الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قول معاذ؛ فهو فعل صحابي لا حجة فيه، على أنه منقطع كما صرح بذلك الحفاظ (1) .
وأما الاعتذار عن الحديث بأنه لا ظاهر له؛ فهذه إحدى العصي التي يتوكأ عليها المقلدة!
(
[نصاب النبات خمسة أوسق] :)
(ونصابها خمسة أوسق) : لحديث أبي سعيد في " الصحيحين " وغيرهما عن النبي [صلى الله عليه وسلم] : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ".
وفي رواية لأحمد، وابن ماجه (2) :
أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- قال: " الوسق ستون صاعا ".
وفي رواية لأحمد، وأبي داود:" الوسق ستون مختوما "(3) .
قال في " الحجة البالغة ": " وإنما قُدر من الحب والتمر خمسة أوسق؛
(1) هو قوله لأهل اليمن: ائتوني بكل خميس ولبيس، آخذه منكم مكان الصدقة؛ رواه البخاري معلقا، والبيهقي، وهو منقطع أيضا. (ش)
(2)
• رواه هو (1 / 562) ، وأبو داود (1 / 244) ، وأحمد (3 / 59) ، وأبو عبيد (رقم 1586) بالرواية الثانية، ورجال إسنادها ثقات، غير أن أبا داود أعله بالانقطاع بين أبي البختري، وأبي سعيد الخدري، والرواية الثانية عند ابن ماجه بسند ضعيف. (ن)
قلت: انظر طرقه - وتضعيفه - في " الإرواء "(803) .
(3)
هذه الرواية نرى أنها خطأ؛ فإن المختوم؛ هو صاع اتخذه الحجاج، وقال لأهل المدينة: إني قد اتخذت لكم مختوما على صاع عمر بن الخطاب. (ش)
لأنها تكفي أهل بيت إلى سنة، وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة، وثالث - خادم أو ولد بينهما -، وما يضاهي ذلك من أقل البيوت، وغالب قوت الإنسان رطل، أو مد من الطعام، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار؛ كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو إدامهم " انتهى.
قال ابن القيم (1) : " وقد رُدت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله: " فيما سقت السماء العشر، وما سقي بنضح أو غرب (2) ؛ فنصف العشر "، قالوا: وهذا يعم القليل والكثير، وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قُدم الأحوط وهو الوجوب {فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية؛ فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا، ولا تعارض بينهما بحمد الله - تعالى - بوجه من الوجوه؛ فإن قوله: " فيما سقت السماء العشر "، إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب.
وأما مقدار النصاب؛ فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصا في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم - الذي لا يحتمل غير ما أُوِّل عليه البتة - إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يُتعلق فيه بعموم، لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين، كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص؟} ". انتهى.
(1) • في " الإعلام "(2 / 409 - 410) . (ن)
(2)
• الدلو العظيمة. (ن)
أقول: الأحاديث القاضية بإيجاب العشر أو نصف العشر تقتضي التسوية بين القليل والكثير.
وأحاديث: " لا زكاة فيما دون خمسة أوسق " تقتضي اختصاص الوجوب بمقدار معلوم، هو الخمسة الأوسق، وعدم الوجوب فيما دونها.
فالأحاديث الأولة (1) عامة لقليل ما أخرجت الأرض من الأنواع المخصوصة ولكثيره، والأحاديث الثانية خاصة ببعض ذلك الخارج دون بعض، مصرحة بنفي الوجوب عن دون الخمسة الأوسق بمنطوقها، مثبتة لوجوبها في الخمسة فصاعدا بمفهومها، وهي أحاديث صحيحة، فإهمالها - مع كونها خاصة، والرجوع إلى العامة - خارج عن سنن الإنصاف، ولم يكن بيد من أهملها شيء يدفعها؛ إلا مجرد تكليف العباد بما هو أشق الشكوك، كشكوك الموسوسين في الطهارة.
وهذا رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- يقول: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمسة أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة "؛ ثبت هذا عنه في حديث واحد، فكان على من أوجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق أن يوجبها فيما دون خمس أواق وخمس ذود؛ بل يوجبها فيما دون الأربعين من الغنم، والثلاثين من البقر، تمسكا بالعمومات القاضية بوجوب أصل الزكاة في الأموال، فإنه لا فرق بينها وبين حديث:
(1) بفتح الواو المشددة؛ قال ثعلب: " هن الأولات دخولا والآخرات خروجا، واحدتها الأولة والآخرة "، ثم قال:" ليس هذا من أصل الباب؛ إنما أصل الباب الأول والأولى، كالأطول والطولى "؛ قاله في " اللسان ". (ش)
" فيما أخرجت الأرض العشر "(1) ، وليست المكيلات بالشك أولى من غيرها، والله المستعان.
وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض (2) ، والمقام وإن كان حقيقا بأن يقع الإجماع عليه، لكن الخلاف لجماعة من العلماء أشهر من نار على علم، وكيف خفي على ابن المنذر مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهو متداول عند جميع أهل المذاهب، حتى قال ابن العربي المالكي:" إن أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين مذهب أبي حنيفة، وهو التمسك بالعموم "؟ {انتهى.
وهذه غفلة من مثل هذا الحافظ، ناشئة عن الوسوسة التي قدمنا لك ذكرها، فإن الشارع أشفق بفقراء أمته من كل أحد، وأي قوة وأحوطية في شيء مخالف لنصه الصريح} ؟
وكيف يخفى على عالم أن هذه - الشفقة التي هي المستندة لهذه المقالة - مستلزمة لظلم الأغنياء وأخذ أموالهم بدون طيبة من أنفسهم وأكلها بالباطل، وسيوف السلاطين تابعة لأقلام العلماء، فإذا أجبروا أهل الأموال على تسليم زكاة دون الخمسة الأوسق استناداً إلى قول من قال بذلك بمجرد الشك، والشفقة على الفقراء لا لما يقتضيه الاجتهاد؛ فهم شركاء في هذه المظلمة، التي هي محض أكل أموال الناس بالباطل.
وما أحسن الوقوف على الحدود الشرعية، والمشي على الطريقة النبوية!
(1) رواه البخاري في التاريخ الكبير " (2 / 145) .
(2)
انظر " السيل الجرار "(2 / 42) .