الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّسَبِ، فكذلك فى جَرِّ الوَلاءِ. وقال زُفَرُ: إن كان الأبُ حَيًّا، لم يَجُرَّ (17) الجَدُّ الوَلاءَ، وإن كان مَيِّتًا، جَرَّه. وهو القولُ الثانى للشَّافعىِّ. ولَنا، أَنَّ الأصْلَ بَقاءُ الوَلاءِ لمُسْتَحِقِّه، وإنما خُولِفَ هذا الأصلُ للاتِّفاقِ على أنَّه يَنْجَرُّ بعِتْقِ الأبِ، والجَدُّ لا يُساوِيه، بدليل أنَّه لو عَتَقَ (18) الأبُ بعدَ الجدِّ، جَرَّه عن مَوالِى الجدِّ إليه، ولو أسْلَمَ الجدُّ، لم يَتْبَعْه ولدُ وَلَدِه، ولأنَّ الجَدَّ يُدْلِى بغيره، ولا يَسْتَقِرُّ الوَلاءُ عليه، فلم يَجُرَّ الوَلاءَ، كالأخِ، وكونُه يقومُ مَقامَ الأبِ، لا يَلْزَمُ أن يَنْجَرَّ الولاءُ إليه، كالأخِ. وعلى القولِ الآخرِ، لا فَرْقَ بين الجَدِّ القَرِيبِ والبَعِيدِ؛ لأنَّ البَعِيدَ يقومُ مَقامَ الأبِ كقِيامِ القريبِ، ويقْتَضِى هذا أنَّه متى عَتَقَ البَعِيدُ فجرَّ الولاءَ، ثم عَتَقَ مَنْ هو أقْربُ منه جَرَّ الولاءَ إليه، ثم إن عَتَقَ الأبُ جَرَّ الولاءَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَه، ويُسْقِطُ تَعْصِيبَه وإرْثَه ووِلَايتَه، ولو لم يُعْتِقِ الجَدُّ، لكن كان حُرًّا وولدُه مملوكٌ، فتزوَّجَ مَوْلاةَ قَرْمٍ، فأوْلَدَها أولادًا، فوَلاؤُهم لمَوْلَى أُمِّهِم. وعند مَن يقولُ: يَجُرُّ الْجَدُّ الولاءَ. يكون لمَوْلَى الْجَدِّ. وإن لم يكُنِ الْجَدُّ مَوْلًى، بل كان حُرَّ الأصلِ، فلا وَلاءَ على ولدِ أبيه، فإن أُعْتِقَ أبُوه بعدَ ذلك، لم يَعُدْ على ولدِه وَلاءٌ؛ لأنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَبَتَتْ له من غيرِ وَلاءٍ، فلم يَتَجَدَّدْ عليه وَلاءٌ، كالحُرِّ الأصْلِىِّ.
فصل:
وإذا كان أحدُ الزوجينِ الحُرَّيْنِ حُرَّ الأصْلِ، فلا وَلاءَ على ولدِهما، سواءٌ كان الآخرُ عَرَبِيًّا أو مَوْلًى؛ لأنَّ الأُمَّ إن كانت حُرّةَ الأصلِ، فالولدُ يتْبَعُها فيما إذا كان الأبُ رَقِيقًا فى انْتِفَاءِ (19) الرِّقِّ والوَلاءِ، فلأَن يَتْبَعَها فى نَفْىِ الولاءِ وَحْدَه أوْلَى. وإن كان الأبُ حُرَّ الأصْلِ، فالولدُ يتْبعُه فيما إذا كان عليه وَلاءٌ، بحيث يَصِيرُ الوَلاءُ عليه لمَوْلَى أبِيه، فلأَن يَتْبَعُه فى سُقوطِ الوَلاءِ عنه أَوْلَى. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وسَواءٌ كان الأبُ عَربِيًّا أو أعْجَمِيًّا، وقال أبو حنيفةَ: إن كان أعْجَمِيًّا والأُمُّ مولاةً، ثَبَتَ الوَلاءُ على
(17) سقط من: أ.
(18)
فى أ: "أعتق".
(19)
فى م: "إبقاء".
ولدِه. وليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّه حُرُّ الأصْلِ، فلم يَثْبُتِ الوَلاءُ على ولدِه، كما لو كان عربيًّا. وسَواءٌ كان مسلمًا أو ذِمِّيًّا أو حَرْبِيًّا، أو مجهولَ النَّسَبِ أو مَعْلومَه. وهذا قولُ أبى يوسفَ، ومالكٍ [وابن سُرَيْجٍ] (20). وقال القاضى: إن كان مَجْهولَ النَّسَبِ، ثَبَتَ الوَلاءُ على ولدِه لمَوْلَى الأُمِّ إن كانت مَوْلاةً. قال ابنُ اللَّبَّانِ: وهذا ظاهرُ مذهبِ الشَّافعىِّ. وقال الْخَبرِىُّ: هدا قولُ أبى حنيفةَ، ومحمدٍ، وأحمدَ؛ لأنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِه لمَوْلَى الأُمِّ مَوْجودٌ، وإنَّما امْتَنعَ فى مَحَلِّ الوِفاقِ بحُرِّيَّةِ الأبِ، فإذا لم تكُنْ معلومَةً فقد وَقَعَ الشَّكُّ فى المانِع (21)، فيَبْقَى على الأصْلِ، ولا يزولُ عن اليَمينِ بالشكِّ، ولا يُتْرَكُ العملُ بالمُقْتَضِى مع الشكِّ فى المانِعِ. ولَنا، أَنَّ الأبَ حُرٌّ (22) محكومٌ بحُرِّيَّتِه، فأشْبَهَ مَعْروفَ النَّسَبِ، ولأنَّ الأصْلَ فى الآدَمِيينَ الحُرِّيَّةُ وعَدَمُ الولاءِ، فلا يُتْرَكُ هذا الأصلُ بالوَهْمِ فى حَقِّ الولدِ، كما (23) لم يُتْرَكْ فى حَق الأبِ. وقولُهم: مُقْتَضَى ثُبُوتِه لمَوْلَى الأُمِّ موجودٌ. ممنوعٌ؛ فإنَّه إنَّما ثَبَتَ لمَولى الأُمِّ بشَرْطِ رِقِّ الأبِ، وهذا الشَّرْط مُنْتَفٍ حُكْمًا وظاهرًا. وإن سَلَّمنا وُجودَ المُقْتَضِى، فقد ثَبَتَ المانعُ حُكْمًا، فإنَّ الأبَ حُرِّيَّتُه ثابتةٌ حُكْمًا، فلا تَعْوِيلَ على ما قَالُوه. وإن كان الأبُ مَوْلًى، والأُمُّ مجهولةَ النَّسَبِ، فلا وَلاءَ عليه فى قَوْلِنا. وقياسُ قولِ القاضى والشَّافعىِّ أن يَثْبُتَ الولاءُ عليه لمَوْلَى ابْنِه؛ لأنَّا شَكَكْنا فى المانِعِ من ثُبُوتِه. ولَنا، ما ذَكَرْنا فى التى قبلَها، ولأنَّ الأُمَّ لا تَخْلُو من أن تكونَ حُرّة الأصْلِ، فلا وَلاءَ على ولدِها، أو أمةً فيكونُ ولدُها عبدًا، أو مَوْلاةً فيكونُ على ولدِها الوَلاءُ لمَولى أبِيهِ. والاحْتمالُ الأولُ راجحٌ، لوَجْهَينِ؛ أحدهما، أنَّه مَحْكومٌ به فى الأُمِّ، فيجبُ الحُكْمُ به فى وَلَدِها. الثانى، أنَّه مُعْتَضِدٌ بالأصْلِ، فإنَّ الأصْلَ الْحُرِّيَّةُ، ثم لو لم يَتَرَجَّحْ هذا الاحْتمالُ، لَكان الاحتمالُ الذى صاروا إليه مُعارَضًا
(20) فى م: "وشريح".
(21)
فى م: "المنافع".
(22)
فى م: "حرم".
(23)
فى أزيادة: "لو".