الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرُوطِهِمْ". ولأنَّه قولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابةِ، ولا نعلمُ لهم مُخالِفًا فى عَصْرِهم، فكان إجماعًا. ورَوَى الأثْرَمُ بإسْنادِه، أَنَّ رَجُلًا تزَوَّجَ امرأةً، وشَرَطَ لها دارَها، ثم أراد نَقْلَها، فخاصَمُوه إلى عمرَ، فقال: لها شَرْطُها. فقال الرجلُ: إذًا تُطَلِّقِينَا. فقال عمرُ: مَقَاطِعُ الحُقُوقِ عندَ الشُّرُوطِ (10). ولأنَّه شَرْطٌ لها فيه مَنْفعةٌ ومَقْصُودٌ لا يَمْنَعُ المَقْصُودَ من النِّكاحِ، فكان لازِمًا، كما لو شَرَطَتْ عليه زِيادةً فى المَهْرِ أو غيرَ نَقْدِ البَلَدِ. وقولُه عليه السلام: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فى كِتَابِ اللَّه، فَهُوَ باطِلٌ". أى ليس فى حُكْمِ اللَّه وشَرْعِه، [وهذا مَشْرُوعٌ](11)، وقد ذكرْنا ما دَلَّ على مَشْرُوعِيَّتِه، على أَنَّ الخِلافَ فى مَشْرُوعيَّتِه وعلى مَنْ نَفَى ذلك الدليلُ. وقولُهم: إنَّ هذا يُحَرِّمُ الحَلَالَ. قُلْنا: لا يُحَرِّمُ حلالًا، وإنما يُثْبِتُ للمَرْأةِ خِيارَ الفَسْخِ إن لم يَفِ لها به. وقولُهم: ليس من مَصْلَحَتِه. قُلْنا: لا نُسَلِّمُ ذلك؛ فإنَّه من مصلحةِ المرأةِ، وما كان من مصلحةِ العاقدِ كان من مصلحةِ عَقْدِه، كاشْتِراطِ الرَّهْنِ والضَّمِين فى البَيْعِ، ثم يَبْطُلُ بالزِّيادةِ على مَهْرِ المِثْلِ، وشَرْطِ غيرِ نَقْدِ البَلَدِ. إذا ثَبَتَ أنَّه شَرْطٌ لازمٌ فلم يَفِ لها به، فلها الفَسْخُ؛ ولهذا قال الذى قَضَى عليه عمرُ بلُزُومِ الشَّرْطِ: إذًا تُطَلِّقِينَا. فلم يَلْتَفِتْ عمرُ إلى ذلك، وقال: مقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. ولأنَّه شَرْطٌ لازمٌ فى عَقْدٍ، فيَثْبُتُ (12) حَقُّ الفَسْخِ بتَرْكِ الوَفاءِ به، كالرَّهْنِ والضَّمِينِ فى البَيْعِ.
فصل:
فإن شَرَطَتْ عليه أن يُطَلِّقَ ضَرَّتَها، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أن تَشْتَرِطَ المرأةُ طَلاقَ أُخْتِها. وفى لفظٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:
(10) أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها، من كتاب النكاح. المصنف 4/ 199. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الشرط فى النكاح. السنن 1/ 185.
(11)
سقط من: الأصل.
(12)
فى الأصل: "فثبت".
"لَا تَسْألُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا [لِتَكْتَفِئَ مَا فِى صَحْفَتِهَا] (13)، وَلْتَنْكِحْ، [فَإنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا". روَاهما البُخَارِىُّ] (14). والنَّهْىُ يقْتَضِى فسادَ المَنْهِىِّ عنه، ولأنَّها شَرَطَتْ عليه فَسْخَ عَقْدِه، وإبْطالَ حَقِّه وحَقِّ امْرَأتِه، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطتْ عليه فَسْخَ بَيْعِه. وقال أبو الخَطَّابِ: هو شَرْطٌ لازمٌ؛ لأنَّه لا يُنافِى العَقْدَ، ولها فيه فائدةٌ، فأشْبَهَ ما لو شَرَطتْ عليه أن لا يتزَوَّجَ عليها. ولم أرَ هذا لغيرِه، وقد ذكَرْنا ما يَدُلُّ على فَسادِه، وعلى قياسِ هذا ما (15) لو شَرَطَتْ عَليه بَيْعَ أمَتِه. القسم الثانى، ما يَبْطُل الشَّرْطُ، ويَصِحُّ العَقْدُ، مثل أن يَشْتَرِطَ أن لا مَهْرَ لها، أو أن لا يُنْفِقَ عليها، أو (16) إن أصْدَقَها رَجَعَ عليها، أو تَشْتَرِطَ عليه أن لا يَطَأَها، أو يَعْزِلَ عنها، أو يَقْسِمَ لها أقَلَّ من قَسْمِ صاحِبَتِها أو أكْثَرَ، أو (16) لا يكونَ عندَها فى الجُمُعةِ إلَّا ليلةً، أو شَرَطَ لها النهارَ دون الليلِ، أو شَرَطَ على المرأةِ (17) أن تُنْفِقَ عليه، أو تُعْطِيَه شيئا، فهذه الشُّروطُ كلُّها باطِلةٌ فى نَفْسِها؛ لأنَّها تُنَافِى مُقْتَضَى العَقْدِ، ولأنَّها تتَضَمَّنُ إسْقاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بالعَقْدِ قبلَ انْعِقادِه، فلم يَصِحَّ، كما لو أسْقَطَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَه قبلَ البَيْعِ. فأمَّا العقدُ فى نَفْسِه فصَحِيحٌ؛ لأنَّ هذه الشروطَ تَعُودُ إلى معنًى زائدٍ فى العَقْدِ، لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُه، ولا يَضُرُّ الجَهْلُ به، فلم يُبْطِلْه (18)، كما لو
(13) سقط من: أ، ب، م.
(14)
سقط من: م.
وتقدم التخريج فى: 6/ 306. ويضاف إليه فيما يخص ما روى هنا: والبخارى، فى: باب الشروط فى الطلاق، من كتاب الشروط. وفى: باب وكان أمر اللَّه قدرا مقدورا، من كتاب القدر. صحيح البخارى 3/ 251، 8/ 153. ومسلم، فى: باب تحريم الجمع بين المرأة وعمها أو خالتها فى النكاح، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1029، 1030. وأبو داود، فى: باب فى المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 503. والترمذى، فى: باب ما جاء لا تسأل المرأة طلاق أختها، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذى 5/ 165، 166. والنسائى، فى: باب النهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، من كتاب النكاح، وفى: باب بيع المهاجر للأعرابى، وباب النجش، من كتاب البيوع. المجتبى 6/ 95، 7/ 224، 227. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 41، 42، 508، 512، 516.
(15)
سقط من: أ، م.
(16)
سقط من: ب.
(17)
فى الأصل: "امرأته".
(18)
فى م: "يبطل".
شَرَطَ فى العَقْدِ صَدَاقًا مُحَرَّمًا، ولأنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ مع الجَهْلِ بالعِوَضِ، فجازَ أن يَنْعَقِدَ مع الشَّرطِ الفاسدِ، كالْعَتَاقِ. وقد نَصَّ أحمدُ، فى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرأةً، وشَرَطَ عليها أن يَبِيتَ عندَها فى كلِّ جُمُعةٍ ليلةً، ثم رَجَعَتْ وقالت: لا أرْضَى إلَّا ليلةً وليلةً. فقال: لها أن تَنْزِلَ بطِيبِ نَفْسٍ منها، فإنَّ ذلك جائزٌ. وإن قالتْ: لا أرْضَى إلَّا بالمُقاسَمةِ. كان (19) ذلك حَقًّا لها، تُطالِبُه إن شاءتْ. ونقل عنه الأَثْرَمُ، فى الرَّجُلِ يتزوَّجُ المرأةَ ويَشْتَرِطُ عليها أن يَأْتِيَها فى الأيَّامِ: يجوزُ الشَّرْطُ، فإن شاءتْ رَجَعَتْ. وقال فى الرجلِ يتزوَّجُ المرأةَ على أن تُنْفِقَ عليه فى كل شهرٍ خَمْسةَ دَرَاهِم، أو عَشرْةَ دَرَاهِم: النكاحُ جائزٌ، ولها أن تَرْجِعَ فى هذا الشَّرْطِ. وقد نُقِلَ عن أحمدَ كلامٌ فى بعضِ هذه الشُّروطِ، يَحْتَمِلُ إبْطالَ العَقْدِ. نَقَلَ عنه المَرُّوذِىُّ فى النَّهارِيَّاتِ واللَّيْلِيَّاتِ: ليس هذا من نِكاحِ أهلِ الإِسْلامِ. وممَّن كَرِهَ تَزْوِيجَ النَّهارِيَّاتِ حَمَّادُ بن أبى سُليمانَ، وابن شُبْرُمةَ. وقال الثَّوْرِىُّ: الشَّرْطُ باطِلٌ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: إذا سَأَلَتْهُ أن يَعْدِلَ لها، عَدَلَ. وكان الحَسَنُ، [وعطاءٌ، لا يَرَيانِ بنِكاحِ النهارِيَّاتِ بِأْسًا. وكان الحسنُ](20) لا يَرَى بأسًا أن يتزَوَّجَها، على أن يَجْعَلَ لها من (21) الشهرِ أيّامًا مَعْلُومةً. ولعل كَراهةَ مَنْ كَرِه ذلك، راجِعٌ إلى إبْطالِ الشَّرْطِ، وإجَازةَ مَنْ أجازَه، راجعٌ إلى أصْلِ النِّكاحِ، فتكونُ أقوالُهم مُتَّفِقَةً على صِحَّةِ النِّكاحَ وإبْطالِ الشَّرْطِ، كما قُلْنا. واللَّه أعلم. وقال القاضى: إنَّما كَرِه أحمدُ هذا النِّكاحَ؛ لأنَّه يَقَعُ على وَجْهِ السِّرِّ، ونِكاحُ السِّرِّ مَنْهِىٌّ عنه؛ فإن شُرِطَ عليه تَرْكُ الوطءِ، احْتَمَلَ أن يَفْسُدَ العَقْدُ؛ لأنَّه شَرْطٌ يُنافِى المقصودَ من النكاحِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وكذلك إن شُرِطَ عليه أن لا تُسَلَّمَ إليه، فهو بمَنْزِلةِ ما لو اشْتَرَى شيئا على أن لا يَقْبِضَه (22). وإن شَرَطَ عليها أن لا يَطَأَها، لم يَفْسُدْ؛ لأنَّ الوَطْءَ حَقُّه عليها، وهى لا تَمْلِكُه عليه. ويَحْتَمِلُ أن يَفْسُدَ؛ لأنَّ لها فيه حقًّا، ولذلك تَمْلِكُ مُطالَبَته به إذا
(19) فى الأصل: "فإن".
(20)
سقط من: ب.
(21)
فى ب، م:"فى".
(22)
فى ب: "يقتضيه".
آلى، والفَسْخَ إذا تعَذَّرَ بالجَبِّ والعُنَّةِ. القسم الثالث، ما يُبْطِلُ النِّكاحَ من أصْلِه، مثل أن يَشْتَرِطَا تَأْقِيتَ النِّكاحِ، وهو نِكاحُ المُتْعةِ، أو أن يُطَلِّقَها فى وَقْتٍ بعَيْنِه، أو يُعَلِّقَه على شَرْطٍ، مثل أن يقولَ: زَوّجْتُكَ إن رَضِيَتْ أُمُّها، أو فلانٌ. أو يشْتَرِطَ الخيارَ فى النِّكاحِ لهما، أو لأحَدِهما، فهذه شروطٌ باطِلةٌ فى نَفْسِها، ويَبْطُل بها النِّكاحُ. وكذلك إن جَعَلَ صَدَاقَها تَزْوِيجَ امرأةٍ أُخْرَى، وهو نِكاحُ الشِّغَارِ، ونَذْكُرُ ذلك فى مَوْضِعِه (23)، إن شاء اللَّهُ تعالى. وذكر أبو الْخَطَّابِ، فيما إذا شَرَطَ الخِيارَ، أو (24) إنْ رَضِيَتْ أُمُّها، أو إن جاءَها بالمَهْرِ فى وقتِ كذا، وإلَّا فلا نِكاحَ بينهما، رِوَايتَيْنِ؛ إحداهما، النِّكاحُ صحيحٌ (25)، والشَّرْطُ باطلٌ. وبه قال أبو ثَوْرٍ فيما إذا شَرَطَ (26) الخِيارَ. وحكاه عن أبى حنيفةَ. وزَعَمَ أنَّه لا خِلافَ فيها. وقال ابنُ الْمُنْذِرِ: قال أحمدُ وإسحاقُ: إذا تزَوَّجَها على أنَّه إن جاء بالمَهْرِ فى وقتِ كذا وكذا (27)، وإلَّا فلا نِكاحَ بينهما، الشَّرْطُ باطلٌ والعقدُ جائزٌ. وهو قولُ عطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، والأوْزاعىِّ. ورُوِىَ ذلك عن الزُّهْرِىِّ. ورَوَى ابنُ منصورٍ عن أحمدَ فى هذا، أَنَّ العقدَ والشرطَ جائِزان؛ لقولِ صلى الله عليه وسلم:"المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ". والرِّوايةُ الأُخْرَى: يَبْطُل العَقْدُ من أصْلِه فى هذا كلِّه؛ لأنَّ النِّكاحَ لا يكونُ إلَّا لازِمًا، وهذا يُوجِبُ جَوازَه، ولأنَّه إذا قال: إن رَضِيَتْ أُمُّها، أو إن جِئْتَنِى بالْمَهْرِ (24) فى وقتِ كذا. فقد وَقَفَ النِّكاحَ على شَرْطٍ (28)، ولا يجوزُ وَقْفُه على شَرْطٍ. وهذا قولُ الشافعىِّ، ونحوُه عن مالكٍ، وأبى عُبَيْدٍ.
(23) فى أ، ب، م:"مواضعه".
(24)
سقط من: م.
(25)
فى م: "الصحيح".
(26)
فى ب: "اشترط".
(27)
سقط من: ب.
(28)
فى م: "الشرط".