الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
والأمَةُ يُباحُ النَّظرُ منها إلى ما يَظْهَرُ غالِبًا، كالوَجْهِ، والرَّأْسِ، واليَدَيْنِ، والسَّاقَيْنِ؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، راى [أمَةً مُتَكَمِّمَةً](89)، فضَرَبها بالدِّرَّةِ، وقال: يالَكاعِ، تَتَشَبَّهِينَ بالحَرَائرِ! ورَوَى أبو حَفْصٍ بإسنادِه، أَنَّ عمرَ كان لا يَدَعُ أمَةً تَقَنَّعُ فى خِلافَتِه، وقال: إنَّما الْقِناعُ للحَرَائرِ (90). ولو كان نَظَرُ ذلك منها (91) مُحَرَّمًا لم يَمْنَعْ من سَتْره، بل أُمرَ به. وقد رَوَى أنسٌ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا أخَذَ صَفِيَّةَ قال الناسُ: لا نَدْرِى، أجَعَلَها أُمَّ المُؤْمِنينَ، أم أُمَّ وَلَدٍ؟ فقالوا: إن حَجَبَها فهى أُمُّ المُؤْمنينَ، وإن لم يَحْجُبْها فهى أُمُّ وَلَدٍ. فلمَّا رَكِبَ، وَطَّأَ لها خَلْفَه، ومَدَّ الحِجابَ بينَه وبينَ الناسِ. مُتَّفَقٌ عليه (92). وهذا دَلِيلٌ على أن عَدَمَ حَجْبِ الإِمَاءِ كان مُسْتَفِيضًا بينهم مَشْهورًا، وأنَّ الحَجْبَ لغَيْرِهِنَّ كان معلومًا. وقال أصحابُ الشافعىِّ: يُباحُ النَّظرُ منها إلى ما ليس بعَوْرةٍ، وهو ما فَوْقَ السُّرَّةِ وتحتَ الرُّكْبةِ. وسَوَّى بعضُ أصْحابِنا بينَ الحُرَّةِ والأمَةِ، لقولِه تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} . الآية، ولأنَّ العِلَّةَ فى تحريمِ النَّظرِ الخوفُ من الفِتْنةِ، والفِتْنةُ الْمَخُوفةُ تَسْتَوِى فيها الحُرَّةُ والأمَةُ، فإنَّ الحُرِّيَّةَ حُكْمٌ لا يُؤثِّرُ فى الأمْرِ الطَّبِيعىِّ. وقد ذكرْنا ما يَدُلُّ على التَّخْصِيصِ، ويُوجِبُ الفَرْقَ بينهما. وإن لم يَفْتَرِقا فيما ذَكَرُوه، افْتَرَقا فى الحُرْمةِ، وفى مَشَقَّةِ السَّتْرِ، لكن إن كانت الأمَةُ جميلةً يُخَافُ الفِتْنةُ بها، حَرُمَ النَّظرُ إليها، كما يَحْرُمُ النَّظَرُ إلى الغُلامِ الذى تُخْشَى الفِتْنةُ بالنَّظَرِ إليه. قال أحمدُ، فى الأَمَةِ إذا كانت جميلةً: تَنْتَقِبُ، ولا يُنْظَرُ إلى المَمْلوكةِ، كم من نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فى قَلْبِ صاحِبِها البَلَابِلَ.
فصل: فأمَّا الطِّفْلةُ التى لا تَصْلُحُ للنِّكاحِ، فلا بأسَ بالنَّظرِ إليها. قال أحمدُ، فى
(89) فى م: "امرأة متلثمة". وفى مصدرى التخريج التاليين: "أمة متقنعة".
(90)
أخرج الأثرين ابن أبى شيبة، فى: باب فى الأمة تصلى بغير خمار، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 230. وعبد الرزاق، فى: باب الخمار، من كتاب الصلاة. المصنف 3/ 136.
(91)
فى ب: "منهما".
(92)
تقدم تخريجه فى صفحة 348.
رِوايةِ الأثْرَمٍ، فى الرَّجُل (93) يأخُذُ الصغيرةَ، فيَضَعُها فى حِجْرِه، ويُقَبِّلُها: فإن كان يَجِدُ شَهْوة فلا، وإن كان لغيرِ شهوةٍ، فلا بأسَ. وقد رَوَى أبو بكرٍ، بإسنادِه عن عمرَ ابن حفصٍ الْمَدِينىِّ، أنَّ الزُّبَيْرَ بن العَوَّامِ، أرْسَلَ بابْنَةٍ له إلى عمرَ بن الخطابِ، مع مَوْلاةٍ له، فأخَذَها عمرُ بيَدِه، وقال: ابْنةُ أبى عبدِ اللَّه. فتَحَركَتِ الأجْراسُ من (94) رِجْلَيْها (95). فأخَذَها عمرُ فقَطَعَها، وقال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانٌ"(96). فأمَّا إذا بَلَغَتْ حَدًّا تَصْلُحُ معه (97) لِلنِّكاحِ، كابْنةِ تِسْعٍ، فإنَّ عَوْرَتَها مُخالِفةٌ لعَوْرةِ البالغةِ، بدليلِ قولِه عليه السلام:"لَا يَقْبَلُ اللَّه صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ"(98). فدَلَّ (99) على صِحّةِ الصَّلاهِ ممَّن لم تَحِضْ مَكْشُوفةَ الرَّأسِ، فيَحْتَمِلُ أن يكونَ حُكْمُها حكمَ ذواتِ الْمَحارِمِ، كقَوْلِنا فى الغلامِ المُرَاهِقِ مع النِّساءِ. وقد روى أبو بكرٍ، عن ابن جُرَيجٍ، قال: قالت عائشةُ: دخَلَتْ علىَّ ابنةُ أخِى مُزَيَّنةً، فدخلَ علىَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فأعْرَضَ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، إنَّها ابنةُ أخِى وجاريةٌ. فقال:"إذا عَرَكَتِ المرأةُ (100) لم يَجُزْ لها (101) أن تُظْهِرَ إلَّا وَجْهَها وإلَّا (102) مَا (103) دُونَ هذَا". وقَبَضَ على ذراعِ نَفْسِه، فتَرَكَ بين قَبْضَتِه وبين الكَفِّ مثلَ قَبْضةٍ أخرى أو نحوِها (104).
(93) فى م: "رجل".
(94)
فى ب: "فى".
(95)
فى أ، ب، م:"رجلها".
(96)
أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى الجلاجل، من كتاب الخاتم. سنن أبى داود 2/ 408.
(97)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(98)
تقدم تخريجه فى: 2/ 283.
(99)
فى الأصل: "ويدل"، وفى أ، ب:"يدل".
(100)
عركت المرأة: حاضت.
(101)
سقط من: ب.
(102)
فى الأصل، ب:"ولا".
(103)
فى الأصل: "وما".
(104)
أورده ابن جرير الطبرى، فى: تفسير سورة النور الآية 31. تفسير الطبرى 119/ 18.