الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن أوْدَعه وَدِيعةً، ولم يُعَيَّنْ له موضعَ إحْرازِها، فإنَّ المُودَعَ يَحْفَظُها فى حِرْزِ مثلِها أيَّ مَوْضِعٍ شاءَ. فإنَّ وَضَعَها فى حِرْزٍ، ثمَّ نَقَلَها عنه إلى حِرْزِ مثلِها، لم يَضْمَنْها، سَواءٌ نَقَلها إلى مثلِ الأَوَّلِ أو دُونَه؛ لأنَّ رَبَّها رَدَّ حِفْظَها إلى رَأْيِه واجْتِهادِه، وأذِنَ له فى إحرازِها بما شاء من احْرازِ مثلِها، ولهذا لو تَرَكَها فى هذا الثانى أولًا لم يَضْمَنْها، فكذلك إذا نَقَلَها إليه. ولو كانت العَيْنُ فى بيتِ صاحِبِها فقال (11) لرجلٍ: احْفَظْهَا فى موضِعِها. فنَقَلَها عنه من غيرِ خَوْفٍ، ضَمِنَها؛ لأنَّه ليس بمُودَعٍ، إنَّما هو وكيلٌ فى حِفْظِها، وليس له إخْراجُها من مِلْكِ صاحِبِها، ولا من مَوْضِعٍ اسْتأجَرَه لها، إلَّا أن يخافَ عليها، فعليه إخْراجُها؛ لأنَّه مأمورٌ بحِفْظِها، وقد تعَيَّن حِفْظُها فى إخراجِها، ويَعْلَمُ أَنَّ صاحِبَها لو حَضَرَ فى هذه الأحوالِ لأخْرَجَها، ولأنَّه مأْمورٌ بحِفْظِها على صفةٍ، فإذا تَعَذَّرَت الصِّفَةُ، لَزِمَه حِفْظُها بدُونِها، كالمُسْتَودَعِ اذا خاف عليها.
فصل: إذا أخْرَجَ الوديعةَ المَنْهِىَّ عن إخْراجِها، فتَلِفَتْ، وادَّعَى أنَّه أخْرَجَها لغَشَيانِ نارٍ، أو سيلٍ، أو شىءٍ ظاهرٍ، فأنْكَرَ صاحِبُها وُجُودَه، فعلى المُسْتَوْدَعِ البينةُ أنَّهُ كان فى ذلك المَوْضعِ ما ادَّعاه؛ لأنَّ هذا ممَّا لا تَتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَة عليه؛ لأنَّه أمرٌ ظاهرٌ. فإذا ثَبَتَ ذلك، كان القولُ قولَه فى التَّلَفِ مع يَمينِه، ولا يَحْتاجُ إلى بَيِّنةٍ؛ لأنَّه تتعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ، فلم يُطَالَبْ بها، كما لو ادَّعَى التَّلَفَ بأمْرٍ خَفِىٍّ، وهذا قولُ الشَّافعىِّ. والحكمُ فى إخراجِها من الخَرِيطةِ والصُّنُدوقِ، حكمُ إخراجِها من البيتِ، على ما مَضَى من التَّفْصِيلِ فيه.
فصل: ولو أَمَرَه أن يَجْعَلَها فى منزِلِه، فترَكَها فى ثِيابِه، وخَرَج بها، ضَمِنَها؛ لأنَّ البيتَ أحْرَزُ لها. وإن جاءَه بها فى السُّوقِ، فقال: احْفَظْها فى بيتِكَ. فقام بها فى الحالِ، فتَلِفَتْ، فلا ضَمانَ عليه. وإن تَرَكها فى دُكَّانِه أو ثِيابِه، ولم يَحْمِلْها إلى بيتِه مع إمكانِه، فتَلِفَتْ، ضَمِنَها؛ لأنَّ بيتَه أحْرَزُ لها. هكذا قال أصحابُنا. ويَحْتَمِلُ أنَّه متى
(11) سقط من: م.
تَرَكها عندَه إلى وقتِ مُضِيِّهِ إلى مَنْزِله فى العادةِ فتَلِفَتْ، لم يَضْمَنْها؛ لأنَّ العادةَ أَنَّ الإِنسانَ إذا أُودِعَ شيئًا وهو فى دُكانِه، أَمْسَكه فى دُكَّانِه [أو فى ثِيابِه](12) إلى وقتِ مُضِيِّه إلى منزِلِه، فَيْسْتَصْحِبُه معه، والمُودِعُ عالِمٌ بهذه العادةِ (13) راضٍ بها، ولو لم يَرْضَ بها لَشَرَطَ عليه خِلَافَها، واصمرَه بتَعْجِيلِ حَمْلِها، فإما أن يَقْبَلَها بهذا الشرطِ أو يَرُدَّها. وإن قال: اجْعَلْها فى كُمِّكَ. فجَعَلَها فى جَيْبِه، لم يَضْمَنْها؛ لأنَّ الجَيْبَ أحْرَزُ لها، لأنَّه (14) ربَّما نَسِىَ، فيَسْقُطُ (15) الشىءُ من كُمِّه، بخلافِ الجَيْبِ. وإن قال: اجْعَلْها فى جَيْبكَ. فَتَركَها فى كُمِّه، ضَمِنَها لذلك. وإن جَعَلَها فى يَدِه، ضَمِنَ أيضًا، كذلك. وإن قال: اجْعَلْها فى كُمِّكَ. فتَرَكَها فى يَدِه ففيه وَجْهان؛ أحدهما، يَضْمَنُ؛ لأنَّ سُقوطَ الشىءِ من اليَد مع النِّسْيانِ أكْثَرُ من سُقُوطِه من الكُمِّ. والثانى، لا يضمنُ؛ لأنَّ اليَدَ لا يَتَسَلَّطُ عليها الطَّرَّارُ بالبَطِّ (16)، والكُمُّ (17) بخِلافِه، ولأنَّ كلَّ واحدٍ فهما أحْرَزُ من وَجْهٍ، [فيَتَساويانِ. ولِمَن نَصَرَ الوَجْهَ الأوَّلَ أن يقولَ: متى كان كلُّ واحدٍ منهما أحْرَزَ من وجهٍ] (18)، وَجَبَ أن يَضْمَنَ؛ لأنَّه فَوَّتَ الوَجْهَ المأْمورَ بالحِفْظِ به، وأتى بما لم يُؤْمَرْ به، فضَمِنَ لمُخَالَفَتِه. وعلى هذا لو أَمَرهُ (19) بتَرْكِها فى يَدِه، فجَعلها فى كُمِّه، ضَمِنَ لذلك. وقال القاضى: اليَدُ أحْرَزُ عند المُغالَبةِ، [والكُمُّ أحْرَزُ منه عند عَدَمِ المُغالَبةِ](20). فعلى هذا، إن أُمِرَ بتَرْكِها فى يَدِه، فشَدَّها فى كُمِّه عندَ غيرِ الْمُغالَبةِ، [فلا ضَمانَ عليه](21)، وإن فَعَلَ ذلك عند المُغالَبةِ ضَمِنَ. وإن أَمَره بشَدِّها
(12) سقط من: ب.
(13)
فى م: "الحالة".
(14)
فى م زيادة: "إنما".
(15)
فى الأصل، ب:"فسقط".
(16)
بط الطرار الكم: شقه.
(17)
فى م: "والحكم".
(18)
سقط من: ب. نقل نظر.
(19)
فى الأصل، أ، م:"أبو".
(20)
سقط من: أ، م.
(21)
فى ب: "لم يضمن".