الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(
[مقدمة المؤلف] )
نحمدك اللهم أنت الذي علمت الناس في دينهم حكما، وفي دنياهم أحكاما، وجعلت أمة خاتم الرسل المرحومة أكرم الأمم كلها منزلا ومقاما، وما زلت ألهمت من شئت وتلهم من تشاء منهم في كل قرن استعمال السنن المطهرة على وجهها إلهاما، ونهيتهم عن التفرق في الدين، وأوضحت لهم سبيل اليقين، فأصبحوا بنعمتك بررة كراما، وما انفك عدولهم نفوا عن الدين وينفون عنه انتحال (1) المبطلين، وتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين (2) ، حتى عاد علم الحق معتدلا قواما.
ونصلي عليك أيها النبي الكريم، بك من علينا بالإيمان وهدانا إسلاما، لطفا بنا ورحمة علينا، وبركة فينا، وإحسانا إلينا وإكراما، فكان ذلك لزاما، ولولاك (3) ما اهتدينا، ولا صلينا، ولا علمنا أحكاما، فكنت أنت داعينا إلى
(1) أي: ادعاء. (ش)
(2)
إشارة إلى حديث: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله
…
"؛ وهو حديث مروي من طرق متعددة، يقوي بعضها بعضا؛ فانظر تعليقي على " الحطة في ذكر الصحاح الستة " (ص 70) للمؤلف رحمه الله.
(3)
روى البخاري (6331) ، ومسلم (1802) عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى خيبر، فتسيرنا قليلا، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ {- وكان عامر رجلا شاعرا -، فنزل يحدو بالقوم يقول:
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا)
[فذكر أبياتا] فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من هذا السائق؟} "، قالوا: عامر، قال:" يرحمه الله ". واللفظ لمسلم.
الله سبحانه وتعالى، وهاديا لنا، ورؤوفا بنا، وفينا إماما.
ونسلم عليكم أهل البيت الطاهرين الطيبين أنتم أصبتم من سعادة الدارين سهاما، وقمتم بالحق الحقيق بالاتباع كما يحق قياما.
ورضي الله عنكم أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] ؛ بكم انتظم مبتغي الأمة الأمية بدءا وختاما، ومنكم استتب أمر الملة المكرمة أصلا وفرعا واهتماما.
ورحمة الله وبركاته عليكم أهل الحديث، أنتم كشفتم للناس عن صراح (1) الحق وصحاح السنة وقح (2) الشريعة ظلاما، وعن وجه الدين القويم والصراط المستقيم لثاما، وكيف وقد جعلكم الله - تعالى - للمتقين إماما؟ !
وبعد:
فلما جمع الإمام الهمام عز المسلمين والإسلام، سلالة السلف الصلحاء، تذكار العرب العرباء (3) ، وارث علوم سيد المرسلين، خاتمة المفسرين والمحدثين، شيخ شيوخنا الكاملين، المجتهد المطلق العلامة الرباني، قاضي قضاة القطر اليماني، محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني، المتوفى سنة خمس وخمسين ومئتين وألف الهجرية - رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الفردوس منزله ونزله ومأواه - المختصر الذي سماه " الدرر البهية في المسائل الفقهية " قاصدا بذلك جمع المسائل التي صح دليلها، واتضح سبيلها، تاركا لما كان منها من
(1) الصراح - بالضم والفتح -: الخالص من كل شيء. (ش)
(2)
أي: خالصها. (ش)
(3)
أي: العرب الخلص، ويقال: العرب العاربة؛ فهو تأكيد من اللفظ نفسه، كما يقولون: ليل لائل. وانظر " مختار الصحاح "(ص 421) .
محض الرأي، فإنه قالها وقيلها، غير ملتفت إلى ما اشتهر، فالحق أحق بالاتباع، وغير جامد على ما ذكر في الزبر (1) فلمسلك التحقيق اتساع، بل محض فيه النصح النصيح، ومخض (2) عن زبد الحق الصريح، وأتى بتحقيقات جليلة خلت عنها الدفاتر، وأشار إلى تدقيقات نفيسة لم تحوها صحف الأكابر.
ونسبة هذا المختصر إلى المطولات من الكتب الفقهية، نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية، كما يعرف ذلك من رسخ في العلوم قدمه؛ وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه، سأله جماعة من أهل الانتقاد والفهم النافذ، العاضين على علوم الاجتهاد بأقوى لحي (3) وأحد ناجذ (4) ، أن يجلي عليهم عروس ذلك المختصر، ويزفه إليهم ليمنعوا في محاسنه النظر، فاستمهلهم ريثما يصحح منه ما يحتاج إلى التصحيح، وينقح فيه ما لا يستغني عن التنقيح، ويرجح من مباحثه ما هو مفتقر إلى الترجيح، ويوضح من غوامضه ما لا بد فيه من التوضيح، فشرحه بشرح مختصر، من معين عيون الأدلة معتصر، وسماه " الدراري المضية شرح الدرر البهية "(5)، وفيهما قال قائل:
(إن شئت في شرع النبي
…
تقدح بزند فيه واري (6))
(1) أي: في الكتب. (ش)
(2)
مخض اللبن: أخذ زبده. (ش)
(3)
أي: منبت اللحية. (ش)
(4)
الناجذ: آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان. (ش)
(5)
وهو مطبوع مرارا؛ وقد أودعته - للتسهيل - في أول هذا الجزء.
(6)
ورى الزند: خرجت ناره. (ش)
(فاعكف على الدرر التي
…
سلكت بسمط (1) من دراري)
وشرحه هذا كان بالقول (2) ، فجعلته شرحا ممزوجا (3) ، وصيرته على منواله منسوجا، مستوعبا للفظه ومعناه، ومستصحبا لفحاويه ومبناه، مضيفا إليه مذاهب الفقهاء ليظهر ضعفها أو قوتها، عند تقابل الأدلة وتعارضها بالآراء، لا للأخذ بها على ما كان بأي حال؛ فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال، ثم زدت عليه أشياء من حاشية الماتن (4) على " شفاء الأوام (5) " التي سماها " وبل الغمام "(6) ومن غيرها عند النظر الثاني في هذا الكتاب، فعاد بحمد الله تعالى؛ كما قيل: اللبأ وابن طاب (7) .
هذا وقد أمليت هذا الشرح على طريق الارتجال بالاستعجال، إرشادا إلى
(1) السمط: الخيط ما دام فيه الخرز؛ وإلا فهو السلك. (ش)
(2)
أي: أنه يذكر الفقرة تامة، ثم يشرحها بعد.
(3)
أي: أنه يذكر الكلمة أو الكلمتين، ومعهما شرحهما ممزوجا بهما.
(4)
يعبر مؤلف هذا الشرح كثيرا عن مصنف " الأصل "، بلفظ:" الماتن "! وهو لفظ مولد مستكره؛ فأصل " المتن " الظهر - في اللغة -، ثم استعمله طلاب العلم في الكتاب المختصر إذا كان عليه شرح؛ فاشتقاق اسم فاعل من هذا - وليس بمصدر - اشتقاق خاطئ. (ش)
(5)
من تأليف الحسين بن بدر الدين اليحيوي، المتوفى سنة (662 هـ) - كما في مقدمة " وبل الغمام "(1 / 26) -.
ولا أعلم كتابه مطبوعا.
(6)
مطبوع في مجلدين، بتحقيق الأخ الفاضل محمد صبحي حلاق - وفقه العلي الخلاق -.
(7)
اللبأ - كعنب -: أول اللبن عند الولادة، وابن طاب: ضرب من الرطب. (ش)
قلت: وهذان هما أجود أصناف أنواعهما.
طرق من العلم طالما تركت، وهزا لطبائع جامدة طالما ركدت، راجيا من الله تعالى أن أكون ممن تعلم علم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وعلمه وأذاعه، وحفظه على الناس وفيهم روجه وأشاعه.
فدونك هذا المشروح والشرح، يلقي إليك زمام التفويض في المدح والقدح، يا من له في أوج (1) التحقيق صعود، وعليه من ملابس التدقيق برود، كيف وهو يروي غليل طالبي فقه السنة، ويشفي عليل السائقين إلى مساق الجنة؟ ! فليسعد به كل طالب الحق الصادق (2) ؛ ويضن به كل ذي باطل زاهق، ولئن رده القاصرون، فسيقبله الماهرون، وإن ذمه الجهلة، فسوف يمدحه الكملة.
وسميت هذا الشرح الأنيس، بل العلق (3) النفيس " الروضة الندية شرح الدرر البهية ".
والله سبحانه وتعالى أرجو أن يعين على التمام، وينفعني به ومن أخلفه وجميع المتبعين للسنن في هذه الدار ودار السلام، إنه ولي الإجابة؛ وبيده الهداية والإصابة.
(1) أي علو.
(2)
• لعله: " للحق صادق "(ن)
(3)
• بكسر العين: النفيس من كل شيء، والجراب، ولعل هذا هو المراد هنا. (ن)
(الكتاب الأول: كتاب الطهارة)