الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ذَوِى الأرْحام
وهم الأقارِبُ الذين لا فَرْضَ لهم ولا تَعْصِيبَ، وهم أحَدَ عَشَرَ حَيِّزًا؛ وَلَدُ الْبَناتِ، ووَلَدُ الْأَخَواتِ، وبناتُ الْإِخْوَةِ، ووَلَدُ الْإِخْوَةِ من الْأُمِّ، والعَمَّاتُ من جميع الجهاتِ، والْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، والْأَخْوالُ، والخالاتُ، وبنَاتُ الْأَعْمامِ، والْجَدُّ أبو الْأُمِّ، وكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بين أُمَّيْنِ، أو بأبٍ أعْلَى مِن الْجَدِّ. فهؤلاءِ، ومَنْ أَدْلَى بهم، يُسَمَّوْنَ ذَوِى الْأَرْحامِ. وكان أبو عبدِ اللهِ يُوَرِّثُهم إذا لم يكُنْ ذُو فَرْضٍ، وَلَا عَصَبَةٌ، ولا أَحَدٌ من الوُرَّاثِ، إلَّا الزَّوْجَ، والزَّوْجَةَ. رُوِىَ هذا القَوْلُ عَنْ عمرَ، وعلىٍّ، وعبدِ اللهِ، وأبى عُبَيْدَةَ بنِ الجَرّاحِ، ومُعاذِ بن جَبلٍ، وأبى الدَّرْدَاءِ، رضي الله عنهم. وبه قال شُرَيْحٌ، وعمرُ بن عبد العزيز، وعَطاءٌ، وطاوُسٌ، وعَلْقَمَةُ، ومَسْرُوقٌ، وأَهْلُ الكُوفَةِ. وكان زَيْدٌ لا يُوَرِّثُهم، ويَجْعَلُ الباقىَ لِبَيْتِ المالِ. وبه قال مَالِكٌ، والأَوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وداوُدُ، وابنُ جَرِيرٍ؛ لِأَنَّ عطاءَ بن يَسَارٍ رَوَى أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَكِبَ إلى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللهَ تعالى في العَمَّةِ والْخَالَةِ، فأُنْزِلَ عليه أَنْ لا مِيراثَ لهما. روَاه سعيدٌ، في "سُنَنِهِ"(1)؛ لأنَّ العَمَّةَ، وابْنةَ الْأَخِ لا تَرِثانِ مع أَخَوَيْهِما، فلا تَرِثان مُنفَرِدَتَيْنِ، كالْأَجْنَبِيّات. وذلك (2) لِأَنَّ انْضِمَامَ الْأَخِ إليهِما يُؤَكِّدُهما ويُقَوِّيهِما، بدَلِيلِ أنَّ بناتِ الابنِ، والْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ، يَعْصِبُهُنَّ أَخُوهُنَّ فيما بَقِىَ بعدَ مِيرَاثِ الْبَنَاتِ والْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، ولا يَرِثْنَ مُنْفَرِداتٍ، فإذا لم يَرِثْ هاتانِ مع أَخِيهِما، فمع عَدَمِهِ أَوْلَى. ولِأَنَّ المَوَارِيثَ إنَّما تَثْبُتُ نَصًّا، ولا نَصَّ في
(1) في: باب العمة والخالة. السنن 1/ 70.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من لا يرث من ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 212، 213. والدارقطني، في: كتاب الفرائض. سنن الدارقطني 4/ 98. والحاكم، في: باب ميراث العمة والخالة، من كتاب الفرائض. المستدرك 4/ 343.
(2)
في أ: "كذلك". وفي م: "ولذلك".
هؤلاءِ. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (3). أي أَحَقُّ بالتَّوَارُثِ في حُكْمِ اللهِ تعالى. قال أَهْلُ العِلْمِ: كان التَّوَارُثُ في ابْتِدَاءِ الْإِسْلامِ بالْحِلْفِ، فكان الرَّجُلُ يقول للرَّجُلِ: دَمِى دَمُكَ، ومالِي مالُكَ، تَنْصُرُنى وأَنْصُرُكَ، وتَرِثُنِى وأَرِثُكَ. فيَتَعَاقَدَانِ الْحِلْفَ بينهما على ذلك، فَيَتَوَارَثانِ به دُونَ الْقَرَابَةِ، وذلك قولُ اللهِ عز وجل:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (4). ثم نُسِخَ ذلك، وصارَ التَّوارُثُ بالإِسلامِ والهِجْرَةِ، فإذا كان له ولَدٌ، ولم يُهاجِرْ، ورِثَه الْمهاجِرونَ دونَهُ، وذلك قولُه عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (5). ثم نُسِخَ ذلك بقولِ اللهِ تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (3). ورَوَى الإِمامُ أَحمدُ (6)، بإِسنادِهِ، عن سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، أنَّ رجلًا رمَى رجلًا بسَهْمٍ، فقتلَه، ولم يتْرُكْ إلَّا خالًا، فكتَبَ فيه أبو عُبَيْدَةَ إلى عمرَ، فكتبَ إليه عمرُ؛ إنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ:"الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ". قالَ التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسَنٌ. ورَوَى المِقْدادُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: "الخالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ، وَيَرِثُهُ". أخرجَه أبو داوُدَ (7). وفى لَفظٍ: "مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ، وَيَفُكُّ عَانِيَهُ"(8). فإن
(3) سورة الأنفال 75.
(4)
سورة النساء 33.
(5)
سورة الأنفال 72.
(6)
في: المسند 1/ 28، 46.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في ميراث الخال، من أبواب الفرائض. عارضة الأحوذى 8/ 254، 255. وابن ماجه، في: باب ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 914.
(7)
في: باب في ميراث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن أبى داود 2/ 111.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب الدية على العاقلة فإن لم يكن عاقلة ففى بيت المال، من كتاب الديات، وفى: باب ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 879، 914. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 131، 133.
(8)
أخرجه أبو داود في الباب السابق، الموضع السابق. والبيهقي، في: باب من قال بتوريث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى 6/ 214.
قيلَ: المرادُ بهِ أنَّ مَنْ ليس لهُ إلَّا خالٌ فلا وُرَّاث له، كما يُقالُ: الجوعُ زادُ مَنْ لا زادَ لَهُ، والماءُ طِيبُ مَنْ لا طِيبَ لَهُ، والصبرُ حِيلةُ مَنْ لا حِيلَةَ لَهُ. أو أنَّه أرادَ بالخالِ السُّلطانَ. قُلْنا: هذا فاسِدٌ؛ لِوجوهٍ ثلاثةٍ؛ أحدُها، أنَّه قال:"يَرِثُ مَالَهُ"، وفى لفظٍ قال:"يَرِثُهُ". والثاني، أنَّ الصحابَةَ فَهِموا ذلك، فكتَبَ عمرُ بهذا جوابًا لأبي عُبَيْدَةَ حين سألَه عن مِيراثِ الخالِ، وهم أحَقُّ بالفَهْمِ والصوابِ مِنْ غيرِهم. الثالثُ، أنَّه سَمَّاهُ وارِثًا، والأصْلُ الحقيقَةُ. وقولُهم: إنَّ هذا يُسْتَعملُ للنَّفْىِ. قُلْنا: والإِثْباتِ، كقَوْلِهم: يا عِمادَ مَنْ لا عمادَ له. يا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ له. يا ذُخْرَ مَنْ لا ذُخْرَ له. وقال سعيدٌ (9): حدَّثَنا أبو شِهابٍ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بن يحيى بنِ حِبَّان، عن عَمِّه واسِعِ بنِ حِبَّان، قال: تُوُفِّىَ ثابتُ بن الدَّحْداحَةِ، ولم يَدَعْ وارِثًا ولا عَصَبَةً، فرُفِعَ شأنُه إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدفَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مالَه إلى ابنِ أُختِهِ أبى لُبابَةَ بنِ عبد المُنْذرِ. ورواه أبو عُبَيْدٍ، في "الأمْوالِ"(10)، إلَّا أنَّه قال: ولم يُخلِّفْ إلَّا ابنةَ أخٍ له، فقضَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بميراثِهِ لابنة أَخيهِ. ولأنَّه ذو قَرابَةٍ، فيَرِثُ، كذَوِى الفُروضِ؛ وذلك لأنَّه سَاوَى النَّاسَ في الإِسلامِ، وزاد عليهم بالقَرابَةِ، فكان أَوْلَى بمالِه منهم، ولهذا كانَ أحَقَّ في الحياةِ بصَدَقَتِهِ وصِلتِهِ، وبعدَ الموتِ بوصيَّتِهِ، فأشْبَهَ ذَوِى الفُروضِ والعَصَباتِ (11) الْمَحْجُوبِينَ، إذا لم يكُنْ مَنْ يَحْجُبُهم. وحديثُهم مرسَلٌ. ثم يَحْتَمِلُ أنَّه لا مِيراثَ لهما مع ذَوِى الفُروضِ والعَصَباتِ؛ ولذلك سَمَّى الخالَ "وَارِث مَنْ لَا وارِثَ لَهُ". أي لا يرِثُ إلَّا، عند عَدَمِ الوارِثِ. وقولُهم: لا يرِثانِ مع أخيهما (12). قُلْنا: لأنَّهما أقوَى منهما. وقولُهم: إنَّ المِيراثَ إنَّما ثبَتَ نصًّا. قُلْنا: قَدْ ذكَرْنا نُصوصًا. ثم التَّعْليلُ واجِبٌ مهما أمْكَنَ،
(9) في: باب العمة والخالة. السنن 1/ 70، 71.
كما أخرجه الدارمي، في: باب ميراث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 381. وعبد الرزاق، في: باب الخالة والعمة وميراث القرابة، من كتاب الفرائض. المصنف 10/ 284، 285.
(10)
لم نجده في المطبوع بين أيدينا.
(11)
في النسخ: "والعصابات".
(12)
في الأصل: "أخوهما". وفى ا: "إخوتهما". وفي م: "أخواتهما". وتقدم في أول الباب.