الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوقَفُ الأمرُ حتَّى يبلُغَ، فيتبَيَّنُ فيهِ علاماتُ الرِّجالِ (5)؛ من نباتِ اللحيةِ، وخروجِ المَنِىِّ من ذَكَرِهِ، وكَوْنِهِ مَنِىَّ رجلٍ، أو علاماتُ النِّساءِ؛ من الحيضِ، والحَبَلِ، وتَفَلُّكِ الثديَيْنِ. نصَّ عليه أحمدُ، في روايةِ المَيْمُونِىِّ. وحُكِىَ عن عَلِىٍّ، والحسَنِ، أَنَّهما قالا: تُعَدُّ أضلاعُهُ، فإنَّ أضلاعَ المرأةِ أكثرُ من أضلاعِ الرجُلِ بضِلَعٍ. قالَ ابنُ اللبَّانِ: ولو صحَّ هذا، لمَا أَشْكَلَ حالُهُ، ولما احْتِيجَ إلى مُراعاةِ المَبَالِ. وقالَ جابرُ بن زيدٍ: يُوقَفُ إلى جَنْبِ حائطٍ، فإن بالَ علَيْهِ فهو رجلٌ، وإن شَلْشَلَ بين فَخْذَيْهِ فهوَ امرأةٌ. وليسَ علَى هذا تعويلٌ، والصَّحيحُ ما ذكَرْنَاهُ، إن شاءَ اللهُ تعالَى، وأنَّهُ يوقَفُ أمرُهُ ما دامَ صغيرًا، فإنِ احتيجَ إلى قَسْمِ الميراثِ، أُعْطِىَ هو ومَنْ مَعَهُ اليَقينَ، ووُقِفَ الباقى إلى حينِ بلوغِهِ، فتُعْمَلُ المسألةُ على أنَّهُ ذكَرٌ، ثم على أنَّهُ أُنثَى، وتدفعُ إلى كلِّ وارثٍ أقلَّ النَّصِيبَيْنِ، وتقِفُ الباقى حتى يبلُغَ. فإن ماتَ قبلَ بلوغِهِ، أو بلَغَ مُشْكِلًا، فلم تظْهَرْ فيه علامةٌ، ورِثَ نصفَ ميراثِ ذكرٍ، ونصفَ ميراثِ أنثَى. نصَّ عليه أحمدُ، وهذا قولُ ابنِ عباسٍ، والشَّعْبِىِّ، وابنِ أبي لَيْلَى، وأهلِ المدينةِ ومكَّةَ، والثَّوْرِىِّ، واللُّؤْلُؤِىِّ وشَرِيكٍ، والحسَنِ بنِ صالحٍ، وأبى يوسُفَ، ويحيى بنِ آدَمَ، وضِرارِ بن صُرَدٍ، ونُعَيْم بنِ حمَّادٍ. وورَّثَهُ أبو حنيفَةَ بأَسْوَإِ حالاتِهِ، وأَعطَى الباقىَ لسائرِ الوَرَثَةِ. وأعْطاه الشَّافِعِىُّ ومَنْ معه اليَقينَ، ووقَفَ الباقىَ حتى يتبَيَّنَ الأمرُ، أو يصطَلِحوا. وبِهِ قال أبو ثَوْرٍ، وداودُ، وابنُ جَريرٍ. وورَّثَه بعضُ أهلِ البَصْرَةِ على الدَّعْوَى فيما بَقِىَ بعد اليَقينِ، وبعضُهم بالدَّعْوَى من أصلِ المالِ. وفيهِ أقوالٌ شاذَّةٌ سِوَى هذِه. ولَنا، قولُ ابنِ عباسٍ، ولم نعرِفْ لهُ في الصحابَةِ مُنْكِرًا، ولأنَّ حالتَيْهِ تساوَتا، فوجبَتِ التسوِيَةُ بين حُكْمَيْهِما، كما لو تداعَى نَفْسانِ دارًا بأَيْديهما، ولا بَيِّنَةَ لهما. وليس توريثُهُ بأسوإ أحوالِهِ بأَوْلَى من توريثِ مَنْ معه بذلك، فتخصيصُهُ بهذا تَحَكُّمٌ لا دليلَ عليهِ، ولا سبيلَ إلى الوَقْفِ؛ لأنَّهُ لا غايةَ له تُنْتَظَرُ، وفيه تضييعُ المالِ مع يَقينِ استحقاقِهم لهُ.
فصل:
واختلفَ مَنْ وَرَّثَهُ نِصفَ ميراثِ ذكَرٍ ونِصفَ ميرَاثِ أنثَى في كيفيَّةِ
(5) في م: "الرجل".
تَوْريثِهِم، فذهبَ أكثرُهم إلى أن يُجْعَلُوا مَرَّةً ذكورًا، ومرَّةً إناثًا، وتُعْمَلُ المسألةُ على هذا مَرَّةً، وعلى هذا مَرَّةً، ثم تضرِبُ إحْداهما في الأخرَى إن تبايَنَتا، أو في وَفْقِهِما (6) إنِ اتفَقَتا، وتَجْتَزِئُ بإحْداهما إن تماثَلَتا، أو بأكثَرِهما إن تناسَبَتا، فتضرِبُهما في اثنَيْنِ، ثم تجمَعُ ما لِكُلِّ واحدٍ منهما إن تماثَلَتا، وتضرِبُ ما لِكُلِّ واحِدٍ منهما في الأُخرَى إن تبايَنَتا، أو في وَفْقِهما إنِ اتفقَتا، فتَدْفَعُه إليه. ويُسَمَّى هذا مذهبَ المُنَزِّلينَ، وهو اختيارُ أصحابِنا. وذهبَ الثَّوْرِىُّ، واللُّؤْلُؤِىُّ، في الولدِ إذا كانَ فيهم خُنْثَى، إلى أن يَجْعَلَ للأُنثَى سَهْمَيْنِ، وللخُنْثَى ثلاثةً، وللذَّكرِ أربعةً؛ وذلك لأنَّنا نَجْعَلُ للأُنْثَى أقلَّ عددٍ لهُ نِصْفٌ، وهو اثنانِ، وللذَّكرِ ضِعْفَ ذلك أربعةٌ، وللخُنْثَى نِصْفَهما، وهو ثلاثةٌ، فيكونُ معه نصفُ مِيراثِ ذكرٍ، ونصفُ ميراثِ أنثَى. وهذا قولٌ لا بأسَ بهِ. وهذا القولُ يُوافِقُ الذي قبلَهُ في بعضِ المواضِعِ، ويخالفُهُ في بعضِها، وبيانُ اختلافِهِما، أنَّنا لو قدَّرْنا ابنًا وبنتًا وولدًا خُنْثَى، لكانت المسألةُ علَى هذا القولِ من تسعةٍ، للخُنْثَى الثُّلُثُ، وهو ثلاثةٌ، وعلى القولِ الأوَّلِ مسألةُ الذُّكُورِيَّةِ من خمسةٍ، والأُنُوثيَّةِ من أربعةٍ، تَضْرِبُ إحداهما في الأخرَى تكُنْ عشرِينَ، ثم في اثنينِ تَكُنْ أربعينَ، للبنتِ سهمٌ في خمسةٍ، وسهمٌ في أربعةٍ، يَكُنْ لها تسعَةٌ، وللذَّكرِ ثمانيةَ عشرَ، وللخُنْثَى سهمٌ في خمسةٍ، وسهمانِ في أربعةٍ، يَكُنْ لهُ ثلاثةَ عشَرَ، وهى دونَ ثُلُثِ الأربعينَ. وقولُ مَنْ ورَّثَهُ بالدَّعْوَى فيما بَقِىَ بعد اليَقينِ يُوافِقُ قولَ المُنَزِّلينَ في أكثرِ المواضِعِ، فإنَّهُ يقولُ في هذه المسألةِ: للذَّكرِ الخُمُسانِ بيَقينٍ، وهى ستةَ عشَرَ من أربعينَ، وهو يدَّعِى النِّصفَ (7) عشرينَ، وللبنتِ الخُمُسُ بيقينٍ، وهى تَدَّعِى الرُّبُعَ، وللخُنْثَى الرُّبُعُ بيَقينٍ، وهو يَدَّعِى الخمسَيْنِ، ستةَ عشَرَ، والمختلَفُ فيه ستةُ أَسْهمٍ يدَّعيها الخُنْثَى كلَّها، فتُعْطيهِ نصفَها، ثلاثةً، مع العشَرَةِ التي معه، صارَتْ له ثلاثةَ عشَرَ، والابنُ يَدَّعِى أربعةً، فتُعْطيهِ نصفَها، سهمَيْنِ، صارَ له ثمانيةَ عشَرَ، والبنتُ تَدَّعِى سهمَيْنِ، فتدفعُ إليها سهمًا، صارَ لها تسعةٌ. وقد وَرَّثَه قومٌ بالدَّعْوَى من أصلِ المالِ، فعلَى قولِهم، يكونُ الميراثُ في هذه المسألةِ من ثلاثةٍ وعشرينَ؛ لأنَّ المُدَّعَى ههُنا نصفٌ،
(6) في م: "وفقها".
(7)
في الأصل، م زيادة:"من".