الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في العصر: " والشمس بيضاء نقية "، وقال في المغرب:" إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا "، وقال في العشاء: من قدّر وقت صلاته بأنه كان يصليها وقت غروب الهلال ليلة ثالث الشهر، وورد التقدير بالشفق، وورد (1) التقدير بثلث الليل وبنصفه، فهذه العلامات لا تلتبس على أكمه.
(
[بيان استغناء الشريعة عن علم النجوم] :)
والنظر في النجوم - وإن كنت لا أظن ثبوت ذلك - هو النظر الذي يكون في الشمس والقمر والأظلة المقترنة بالنجوم، والمراد أنه يستدل على دخول وقت كذا بكون النجم في مكان كذا، كما يكون مثل ذلك في الشمس والقمر، لا أنه النظر المفضي إلى الاشتغال بعلم النجوم - المؤدي إلى الوقوع في مضايق عن الشريعة بمعزل -؛ فإن هذا علم نهى عنه الشارع، وحذر عن إتيان صاحبه، حتى جعل ذلك كفراً، فكيف يجعل طريقاً إلى أمر من أمور الشريعة ومهم من مهماتها؟ !
فمن ظن أن شيئا من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه (2) ؛ فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة، أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما
(1) هذا التقدير قدّره النعمان بن بشير رضي الله عنه، وقد بينت في شرحي على " التحقيق " لابن الجوزي أنه تقدير لا يطابق كل شهر؛ فإن القمر يغيب ليلة ثالث الشهر في أوقات مختلفة باختلاف الأشهر، وقد يصل الفرق بين الليلة الثالثة من شهر وبين الليلة الثالثة من شهر آخر إلى نحو الساعتين، ولعل النعمان رأى النبي [صلى الله عليه وسلم] صلى العشاء - لسقوط القمر لثالثه - مرات من غير تتبع ولا استقصاء، فظن أن هذا الوقت متحد في الليالي، ولم يلاحظ الفرق بينها. (ش)
(2)
يُنظر كلام الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه " فضل علم السلف على علم الخلف "(19 - 23) في تقسيم علم النجوم - بتحقيقي.
نهى عنه الشارع، وأراد أن يدفع عن نفسه القالة، فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك إلا لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات، وكثيرا ما نسمعه - من المشتغلين بذلك - يُدلي بهذه الحجة الباطلة، فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة.
ومن أعظم المروجات لهذه البلية ما وقع من جماعة من المشتغلين بعلم الفقه من تعداد النجوم وتقدير المنازل، والاستكثار من ذلك بما لا طائل تحته، إلا تأنيس المنجمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وحاصل الكلام: أن هذه تكاليف موجهة، كلف الله - تعالى - بها عباده، وعيّن أوقاتها تعييناً يعرفه العالم والجاهل، والقروي والبدوي، والحر والعبد، والذكر والأنثى على حد سواء، اشترك فيه كل هؤلاء، لا يحتاج معه إلى شيء آخر.
(أمع الصبح للنجوم تجل
…
أم مع الشمس للظلام بقاء)
قال صاحب " سبل السلام ": التوقيت في الأيام والشهور والسنوات بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة، فلا يمكن عالم من علماء الدنيا أن يدعي أن ذلك كان في عصره -[صلى الله عليه وسلم]-، أو عصر خلفائه الراشدين، وإنما هو بدعة لعلها ظهرت في عصر المأمون، حين أخرج كتب الفلاسفة وعرّبها، ومنها المنطق والنجوم؛ فإنه علم أولئك الذين قال الله - تعالى - فيهم:{فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم} ،
فأقل أحوال المقرين على حساب المنازل القمرية أنهم مبتدعون، وكل بدعة ضلالة.
ولقد عظمت هذه البدعة في الحرمين الشريفين، فإنهم في مكة المكرمة لا يعتمدون إلا على ذلك، ولهم فيه أنواع مؤلفات مثل " الربع المجيَّب "(1) ونحوه؛ يدرِّسونه ويقرءونه ويعتمدونه، وهو من العلم الذي قال فيه رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-:" علم لا ينفع وجهل لا يضر "(2) .
وهو من علم أهل الكتاب، فإن أعيادهم ونحوها تدور على حساب سير الشمس، ولعله دخل على المسلمين من علم اليونان وأهل الكتاب، ومات رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- بعد أن أنزل الله - تعالى - عليه:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ، وكان أهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم على ذلك؛ لا يعرفون منازل الزيادة والنقصان، ولا ما يجعله المتأخرون هو الميزان، ولا شيئاً من هذه الأمور التي صار ذلك التكليف المؤقت عليها يدور ". انتهى (3) .
(1) هو من فروع علم الفلك والهيئة.
(2)
ضعفه العراقي في " تخريج الإحياء "(1 / 30) .
(3)
يظهر أن صاحب " سبل السلام " - ومن بعده الشارح - لم يعرفا الفرق بين علم النجوم المنهي عنه - وهو دعوى معرفة الغيب بحسابها وما إلى ذلك -، وبين علم الفلك والميقات وتقدير منازل الشمس والقمر والنجوم، وهي من العلوم الصحيحة الثابتة ببراهين قطعية مبنية على الحساب الصحيح، وبه يعلم الكسوف والخسوف، ومواقيت الصلاة، والشهور، وغير ذلك.
حقيقة؛ لم يكن في عصره [صلى الله عليه وسلم] ولا في عصر الخلفاء الراشدين، ولكنّا لا نسميه بدعة؛ لأن كل علم مستحدث ينفع الناس يجب تعلمه على بعض أفراد المسلمين؛ ليكون قوة لهم ترقى بها الأمة الإسلامية.
وإنما البدعة ما يستحدثه الناس في أنواع العبادات فقط، وما كان في غير العبادات، ولم يخالف قواعد الشريعة؛ فليس بدعة أصلا، والله الموفق. (ش)
قلت: هذه قيود جيدة من الشيخ شاكر رحمه الله.