الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافرةِ مُسْلِمًا، كسائرِ الوِلاياتِ، ولأنَّ هذه تحتاجُ إلى التَّزْويج. ولا وَلِىَّ لها غيرُ سَيِّدِها. فأمَّا السلطانُ، فله الوِلايةُ على مَنْ لا وَلِىَّ لها من أهلِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّ وِلايَتَه عامَّةٌ على أهلِ دارِ الإسْلامِ، وهذه من أهلِ الدارِ، فتَثْبُتُ له الوِلايةُ عليها، كالمُسْلمةِ. وأمَّا الكافرُ، فتثبتُ له الولايةُ على أهلِ دِينِه، على حَسَبِ ما ذَكَرْناه فى (9) المسلمينَ، ويُعْتَبَرُ فيهم الشُّروطُ المُعْتَبَرَةُ فى المسلمينَ، ويُخَرجُ فى اعْتِبارِ عَدالَتِه فى دِينِه وَجْهان، بِناءً على الرِّوايتَيْنِ فى اعْتبارِها فى المسلمين.
فصل:
إذا تَزَوَّجَ المسلمُ ذِمِّيةً، فوَلِيُّها الكافرُ يُزَوِّجُها إيَّاه. ذَكَره أبو الخَطَّابِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّه وَلِيُّها، فصَحَّ تَزْوِيجُه لها، كما لو زَوَّجَها كافرًا، ولأنَّ هذه امرأةٌ لها (10) وَلِى مُناسِبٌ، فلم يَجُزْ أن يَلِيَهَا غيرُه، كما لو تَزَوَّجَها ذِمِّىٌّ. وقال القاضى: لا يُزَوِّجُها إلَّا الحاكمُ؛ لأنَّ أحمدَ قال: لا يَعْقِدُ يَهُودِىٌّ ولا نَصْرانىٌّ عُقْدَةَ (11) نِكاحٍ لمُسْلمٍ ولا مُسْلِمةٍ. ووَجْهُه أنَّه عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلى شهادةِ مُسْلِمَيْنِ، فلم يَصِحَّ بوِلايةِ كافرٍ، كنِكاحِ المسلمين. والأولُ أصَحُّ، والشُّهودُ يُرادُون لإثباتِ النِّكاحِ عندَ الحاكمِ، بخِلافِ الوِلايةِ.
1114 - مسألة؛ قال: (وَإذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أوْلَى مِنْهُ، وَهُوَ حَاضِرٌ، وَلَمْ يَعْضُلْهَا، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ)
هذه المسألة تشْتَمِلُ على أحكامٍ ثلاثة؛ أحدها، أنَّه إذا زَوَّجها الوَلِىُّ (1) الأبْعدُ، مع حُضُورِ الوَلِى الأقْرَبِ، فأجَابَتْه إلى تَزْوِيجِها من غيرِ إذْنِه، لم يَصِحَّ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ: يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا وَلِىٌّ، فصَحَّ (2) أن يُزَوِّجَها بإذْنِها كالأقرَبِ.
(9) فى الأصل: "من".
(10)
فى م: "ولها".
(11)
فى أ، ب، م:"عقد".
(1)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(2)
فى ب، م:"له".
وَلنا، أن هذا مُسْتَحِقٌّ بالتَّعْصِيبِ، فلم يَثبُتْ للأبْعَدِ مع وُجُودِ الأقرَبِ، كالمِيراثِ، وبهذا فارَقَ القَرِيبُ البعيدَ. الحُكْم الثانى، أَنَّ هذا العَقْدَ [يَقَعُ فاسِدًا](3)، لا يَقِفُ على الإجَازةِ، ولا يَصِيرُ بالإجازةِ صحيحًا، وكذلك الحكمُ إذا زُوِّج الأجنبىُّ أو زُوِّجَتِ المرأةُ المُعْتَبرُ إذْنُها بغر إذْنِها، أو تَزَوّجَ العبدُ بغير إذنِ سَيِّدِه، فالنِّكاحُ فى هذا كلَّه باطلٌ، فى أصَحِّ الرِّوايتَيْنِ. نصَّ عليه أحمدُ فى مواضِعَ. وهو قولُ الشافعىِّ، وأبى عُبَيدٍ، وأبى ثَوْرٍ. وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى، أنَّه يَقِفُ على الإجازةِ؛ فإن أجازَه جازَ، وإن لم يُجِزْه فَسَدَ. قال أحمدُ، فى صغيرٍ زَوَّجه عَمُّه: فإن رَضِىَ به فى وقتٍ من الأوقاتِ، جازَ، وإن لم يَرْضَ (4)، فَسَخَ. وإذا زُوِّجَتِ اليتِيمةُ، فلها الخيارُ اذا بَلَغتْ. وقال: إذا زُوِّجَ العبدُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ثم عَلِمَ السِّيِّدُ، فإن شاء أن يُطَلِّقَ عليه فالطَّلاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، فإن أذِنَ فى التَّزْويج فالطلاقُ بيَدِ العبدِ. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْىِ، فى كلِّ مسألهٍ يُعْتَبرُ فيها الإذْنُ. ورُوِىَ ذلك فى النِّكاحِ بغير وَلِىٍّ عن علىِّ بن أبى طالبٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، وعن ابنِ سِيرِينَ، والقاسمِ بن محمد، والحسنِ بن صالحٍ، وإسحاقَ، وأبى يوسفَ، ومحمدٍ؛ لما رُوِىَ أَنَّ جاريةً بِكْرًا أتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَرَتْ له أَنَّ أباها زَوَّجها وهى كارِهة، فخَيَّرَها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داودَ، وابنُ ماجَه (5). ورُوِىَ أَنَّ فتاةً جاءت إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ أبى زَوَّجَنِى. من ابنِ أخِيه، لِيَرْفَعَ بى خَسِيسَتَه. قال: فجَعَلَ الأمْرَ إليها (6). فقالت: قد أجَزْتُ ما صَنَعَ أبى، ولكنِّى أرَدْتُ أن [أعْلَمَ أنَّ للنِّساءِ من الأمْرِ شيئًا] (7). روَاه ابنُ ماجَه والنَّسائىُّ (8). وفى رِوايةِ ابن ماجَه: أرَدْتُ أن يَعْلَمَ النساءُ أن ليس
(3) فى أ، ب، م:"بيع فاسد".
(4)
فى ب زيادة: "به".
(5)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 483. وابن ماجه، فى: باب من زوج ابنته وهى كارهة، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 3.
(6)
فى الأصل: "لها".
(7)
فى المجتبى: "أن أعلم أللنساء من الأمر شىء".
(8)
أخرجه النسائى، فى: باب البكر يزوجها أبوها وهى كارهة، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 71. وابن ماجه، =
إلى الآباءِ من الأمْرِ شىءٌ. ولأنَّه عَقْدٌ يَقِفُ على الفَسْخِ، فوَقفَ على الإجازةِ، كالوَصِيَّةِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"أيُّما امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَها بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّها، فَنِكَاحُها بَاطِلٌ"(9). وقال: "إِذَا نكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِه، فَنِكَاحُهُ باطلٌ". روَاه أبو داودَ، وابنُ ماجَه (10). إلَّا أن أبا داودَ قال: هو (11) مَوْقوفٌ على ابن عُمَرَ. ولأنَّه عَقْدٌ لا تَثْبُتُ فيه أحْكامُه؛ من الطَّلاقِ، والخُلْعِ، واللِّعانِ، والتَّوارُثِ، وغيرها، فلم يَنْعَقِدْ، كنِكاحِ المعْتَدَّةِ. فأمَّا حديثُ المرأةِ التى خَيَّرَها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فهو مُرْسَلٌ عن عِكْرِمةَ، روَاه النَّاسُ كذلك، ولم يذكرُوا ابنَ عباسٍ. قالَه أبو داودَ. ثم يَحْتَمِلُ أَنَّ هذه المرأةَ هى التى قالت: زَوَّجَنِى من ابن أخِيه ليَرْفَعَ بى خَسِيسَتَه. فَخَيَّرَها (12) لتَزْوِيجِها من غيرِ كُفْئِها (13)، وهذا يثبِتُ الخيارَ ولا يبطِلُ النِّكَاحَ، والوصيةُ يَتراخَى فيها القَبُولُ، وتجوزُ بعد الموتِ، فهى مَعْدُولٌ بها عن سائرِ التَّصَرُّفاتِ، ولا تَفْرِيعَ على هذه الرِّوايةِ لوُضُوحِها. فأمَّا على الرِّوايهِ الأُخْرَى، فإنَّ الشهادةَ تُعْتَبرُ فى العَقْدِ؛ لأنَّها شَرْطٌ له، فيُعْتَبرُ وُجُودُها معه، كالقَبُولِ، ولا تعتبرُ فى الاجازةِ؛ لأنَّها ليست بعَقْدٍ، ولأنَّها إذا وُجِدَتْ، اسْتَنَدَ المِلْكُ إلى حالةِ العَقْدِ، حتى لو كان فى العَقْدِ نَماءُ مِلْكٍ من حينِ [العَقْدِ، لا من حينِ](14) الإجازةِ. وإن مات أحَدُهما قبلَ الإجازةِ، لم يَرِثْه الآخَرُ؛
= فى: باب من زوج ابنته وهى كارهة، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 602.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 6/ 136.
(9)
تقدم تخريجه فى: 5/ 88، وصفحة 345.
(10)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى نكاح العبد بغير إذن مواليه، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 480. وابن ماجه، فى: باب تزويج العبد بغير إذن سيده، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 630.
كما أخرجه الدارمى، فى: باب فى العبد يتزوج بغر إذن من سيده، من كتاب النكاح. سنن الدارمى 2/ 152.
(11)
فى م: "إنه".
(12)
فى أ، ب، م:"فتخييرها".
(13)
فى الأصل: "كفو".
(14)
سقط من الأصل.