكرْناه، ولأنَّه (18) إذا لم يَصِحَّ نكاحُ الحاملِ، فغيرُها أَوْلَى؛ لأنَّ وَطْءَ الحاملِ لا يُفْضِى إلى اشْتِباهِ النَّسَبِ (19)، [وغيرُها يَحْتَمِلُ](20) أن يكونَ وَلَدَها من الأوَّلِ، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ من الثانى، فيُفْضِى إلى اشْتِباهِ الأنْسابِ، فكان بالتَّحْريمِ أَوْلَى، ولأنَّه وَطْءٌ فى القُبُلِ، فأوْجَبَ العِدَّةَ، كوَطْءِ الشُّبْهةِ، ولا نُسَلِّمُ وَطْءَ الصغير الذى يُمْكِنُ منه الوَطْءُ. والشَّرْط الثانى، أن تَتُوبَ من الزِّنَى، [وبه قال](21) قتادةُ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ: لا يُشْتَرَطُ ذلك؛ لما رُوِىَ أَنَّ عمرَ ضَرَبَ رجلًا وامرأةً فى الزِّنَى، وحَرَصَ أن يَجْمَعَ بينهما، فأبَى
= كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 491، 492. والبيهقى، فى: باب لا عدة على الزانية، من كتاب النكاح. السنن الكبرى 7/ 157.
(15)
امرأة مجح: قريبة الولادة.
(16)
فى: باب تحريم وطء الحامل المسبية، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1065، 1066.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى وطء السبايا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 497.
(17)
سقط من: الأصل.
(18)
فى م: "لأنه".
(19)
سقط من: الأصل، ب.
(20)
فى ب، م:"ويحتمل".
(21)
فى م: "قاله".
الرجلُ (22). ورُوِىَ أَنَّ رجلًا سأل ابنَ عباسٍ عن نِكاحِ الزَّانِيَةِ، فقال: يجوزُ، أرَأيْتَ لو سَرَقَ من كَرْمٍ، ثم ابْتاعَه، أكان يَجُوزُ (22)؟ . ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} إلى قولِه: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (23). وهى قبلَ التَّوْبةِ فى حُكْمِ الزِّنَى، فإذا تابَتْ زال ذلك؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ"(24). وقولِه: "التَّوْبةُ تَمْحُو الْحُوَبةَ"(25). ورُوِىَ أَنَّ مَرْثَدًا دَخَلَ مَكَّةَ، فرأى امرأةً فاجِرةً يُقال لها عَنَاقٌ، فدَعَتْه إلى نَفْسِها، فلم يُجِبْها، فلما قَدِمَ المدينةَ سألَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال له (26): أَنْكِحُ عَناقًا؟ فلم يُجِبْه، [فنزَل قولُه] (27) تعالى:{الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} . فدَعاهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتَلَا عليه الآيةَ، وقال:"لَا تَنْكِحْهَا"(28). ولأنَّها إذا كانت مُقِيمةً على الزِّنَى لم (29) يَأْمَنْ أن تُلْحِقَ به [ولدًا من](30) غيرِه، وتُفْسِدَ فِرَاشَه. فأمَّا حديثُ عمرَ، فالظاهرُ أنَّه اسْتَتابَها. وحديثُ ابنِ عباسٍ ليس فيه بيانٌ، ولا تَعَرُّضَ له لمَحَلِّ (31) النِّزاعِ. إذا ثَبَتَ
(22) أخرجهما ابن أبى شيبة، فى: باب فى الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها، من رخص فيه، من كتاب النكاح. المصنف 4/ 248. وعبد الرزاق، فى: باب الرجل يزنى بامرأة ثم يتزوجها، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 203، 204. وسعيد بن منصور، فى: باب الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها. السنن 1/ 224. والبيهقى، فى: باب ما يستدل به على قصر الآية على ما نزلت فيه أو نسخها، من كتاب النكاح. السنن الكبرى 7/ 155.
(23)
سورة النور 3.
(24)
أخرجه ابن ماجه، فى: باب ذكر التوبة، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1420.
(25)
الحوبة: الإثم.
والحديث أخرجه أبو نعيم، فى: حلية الأولياء 1/ 270.
(26)
سقط من: م.
(27)
فى م: "فأنزل اللَّه".
(28)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى قوله تعالى: {الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} ، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 473. والنسائى، فى: باب تزويج الزانية، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 54، 55.
(29)
فى ب: "لا".
(30)
فى م: "ولد".
(31)
فى الأصل، ب:"بمحل".