الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يَحْرُمُ نِكِاحُه، والجَمْعُ بَيْنَه، وغير ذلك
التَّحْريمُ للنِّكاحِ ضَرْبانِ؛ تَحْرِيمُ عَيْنٍ، وتحريمُ جَمْعِ. ويَتَنوَّعُ أيضًا نَوْعَيْنِ؛ تَحْرِيمَ نَسَبٍ، وتحريمَ سَبَبٍ. والأصلُ فى ذلك الكتابُ والسُّنَّةُ والإجْماعُ، فأمَّا الكتابُ فقولُ اللَّه تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} . والآيةُ التى قَبْلَها والتى بعدَها (1)، وأمَّا السُّنَّةُ فرَوَى أبو هُرَيْرةَ، عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"لَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأةِ وعَمَّتِها، ولَا بَيْنَها وبَيْنَ خالَتِهَا". مُتَّفَقٌ عليه (2). وعن عائشةَ، رَضِىَ اللَّه عنها، قالت: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ". أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (3). وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ على تَحْرِيمِ ما نَصَّ اللَّه تعالى على تَحْرِيمِه.
1144 - مسألة؛ قال: (والْمُحَرَّماتُ نِكَاحُهُنَّ بِالْأَنْسَابِ: الأُمَّهاتُ، والْبنَاتُ، والْأَخَواتُ، والْعَمَّاتُ، والْخَالَاتُ، وبَنَاتُ الْأَخِ، وبَنَاتُ الأُخْتِ
.
(1) الآيات 22 - 24 من سورة النساء.
(2)
أخرجه البخارى، فى: باب لا تنكح المرأة على عمتها، من كتاب النكاح. صحيح البخارى 7/ 15. ومسلم، فى: باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها. . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1028 - 1030.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 476، 477. وابن ماجه، فى: باب لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 621. والدارمى، فى: باب الحال التى يجوز للرجل أن يخطب فيها، من كتاب النكاح. سنن الدارمى 2/ 136. والإمام مالك، فى: باب ما لا يجمع بينه من النساء، من كتاب النكاح. الموطأ 2/ 532.
(3)
فى: باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، من كتاب الرضاع. صحيح مسلم 2/ 1068.
كما أخرجه البخارى، فى: باب الشهادة على الأنساب. . .، من كتاب الشهادات، وفى: باب ما جاء فى بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الخمس، وفى: باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ} . . .، من كتاب النكاح. صحيح البخارى 3/ 222، 4/ 100، 7/ 11، 12.
والإمام مالك، فى: باب رضاعة الصغير، من كتاب الرضاع. الموطأ 2/ 601.
والْمُحَرَّمَاتُ بالأَسْبَابِ: الأُمَّهاتُ المُرْضِعَاتُ، والْأَخَوَاتُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وأمَّهَاتُ النِّسَاءِ، وبَنَاتُ النِّسَاءِ اللَّاتِى دَخلَ بِهِنَّ، وحَلَاِئِلُ الأَبْنَاءِ، وزَوْجَاتُ الْأَبِ، والْجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ)
وجملةُ ذلك أَنَّ المَنْصُوصَ على تَحْرِيمِهِنَّ فى الكتابِ أرْبَعَ عَشرةَ؛ سَبْعٌ بالنَّسَبِ، واثْنَتانِ بالرَّضَاعِ، وأرْبَعٌ بالمُصَاهَرةِ، وواحدةٌ بالجَمْعِ. فأمَّا اللَّواتِى بالنَّسَب فأوَّلُهُنٍ (1) الأمَّهاتُ، وهُنَّ كلُّ من انْتَسَبْتَ إليها بوِلادةٍ، سواءٌ وَقَعَ عليها اسمُ الأَمِّ حَقِيقةً، وهى التى وَلَدَتْكَ، أو مجازًا، وهى التى وَلَدَتْ من وَلَدَكَ وإن عَلَتْ، من ذلك جَدَّتاكَ (2)؛ أُمُّ أُمِّكَ وأمُّ أبِيكَ، وجَدَّتَا أمِّكَ وجَدَّتَا أبِيكَ، وجَدَّاتُ جَدَّاتِكَ وجَدَّاتُ أجدْادِكَ وإن عَلَوْنَ (3)، وارثاتٍ كُنَّ أو غيرَ وارثاتٍ، كُلُّهُن أُمَّهاتٌ مُحَرَّماتٌ. ذكَر أبو هُرَيْرَةَ هاجَرَ أمَّ إسماعيلَ، فقال: تِلْكَ أُمُّكُم يا بَنِى ماءِ السَّماءِ (4). وفى الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ صَلِّ على أبِينَا آدَمَ وأُمِّنَا حَوَّاءَ. والبناتُ، وهُنَّ كلُّ أنْثَى انْتَسَبَتْ إليك (5) بوِلادَتِكَ، كابْنَةِ الصُّلْبِ، وبناتِ البَنِين والبناتِ وإن نَزَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، وارثاتٍ أو غيرَ وارثاتٍ، كُلُّهُنَّ بناتٌ مُحَرماتٌ؛ لقولِه تعالى:{وَبَنَاتُكُمْ} . فإنَّ كلَّ امرأةٍ بنتُ آدَمَ، كما أنَّ كلَّ رجلٍ ابنُ آدَمَ، قال اللَّه تعالى:{يَابَنِي آدَمَ} . والأخَواتُ من الجِهَاتِ الثَّلاثِ، من الأبَوَيْنِ، أو من الأبِ، أو من الأُمِّ؛ لقولِه تعالى:{وَأَخَوَاتُكُمْ} . ولا تَفْرِيعَ عليهِنَّ. والعَمَّاتُ أخواتُ الأبِ من الجهاتِ الثلاثِ، وأخواتُ الأجْدادِ (6) من قِبَلِ
(1) فى م: "فأولاهن".
(2)
فى م: "جدتك".
(3)
فى أ، ب، م:"علوا".
(4)
أخرجه البخارى، فى: باب قول اللَّه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} . . .، من كتاب الأنبياء، وفى: باب إلى من ينكح. . .، من كتاب النكاح. صحيح البخارى 4/ 171، 7/ 7. ومسلم، فى: باب من فضائل الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1841.
(5)
فى أ: "إليها".
(6)
فى م: "لأجداد".
الأبِ ومن قِبَلِ الأُمِّ، قَرِيبًا كان الجَدُّ أو بعيدًا، وارِثًا أو غيرَ وارثٍ؛ لقوله تعالى:{وَعَمَّاتُكُمْ} . والخالاتُ أخواتُ الأُمِّ من الجهاتِ الثلاثِ، وأخواتُ الجَدَّاتِ وإن عَلَوْنَ. وقد ذكرْنا أَنَّ كلَّ جَدَّةٍ أُمٌّ، فكذلك كلُّ أختٍ لِجَدَّةٍ خالةٌ مُحَرَّمةٌ؛ لقوله تعالى:{وَخَالَاتُكُمْ} . [وبناتُ الأَخِ، كلُّ امرأةٍ انْتَسَبَتْ إلى أخٍ بولادةٍ فهى بِنْتُ أخٍ مُحَرَّمة من أىِّ جِهَةٍ كان الأخُ؛ لقولِه تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ}](7). وبناتُ الأُخْتِ كذلك أيضًا مُحَرَّماتٌ، لقولِه سبحانه وتعالى:{وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} . فهؤلاء المُحَرَّماتُ بالأَنْسابِ. النَّوْع الثانى، المُحرَّماتُ تَحْرِيمَ السَّبَبِ، وهو قسمان: رَضَاعٌ ومُصاهَرةٌ، فأمَّا الرَّضاعُ فالمنصوصُ على التَّحْريمِ فيه اثْنَتانِ؛ الأُمَّهاتُ المُرْضِعاتُ، وهُن اللَّاتِى أرْضَعْنَكَ وأمَّهاتُهن وجَدّاتُهُنَّ وإن عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، على حَسَبِ ما ذكرْنا فى النَّسَبِ، مُحَرَّماتٌ بقولِه تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} . كلُّ امرأةٍ أرْضَعَتْكَ أُمُّها، أو أرْضَعَتْها أمُّكَ، أو أرْضَعَتْكَ وإيَّاها امرأةٌ واحدةٌ، أو ارْتَضَعْتَ أنتَ وهى من لَبَنِ رَجُلٍ واحدٍ، كرَجُلٍ له امْرَأتانِ، لهما منه لَبَنٌ، أرْضَعَتْكَ إحداهُما، وأرْضَعَتْها الأُخْرَى، فهى أخْتُكَ، مُحَرَّمةٌ عليك؛ لقولِه سبحانه:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} . القسم الثانى، تَحْرِيمُ المُصَاهَرةِ، والمنصوصُ عليه أرْبَعٌ؛ أُمَّهاتُ النِّساءِ، فمَن تَزَوَّجَ امرأةً حُرِّمَ عليه كل أُمٍّ لها، من نَسَبٍ أو رَضاعٍ، قَرِيبةٍ أو بعيدةٍ بمُجَرَّدِ العَقْدِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ أكثر أهلِ العلمِ، منهم؛ ابنُ مسعودٍ، وابنُ عمرَ، وجابرٌ، وعِمرانُ بن حُصَيْنٍ، وكثيرٌ من التابِعِينَ. وبه يقولُ مالكٌ، والشافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّها لا تَحْرُمُ إلَّا بالدُّخُولِ [بابْنَتِها، كما لا تَحْرُمُ ابْنَتُها إلا بالدُّخُولِ](8). ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} . والمَعْقُودُ عليها من نِسائِه، فتَدْخُلُ أمُّها فى عُمُومِ الآية، قال ابنُ عباسٍ: أَبْهِمُوا ما أبْهَمَ القرآنُ (9). يعنى
(7) سقط من: ب.
(8)
سقط من: أ. نقل نظر.
(9)
أخرج نحوه البيهقى، فى: باب ما جاء فى قول اللَّه تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ. . .} ، من كتاب النكاح.=
عَمِّمُوا حُكمَها فى كلِّ حالٍ، ولا تَفْصِلُوا بين المَدْخُولِ بها وبين (10) غيرِها. ورَوَى عمرو بن شُعَيْبٍ، عن أيِيه، عن جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأةً، فطَلقَها قَبْلَ أَنْ دَخَلَ بِهَا، فلَا بَأْسَ أَنْ يتَزَوَّجَ رَبِيبَتَهُ، ولَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يتَزَوَّجَ أُمَّهَا". روَاه أبو حَفْصٍ بإسْنادِه (11). وقال زَيْدٌ: تَحْرُمُ بالدُّخولِ أو بالموتِ؛ لأنَّه يَقُومُ (12) مَقامَ الدخولِ. وقد ذَكَرْنا ما يُوجِبُ التَّحْرِيمَ مُطْلَقًا، سواءٌ وُجِدَ الدُّخولُ أو الموتُ أو لا، ولأنَّها حُرمَتْ بالمُصاهَرةِ بقولٍ مُبْهَمٍ، فحُرِّمَتْ بنَفْس العَقْدِ، كحَلِيلةِ الابْنِ والأبِ. الثانية، بناتُ النِّساءِ اللّاتِى دَخَلَ بِهِنَّ، وهُنَّ الرَّبائِبُ، فلا يَحْرُمْنَ إلَّا بالدُّخولِ بأُمَّهاتِهِنَّ، وهُنَّ كلُّ بِنْتٍ للزَّوجةِ من نَسَبٍ أو رَضاعٍ، قريبةٍ أو بعيدةٍ، وارثةٍ أو غيرِ وارثةٍ، على حَسبِ ما ذكرْنا فى البَناتِ، إذا دَخَلَ بالأمِّ حُرمَتْ عليه، سواءٌ كانت فى حِجْرِه أو لم تَكُنْ، فى قولِ عامَّةِ الفُقَهاءِ، إلَّا أنَّه رُوِىَ عن عمرَ وعلىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّهما رَخَّصَا فيها إذا لم تكُنْ فى حِجْرِه. وهو قولُ داودَ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُمْ} . قال ابنُ المُنْذِرِ: وقد أجْمَعَ عُلَماءُ الأمْصارِ على خِلافِ هذا القولِ. وقد ذكرْنا حديثَ عبدِ اللَّه بن عمرو فى هذا، وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّ حَبِيبةَ:"لَا تَعْرِضْنَ عَلَىَّ بَناتِكُنَّ، ولَا أخَوَاتِكُنَّ"(13). ولأنَّ التَّرْبيةَ (14) لا تَأْثِيرَ لها
= السنن الكبرى 7/ 160. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة فتموت. . . السنن 1/ 234. وابن أبى شيبة، فى: باب الرجل يتزوج المرأة. . .، من كتاب النكاح. المصنف 4/ 173.
(10)
سقط من: الأصل.
(11)
وأخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى قول اللَّه تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُمْ. . .} ، من كتاب النكاح. السنن الكبرى 7/ 160. وعبد الرزاق، فى: باب أمهات نسائكم، من كتاب النكاح. المصنف 6/ 276.
(12)
فى الأصل: "يقام".
(13)
أخرجه البخارى، فى: باب الثيبات، وباب:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ} . . .، وباب:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِى فِى حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ. . .} وباب: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. . .} ، من كتاب النكاح، وفى: باب الراضع من المواليات وغيرهن، من كتاب النفقات. صحيح البخارى 7/ 6، 12، 14، 15، 87. وأبو داود، فى: باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 474. والنسائى، فى: باب تحريم الجمع بين الأم والبنت، وباب تحريم الجمع بين الأختين، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 78، 79. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 291، 309، 428.
(14)
فى الأصل: "القريبة".
فى التَّحْريمِ كسائرِ المُحَرِّماتِ. وأمَّا الآية فلم تَخْرُجْ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، وإنَّما وَصَفَها بذلك تَعْرِيفًا (15) لها بغالبِ حالِها، وما خَرَجَ مَخْرَجَ الغالبِ لا يَصِحُّ التمسُّكُ بمَفْهُومِه. وإن لم يَدْخُلْ بالمَرْأَةِ لم تُحَرَّمْ عليه بناتُها، فى قولِ عامَّةِ عُلَماءِ الأمْصارِ إذا بانَتْ من نِكَاحِه، إلَّا أن تَمُوتَ قبلَ الدخولِ، ففيه روَايتان؛ إحْداهما، تَحْرُمُ ابْنَتُها. وبه قال زيدُ بن ثابتٍ. وهى اختيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ الموتَ أُقِيمَ مُقامَ الدُّخُولِ فى تَكْمِيلِ العِدَّةِ والصَّداقِ، فيقومُ مَقامَه (16) فى تحريِم الرَّبِيبَةِ. والثانية: لا تَحْرُمُ. وهو قولُ علىٍّ، ومَذْهَبُ عامَّةِ العلماءِ. قال ابنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عوامُّ عُلَماءِ الأمْصارِ على (17) أَنَّ الرَّجُلَ إذا تزَوَّجَ المرأةَ، ثم طَلَّقَها، أو ماتتْ قبلَ الدُّخولِ بها، حَلَّ (18) له أن يتزوَّجَ ابْنَتَها. كذلك قال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعىُّ، والشافعىُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، ومَنْ تَبِعَهُم؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} . وهذا نَصٌّ لا يترَكُ لقِياسٍ ضعيفٍ، وحديثِ عبدِ اللَّه ابن عَمْرٍو، وقد ذكرْناه، ولأنَّها فُرْقة قبلَ الدُّخولِ، فلم تحَرِّم الرَّبِيبةَ، كفُرْقةِ الطَّلاقِ، والموتُ لا يَجْرِى مَجْرَى الدُّخولِ فى الإِحْصانِ والإِحْلالِ وعِدَّةِ الأقراءِ، وقيامُه مَقامَه من وَجْهٍ ليس بأَوْلَى من مُفَارَقَتِه إيَّاه من وَجْهٍ آخَرَ، ولو قام مَقامَه من كلِّ وَجْهٍ، فلا يترَكُ صَرِيحُ نَصِّ اللَّه تعالى ونَصِّ رَسُولِه لقياس ولا غيرِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الدخولَ بها هو وَطْؤُها، كُنِىَ عنه بالدُّخولِ، فإن خَلَا بها ولم يَطَأْها، لم تَحْرُم ابْنَتُها؛ لأنّها غيرُ مَدْخُولٍ بها. وظاهرُ قولِ (19) الْخِرَقِىِّ تَحْرِيمُها؛ لقولِه: فإن خَلَا بها وقال: لم أطَأْها. وصَدَّقَتْه، لم يُلْتَفَتْ إلى قَوْلِهما (20)، وكان حُكْمُها حكمَ المَدْخُولِ (21) فى
(15) فى الأصل: "تعريفها".
(16)
فى الأصل: "مقامها".
(17)
سقط من: أ، ب، م.
(18)
فى م: "جاز".
(19)
فى الأصل: "كلام".
(20)
فى الأصل، م:"قولها".
(21)
فى أ، ب، م:"الدخول".
حميعِ أمُورِها، إلَّا فى الرُّجوعِ إلى زَوْجٍ طَلَّقَها ثلاثًا، وفى الزِّنَى، فإنَّهما يُجْلَدانِ ولا يُرْجَمانِ. وسنذكُرُه فيما بعدُ، إن شاء اللَّه. الثالثة، حَلائِلُ الأبْناءِ، يعنى أزْوَاجَهُم، سُمِّيَتِ امرأةُ الرجلِ حَلِيلَتَه (22)؛ لأنَّها مَحَلُّ إزَارِ زَوْجِها، وهى مُحَلَّلةٌ له، فيَحْرُمُ على الرجلِ أزْواجُ أبْنائِه، وأبناء بَناتِه، من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ، قريبًا كان أو بعيدًا، بمُجَرَّدِ العَقْدِ، لقوله تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} . ولا نعلمُ فى هذا خِلافًا. الرابعة، زَوْجاتُ الأبِ، فتَحْرُمُ على الرجلِ امرأةُ أبِيه، قرييًا كان (23) أو بعيدًا، وارثًا كان (24) أو غيرَ وارثٍ، من نَسَب أو رَضاعٍ؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} . وقال الْبَراءُ بنُ عازِبٍ: لَقِيتُ خالِى، ومعه الرَّايةُ، فقلتُ: أين تُرِيدُ؟ قال: أرْسَلَنِى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ تَزَوَّجَ امرأةَ أبِيه من بَعْدِه أن أضْرِبَ عُنُقَه أو أقْتُلَه. روَاه النَّسَائِىُّ (25). وفى رواية قال: لَقِيتُ عَمِّى الحارثَ ابن عَمْرو، ومعه الرايةُ. فذكر الخبرَ كذلك. رواه سعيدٌ وغيرُه (26). وسواءٌ فى هذا امرأةُ أبيه (27)، أو امرأةُ جَدِّه لأبِيه، وجَدِّه لأمِّه، [قَرُب أم بَعُدَ](28). وليس فى هذا بين أهلِ العِلْمِ (27) خلافٌ عَلِمْناه، والحمد للَّه. ويَحْرُمُ عليه من وَطِئَها أَبُوه، أو ابْنُه، بمِلْكِ يَمينٍ أو شُبْهةٍ، كما يَحْرُمُ عليه من وَطِئَها فى عَقْدِ نِكاحٍ. قال ابنُ المنذرِ: المِلْكُ فى هذا
(22) فى أ، ب، م:"حليلة".
(23)
سقط من: ب.
(24)
سقط من: الأصل، ب.
(25)
فى: باب نكاح ما نكح الآباء، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 90.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب فى من تزوج امرأة أبيه، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى. وابن ماجه، فى: باب من تزوج امرأة أبيه من بعده، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 869. ولكنه ذكر اسم عم البراء. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 292، 297.
(26)
أخرجه سعيد، فى: باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة. . . السنن 1/ 235.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يزنى بحريمه، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 467. والدارمى، فى: باب الرجل يتزوج امرأة أبيه، من كتاب النكاح. سنن الدارمى 2/ 153.
(27)
سقط من: م.
(28)
فى الأصل: "قربيا أم بعيدا".