الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مِيرَاثِ الوَلاء
يعْنِى -واللَّهُ أعلم- المِيراثَ بالولاءِ. وأضاف الميراثَ إليه؛ لأنَّه سَبَبُه، فإنَّ الشىءَ يُضافُ إلى سَبَبِه، كما يقال: دِيَةُ الخَطَأِ، وديةُ العَمْدِ. وإنَّما قُلْنا ذلك؛ لأنَّ الوَلاءَ لا يُورَثُ، وإنَّما يُورَثُ به. وهذا قولُ الجمهورِ. رُوِىَ نحوُ ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، وعلىٍّ، وزيدٍ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وأُسامةَ بن زيدٍ، وأبِى مسعودٍ البَدْرِىِّ، وأُبَىِّ بنِ كعبٍ. وبه قال عَطاءٌ، وطَاوُسٌ، وسالمٌ، والزُّهْرِىُّ، والحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وقَتادةُ، والشَّعْبِىُّ، وإبراهيمُ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وأهلُ العراقِ، وداودُ. وجَعلَ شُرَيحٌ الوَلاءَ مَوْرُوثا كالمالِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الولاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"(1). وقولُه: "الْوَلَاءُ لُحْمةٌ كلُحْمةِ النَّسَبِ"(2). والنَّسَبُ يُورَثُ به ولا يُورثُ، فكذلك الوَلاءُ. ولأنَّ الوَلاءَ إنَّما يحْصُلُ بإِنْعامِ السَّيِّد على [عَبْدِه بالْعِتْقِ](3)، وهذا المعنى لا ينْتَقِلُ عن المُعْتِقِ، فكذلك الوَلاءُ.
1060 - مسألة؛ قال: (وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أوْ أَعْتَقَ مَنْ أعْتَقْنَ، أو كاتَبْنَ، أوْ كاتَبَ مَنْ كاتَبْنَ، وقَدْ رُوِىَ عَنْ أبِى عَبْدِ اللَّهِ، رحمه الله، فِى بِنْتِ المُعْتِقِ خَاصَّةً، أنَّها تَرِثُ؛ لِمَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه وَرَّثَ بِنْتَ حَمْزَةَ مِنَ الَّذِى أعْتَقَهُ حمْزَةُ)
(1)
(1) تقدم تخريجه فى: 8/ 359.
(2)
تقدم تخريجه فى صفحة 215.
(3)
فى م: "المعتق".
(1)
انظر ما تقدم تخريجه فى صفحة 215. ومن أول قوله: "وقد روى" نسخ على أنَّه من الشرح، وما يأتى من قول ابن قدامة: "والرواية التى ذكرها الخرقى" يوضح أنه من المتن.
قولُه: "ولا يَرِثُ النساءُ من الوَلَاءِ". [أى بالوَلاءِ](2)؛ لما قَدَّمْنا من أَنَّ الوَلاءَ لا يُورَثُ، ولهذا قال:"إلَّا ما أعْتَقْنَ". ومُعْتَقَهُنَّ وَلاؤُه لَهُنَّ، فكيف يَرِثْنَه! والظَّاهرُ من المَذْهبِ أَنَّ النِّساءَ لا يَرِثْنَ بالوَلاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ، أو أعْتَقَ مَن أعْتَقْنَ، جَرَّ (3) الوَلاءَ إليهنَّ مَنْ أَعْتَقْنَ. والكتابةُ كذلك؛ فإنَّها إعْتاقٌ. قال القاضى: هذا ظاهرُ كلامِ أحمدَ. والرِّوايةُ التى ذكرَها الخِرَقِىُّ فى ابْنَةِ المعْتِقِ ما وَجَدْتُها مَنْصوصةً عنه. وقد قال، فى روايةِ ابنِ القاسمِ، وقد سأَلَه:[هل كان المَولىَ لحَمْزَةَ](4) أو لِابْنَتِه؟ فقال: لِابْنَتِه (5). فقد نَصَّ على أَنَّ ابنةَ حمزةَ وَرِثَتْ بوَلاءِ نَفْسِها؛ لأنَّها هى المُعْتِقةُ. وهذا قولُ الجمهورِ، وهو قولُ مَن سَمَّيْنا فى أوَّلِ البابِ من الصَّحابةِ والتَّابِعينَ ومَنْ (6) بَعْدَهم غيرَ شُرَيْحٍ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لإِجْماعِ الصَّحابةِ ومَنْ بعدَهم عليه، ولأنَّ الوَلاءَ لُحْمةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ، والمَوْلَى كالنَّسِيبِ من الأخٍ والعَمِّ ونحوِهما، فوَلَدُه من العَتِيقِ بمنزلةِ وَلَدِ أخِيه وعَمِّه، ولا يَرِثُ منهم إلَّا الذُّكورُ خاصَّةً. فأمَّا روايةُ الْخِرَقِىِّ فى بِنْتِ المُعْتقِ، فوَجْهُها ما رَوَى إبراهيمُ النَّخعِىُّ، أَنَّ مَوْلًى لحمزةَ مات، وخَلَّفَ بِنْتًا، فوَرَّثَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بِنْتَهُ النِّصْفَ، وجَعلَ لبنتِ حمزةَ النِّصْفَ (7). والصَّحِيحُ أن المَولى كان لبنتِ حَمْزةَ. قال عبدُ اللَّه بن شَدَّادٍ: كان لبنتِ حمزةَ مولًى أعْتَقَتْه، فمات، وتركَ ابْنَتَه ومَوْلاتَه بنت حمزةَ، فُرفِعَ ذلك إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأعْطَى ابْنَتَه النِّصْفَ، وأعطَى مَوْلاتَه بنتَ حمزةَ النِّصْفَ. قال عبدُ اللَّه بن شَدَّادٍ: أنا أعلمُ بها؛ لأنَّها أُخْتِى من أُمِّى، أُمُّنا سَلْمَى. روَاه ابن اللَّبَّانِ بإسْنادِه (7)، وقال: هذا أصَحُّ ممَّا رَوَى إبراهيمُ. ولأنَّ البِنْتَ من النِّساءِ، فلا تَرِثُ بالوَلاءِ كسائرِ النِّساءِ. فأمَّا تَوْرِيثُ المرأةِ من مُعْتَقِها، ومُعْتَقِ
(2) سقط من: م.
(3)
فى م: "وجر".
(4)
فى م: "على كان لمولى حمزة". تصحيف وتحريف.
(5)
سقط من: م.
(6)
سقطت الواو من: أ.
(7)
انظر ما تقدم تخريجه فى صفحة 215.
مُعْتَقِها، ومن جَرَّ ولاءَ مُعْتَقِها، فليس فيه اخْتلافٌ بين أهل العلمِ. وقد نَصَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فإنَّ عائشةَ أرادت شراءَ بريرةَ لتَعْتِقَها، ويكونَ ولاؤُها لها، فأراد أهلُها اشْتراطَ وَلائِها، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:"اشْتَرِيهَا، واشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإنَّما الْوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". مُتَّفَقٌ عليه (8). وقال عليه السلام: "تَحُوزُ (9) الْمَرْأةُ ثَلَاثةَ مَوَارِيثَ؛ عَتِيقَها، ولَقِيطَها، ووَلَدَها الَّذِى لَاعَنَتْ عَلَيْهِ"(10). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. ولأنَّ المُعْتِقةَ مُنْعِمَةٌ بالإِعْتاقِ، كالرَّجُلِ، فوَجَبَ أن تُساوِيَه فى الميراثِ. وفى حديثِ مولَى بنتِ حمزةَ، الذى ذكرْناه، تَنْصِيصٌ على توريثِ المُعْتِقَةِ. وأمَّا مُعْتَقُ أبِيها، فهو بمَنْزلةِ عَمِّها، أو عَمِّ أبِيها، فلا تَرِثُه، ويَرِثُه أخُوها، كالنَّسَبِ.
ومن مسائل ذلك: رَجُلٌ مات وخلَّف ابنَ مُعْتِقه وبنتَ مُعْتِقِه، فالميراثُ لابنِ مُعْتِقِه خاصَّةً. وعلى الرِّواية الأُخْرَى، يكونُ الميراثُ بينهما أثْلاثًا. فإن لم يُخَلِّفْ إلَّا بِنْتَ مُعْتِقِه، فلا شىءَ لها، ومالُه لبيتِ المالِ، إلَّا على الرِّوايةِ الأُخْرَى، فإنَّ الميراثَ لها. وإن خلَّف أخْتَ مُعْتِقِه، فلا شىءَ لها، روايةً واحدةً. وكذلك إن خلَّف أُمَّ مُعْتِقِه أو جَدَّةَ مُعْتِقِه أو غيرهما. وإن خَلَّفَ أخَا مُعْتِقِه وأختَ مُعْتِقِه، فالميراثُ للأخِ. ولو خلَّف بنتَ مُعْتِقِه وابنَ عَمِّ مُعْتِقِه أو مُعْتِقِ مُعْتِقِه، أو ابنِ مُعْتِقِ مُعْتِقِه، فالمالُ له دُونَ البِنْتِ، إلَّا على الرِّوايَةِ الأُخْرَى، فإنَّ لها النِّصْفَ، والباقى للعَصَبةِ. وإن خلَّف بِنْتَه ومُعْتِقَه، فلبِنْتِه النِّصْفُ، والباقى لمُعْتِقِه، كما فى قصَّة مَوْلَى بنتِ حمزةَ؛ فإنَّه مات وخَلَّفَ بِنْتَه وبنتَ حمزةَ التى أعْتَقَتْه، فأعْطَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم بنتَه النصفَ، والباقىَ لمَوْلاتِه. وإن خلَّف ذا فَرْضٍ سِوَى البنْتِ، كالأُمِّ، أو الجَدَّةِ، أو الأُخْتِ، أو الأخَ من الأُمِّ، أو الزَّوْجَ، أو الزَّوْجةِ، أو مَنْ لا يَسْتَغْرِقُ فَرْضُه المالَ، ومَوْلاهُ (11) أو مَوْلاتَه، فإنَّ لذِى الفَرْضِ
(8) انظر تخريجه فى: 8/ 359.
(9)
فى الأصل، أ:"تحرز".
(10)
تقدم تخريحه فى: 8/ 359.
(11)
فى م: "أو مولاه".
فَرْضَه، والباقى لِمَوْلاه أو مَوْلاتِه (12). فى قولِ جُمْهورِ العُلَماءِ. وقد سبقَ ذكرُ ذلك. رجلٌ وابْنَتُه، أعْتَقَا عبدًا، ثم مات الأبُ، وخلَّف ابْنَه وبِنْتَه، فمالُه بينهما أثلاثًا، ثم مات العبدُ، فللبنْتِ النِّصْفُ؛ لأنَّها مَوْلاةُ نِصْفِه، والباقى لابن المُعْتِقِ خاصَّةً، إلَّا على الروايةِ الضعيفةِ، فإنَّ الباقىَ يكونُ بينهما على ثلاثةٍ، فيكونُ للبنْتِ الثُّلُثانِ، ولأخيها الثُّلُثُ. وإن ماتت البنتُ قبلَ العَبْدِ، وخلَّفتِ ابنًا، ثم مات العبدُ، فلابْنِها النِّصْفُ، والباقى لأَخِيها. ولو لم تُخَلِّفِ البنتُ إلَّا بِنْتًا، كان الوَلاءُ كلُّه لأخِيها دُونَ بِنْتِها، إلَّا على الرِّوايةِ الأُخْرَى، فإنَّ لِبِنْتِها النِّصْفَ، والباقىَ لأخِيها. وإن مات الابنُ قبلَ العَبْدِ، وخلَّف بِنْتًا، ثم مات العبدُ، وخلَّفَ مُعْتقةَ نِصْفِه (13) وبنتَ أخِيها، فللمُعْتقَةِ نصف مالِه، وباقِيه لبيتِ المالِ. وعلى الرِّوايةِ الأُخْرى، لها النِّصْفُ بإعْتاقِها، ونِصْفُ الباقى؛ لأنَّها بنتُ مُعْتِقِ النِّصْفِ، والباقى لعَصَبةِ أبِيها (14). ولو كانت البنتُ ماتتْ أيضًا قبلَ العَبْدِ، وخلَّفت ابْنَها، ثم مات العبدُ، فلابنها النِّصْفُ، ولا شىءَ لبِنْتِ أخيها. امرأةٌ أعْتَقتْ أباها، ثم أعْتَقَ أبُوها عبدًا، ثم مات الأبُ، ثم العبدُ، فمالهُما لها. فإن كان أبُوها خَلَّفَ بِنْتًا أُخْرَى معها، فلهما ثُلُثَا مالِ الأبِ بالنَّسَبِ، والباقى للمُعْتِقةِ بالوَلاءِ، ومالُ العَبْدِ جَمِيعُه للمُعْتِقةِ دون أُخْتِها. ويتخرَّجُ على الرِّوايةِ الأُخْرَى، أن يكونَ لهما ثُلُثَا مالِ العبدِ أيضًا، وباقِيه للمُعْتِقَةِ. ولو كان الأبُ خَلَّفَ مع المُعْتِقَةِ ابْنًا، فمالُ الأبِ بينهما أثْلاثًا بالبُنُوَّةِ، ومالُ العبدِ كلُّه للابنِ دون أُخْتِه المُعْتِقَةِ؛ لأنَّه يَرِثُ بالنَّسَبِ، والنَّسَبُ مُقدَّمٌ على الوَلاءِ. ولو خلَّفَ الأبُ أخًا، أو عَمًّا، أو ابنَ عَمٍّ، مع البنتِ، فللبنتِ نِصْفُ ميراثِ أبيها، وباقيه لِعَصَبَتِه، ومالُ العَبْدِ لعَصَبَتِه، ولا شىءَ لبِنْتِه فيه؛ لأنَّ العَصَبةَ من النَّسَبِ مقدَّمٌ على المُعْتِقِ فى الميراثِ، إلَّا على روايةِ الْخِرَقِىِّ، فإنَّ للبنتِ نصفَ ميراثِ العَبْدِ، لكَوْنِها بنتَ المُعْتِقِ، وباقِيه لعَصَبتِه. امرأةٌ وأخوها، أعْتَقا أباهما، ثم أَعْتقَ
(12) فى الأصل، أ:"لمولاته".
(13)
سقط من: م.
(14)
فى أ، م:"ابنها".