الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واللَّيْثِ، وشَرِيكٍ، ومُغِيرةَ الضَّبىِّ (9)، وابنِ أبى لَيْلَى، والحسنِ بن صالحٍ، ووكيعٍ. ورُوِىَ ذلك عن مالكٍ. ورُوِىَ عن النّخعِىِّ، والثَّوْرىِّ، القَوْلانِ معًا. ويَحْتَمِلُ كلامُ أحمدَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنْ يكونَ الكفرُ مِللًا كثيرةً، فتكونَ المَجُوسِيَّةُ مِلَّةً، وعبادةُ الأوْثانِ مِلَّةً أخرى، وعبادةُ الشَّمْسِ مِلَّةً، فلا يَرِثُ بَعْضُهم بعضًا. رُوِىَ ذلك عن علىٍّ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، ورَبِيعةُ، وطائِفةٌ من أهْلِ المدينةِ، وأهْلُ البصْرَةِ، وإسحاقُ، وهو أصَحُّ الأقْوالِ، إن شاء اللَّه تعالى؛ لقولِ النّبىِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى". ولأنَّ كلَّ فريقَيْنِ منهم لا مُوالاةَ بينهم، ولا اتِّفاقَ فى دينٍ، فلم يَرِثْ بعضُهم بعضًا، كالمسلمين والكُفَّارِ، والعُموماتُ فى التَّوريثِ مَخْصُوصةٌ، فيُخَصُّ منها مَحِلُّ النِّزاعِ بالخبرِ والقياس، ولأن مُخالفينا قَطَعوا التَّوْريثَ (10) بينَ أهْلِ الحرْبِ وأهلِ دارِ الإسلامِ، معَ اتِّفاقِهم فى الملَّةِ؛ لانْقطاعِ المُوالاةِ، فمع اخْتِلافِ المِلَّةِ أوْلَى. وقولُ مَنْ حَصَرَ المِلَّةَ بعَدَمِ الكتابِ غيرُ صحيحٍ، فإنَّ هذا وصفٌ عَدَمِىٌّ، لا يقْتَضِى حُكْمًا، ولا جَمْعًا، ثم لَابُدَّ لهذا الضّابطِ من دليلٍ يَدُلُّ على اعْتبارِه، ثم قد افْتَرقَ حُكْمُهم، فإنَّ المَجُوسَ يُقِرُّونَ بالجِزْيةِ، وغيرُهم لا يُقِرُّ بها، وهم مُخْتلِفُون فى مَعْبوداتِهم، ومُعْتَقداتِهم، وآرائِهم، يَسْتَحِلُّ بعضُهم دماءَ بعضٍ، ويكَفِّرُ بعضُهم بعضًا، فكانوا مِللًا كاليهودِ والنَّصارَى. وقد رُوِى ذلك عَنْ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فإن إسماعِيلَ بنَ أبى خالدٍ، روَى عن الشَّعْبى، عن علىٍّ عليه السلام، أنَّه جعلَ الكُفْرَ مِللًا مُخْتلِفةً. ولم يُعْرَفْ له مخالفٌ فى الصَّحابةِ، فيكونُ إجماعًا.
فصل:
وقياسُ المذهبِ عِندى، أن المِلَّةَ الواحدةَ يتَوارَثُون، وإنِ اختلفتْ ديارُهم؛ لأنَّ العُموماتِ من النُّصوص تَقْتَضِى توريثَهم، ولم يَرِدْ بتخْصيصِهم نَصٌّ، ولا إجْماعٌ، ولا يصِحُّ فيهم قياسٌ، فيجبُ العَملُ بعمومِها. ومفهومُ قولِه عليه السلام:
(9) فى م: "والضبى". وهو المغيرة بن مقسم الضبى مولاهم، من فقهاء التابعين بالكوفة، مات بعد سنة ثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 83، تهذيب التهذيب 10/ 269 - 271.
(10)
فى م: "التوارث".
"لَا يَتَوَارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى". أَنَّ أهْلَ المِلَّةِ الواحدةِ يَتَوارَثُون. وضبطُه (11) التوريثَ بالملَّةِ والكُفْرِ والإِسلامِ، دليلٌ على أَنَّ الاعتبار به دُونَ غيرِه، ولأنَّ مُقْتَضى التَّوْريثِ موجودٌ، فيَجِبُ العَمَلُ به، ما لم يَقُمْ دليل على تَحَقُّقِ المانِعِ. وقد نَصَّ أحمدُ فى رِوايَة الأثْرَمِ، فى من دَخَلَ إلينا بأمانٍ فقُتلَ، أنَّه يبعَثُ بِدِيته إلى مَلِكِهم حتَّى يَدْفَعَها إلى وَرَثَتِه (12). وقد رُوِىَ أَنَّ عمرو بنَ أُمَيَّةَ كان مع أهْلِ بئْرِ مَعُونَةَ، فسَلِم ورَجَعَ إلى المدينةِ، فوجَدَ رَجُلَيْنِ فى طَرِيقه من الْحَىِّ الذى قتَلُوهم، وكانا أتيَا النّبىَّ صلى الله عليه وسلم فى أمانٍ، ولم يَعْلَمْ عمرٌو، فقتَلهما، فوداهُما النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم (13). ولا شَكَّ فى أنَّه بعثَ بِديتِهما إلى أهْلِهما. وقال القاضى: قياسُ المذهبِ عندى، أنَّه لا يرثُ حَرْبِىٌّ ذِميًّا، ولا ذِمِّىٌّ حَرْبِيًّا؛ لأنَّ المُوالاةَ بينهما مُنْقَطِعةٌ، فأمَّا المُسْتَأمَنُ فيَرِثُه أهلُ الحرْب، وأهلُ دارِ الإسْلامِ. وبهذا قال الشَّافعىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال أبو حنيفةَ، إلَّا أَنَّ المُسْتَأمَنَ لا يَرِثُه الذّمِّىُّ؛ لأنَّ دارَهما مختلِفةٌ. قال القاضى: ويَرِثُ أهْلُ الحرْبِ بعضُهم بعضًا، سواءٌ اتّفقتْ ديارُهم، أو اختلفتْ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا اختلفتْ ديارُهم، بحيثُ كان لكلِّ طائفةٍ مَلِكٌ، ويرَى بعضُهم قَتْلَ بَعْضٍ، لم يَتَوارَثا؛ لأنَّهم لا مُوالاةَ بينهم، أشْبَهَ أهْلَ دارِ الحربِ، فجعلوا اتِّفاقَ الدَّارِ، واخْتلافَها ضابطًا للتَّوْريثِ، وعدمِه. ولا نعلمُ فى هذا كلِّه (14) حُجَّةً من كتابٍ ولا سُنَّةٍ، معَ مُخالفتِه لعمومِ النَّصِّ المُقْتَضِى للتَّوْريثِ، ولم يَعْتَبْروا الدِّينَ فى اتفاقِه، ولا اخْتِلافِه، مع وُرودِ الخبرِ فيه، وصِحَّةِ العبْرَةِ فيها، فإنَّ المسلمين يَرِثُ بعضُهم بعضًا، وإنِ اخْتَلَفتِ الدَّارُ بهم، فكذلك الكُفَّارَ. ولا يَرِثُ المسْلِمُ كافرًا، ولا الكافِرُ مسْلِمًا؛ لاخْتلافِ الدِّينِ بهم، وكذلك لا يَرِثُ مُخْتَلِفا الدِّينِ أحدُهما من صاحِبِه شيئًا.
(11) فى م بعد هذا زيادة: "يتوارث أهل ملتين شتى أن أهل الملة الواحدة يتوارثون" إعادة.
(12)
فى م: "الورثة".
(13)
انظر: السيرة النبوية 3/ 186.
(14)
سقط من: الأصل، أ.