الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتصافه بوصف آخر من أوصاف أصناف مصارف الزكاة؛ فلا ريب أنه إذا صار غنيا لم تحل له.
وأما من أخذها بمسوغ آخر غير الفقر، وهو كونه مجاهداً أو غارماً أو نحوهما؛ فهو لم يأخذها لكونه فقيرا حتى يكون الغنى مانعا؛ بل أخذها لكونه مجاهدا أو غارما أو نحوهما، فتدبر هذا؛ فهو مفيد.
(
[ممن يشملهم سبيل الله] :)
ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية؛ فإن لهم في مال الله نصيبا، سواء كانوا أغنياء أو فقراء (1) ؛ بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين، وبهم تحفظ بيضة الإسلام، وشريعة سيد الأنام، وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من يرد عليهم من الفقراء وغيرهم، والأمر في ذلك مشهور، ومنهم من كان يأخذ زيادة على مئة ألف درهم.
ومن جملة هذه الأموال التي كانت تفرق بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة، وقد قال -[صلى الله عليه وسلم]- لعمر لما قال له يعطي
(1) لا دليل على ذلك - فيما أرى - إلا محض الاجتهاد.
ولو كانت {في سبيل الله} عامة؛ لكان ما قبلها داخلا فيها، ولكن المراد خصوص الجهاد في سبيل الله، والله أعلم.
ولا يقال: إن هذا من باب عطف العام على الخاص؛ لأن شرط ذلك؛ أن يكون العام مذكوراً آخر، غير معطوف عليه؛ وليس الأمر كذلك ههنا؛ فإنه ذكر {سبيل الله} معطوفا ومعطوفا عليه؛ فثبت أن المراد به المعنى الخاص لا العام؛ فتنبه!
من هو أحوج منه: " ما آتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف، ولا سائل فخذه، وما لا؛ فلا تتبعه نفسك "، كما في " الصحيح "؛ والأمر ظاهر.
وأما ابن السبيل؛ فإذا كان فقيرا لا يملك شيئا في وطنه ولا في غيره؛ فلا نزاع في أنه يعان على سفره بنصيب غير النصيب الذي يأخذه لأجل فقره، وإن كان غنيا في وطنه، وفي المحل الذي يريد السفر منه؛ فلا نزاع أنه لا يأخذ شيئا لكونه ابن السبيل.
وإن كان غنيا في وطنه، ولم يتمكن من ماله في المحل الذي يريد السفر منه؛ فإن كان لا يمكنه القرض؛ فلا ريب أنه يعان على سفره؛ لأنه كالفقير لعدم إمكان انتفاعه بماله بوجه من الوجوه، وإن كان يمكنه القرض فهذا محل النزاع.
وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد؛ فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام:
والحاصل: أن الله سبحانه جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم، واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم؛ بل المعنى أن جنس الصدقات لجنس هذه الأصناف؛ من وجب عليه شيء من جنس الصدقة ووضعه في جنس الأصناف، فقد فعل ما أمره الله به، وسقط عنه ما أوجبه الله عليه، ولو قيل: إنه يجب على المالك إذا حصل له شيء تجب فيه الزكاة تقسيطه على جميع الأصناف الثمانية - على فرض وجودهم جميعا -؛ لكان
ذلك مع ما فيه من الحرج والمشقة مخالفا لما فعله المسلمون؛ سلفهم وخلفهم، وقد يكون الحاصل شيئا حقيرا، لو قسط على جميع الأصناف لما انتفع كل صنف بما حصل له - ولو كان نوعا واحدا فضلا أن يكون عددا -.
إذا تقرر لك هذا: لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه -[صلى الله عليه وسلم]- من الدفع إلى سلمة بن صخر (1) من الصدقات للاستدلال.
ولم يرد ما يقتضي إيجاب توزيع كل صدقة صدقة على جميع الأصناف.
وكذلك لا يصلح للاحتجاج حديث أمره [صلى الله عليه وسلم] لمعاذ أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويردها في فقرائهم؛ لأن تلك - أيضا - صدقة جماعة من المسلمين، وقد صرفت في جنس الأصناف.
وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من هذه الصدقة، فقال له رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-:" إن الله لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك "؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي؛ وقد تكلم فيه غير واحد.
(1) كان قد ظاهر من امرأته في رمضان، ثم واقعها ليلا ولم يجد كفارة، فأمره رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فيأخذها منه ويؤدي ما عليه من الكفارة؛ انظر " نيل الأوطار "(جزء 7 ص 50 - 53) . (ش)
قلت: وانظر " إرواء الغليل "(7 / 177) .