الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ساهيا عن كونه مصليا، وهو المراد بكلام الساهي؛ لأن المراد إصدار الكلام من غير قصد.
فإن قيل: إن ثم فرقا بين من تكلم وهو داخل الصلاة لم يخرج منها، وبين من تكلم وقد خرج منها ساهيا؛ فإن الأول أوقع الكلام حال الصلاة، والآخر أوقعه خارجها، واعتداده بما قد فعله قبل الخروج ساهيا؛ لا يوجب كونه بعد الخروج قبل الرجوع في الصلاة؛ وأدل دليل على ذلك: تكبيره للدخول بعد الخروج سهوا.
فيقال: الأدلة الواردة في رفع الخطاب عن الساهي مخصصة لذلك العموم، فاقتضى ذلك أن المفسد هو كلام العامد لا كلام الساهي.
وأما عدم أمره لمعاوية بن الحكم بالإعادة - كما في الحديث -: فيمكن أن يكون لتنزيل كلام الجاهل بالتحريم منزلة كلام الساهي، ويمكن أن يكون الجهل عذرا بمجرده.
(2 -
[الاشتغال بما ليس منها] :)
(وبالاشتغال بما ليس منها) : وذلك مقيد بأن يخرج به المصلي عن هيئة الصلاة، كمن يشتغل مثلا بخياطة، أو نجارة، أو مشي كثير، أو التفات طويل، أو نحو ذلك.
وسبب بطلانها بذلك أن الهيئة المطلوبة من المصلي قد صارت بذلك الفعل متغيرة عما كانت عليه، حتى صار الناظر لصاحبها لا يعده مصليا.
أقول: اختلفت أنظار أهل العلم في تعريف الفعل الكثير المفسد للصلاة
والمبطل لها، والذي أراه طريقا إلى معرفة الفعل الكثير؛ أن ينظر المتكلم في ذلك إلى ما صدر منه [صلى الله عليه وسلم] من الأفعال، مثل حمله لأمامة بنت أبي العاص، وطلوعه ونزوله في المنبر وهو في حال الصلاة، ونحو ذلك مما وقع منه [صلى الله عليه وسلم] ؛ لا لإصلاح الصلاة، فيحكم بأنه غير كثير، وكذلك ما وقع لقصد إصلاح الصلاة؛ مثل خلعه [صلى الله عليه وسلم] للنعل، وإذنه بمقاتلة الحية - وما أشبه ذلك -؛ ينبغي الحكم بأنه غير كثير بالأولى، وما خرج عن الواقع من أفعاله، والمسوغ بأقواله، فهو فعل غير مشروع، ورجع في كونه مفسدا وغير مفسد إلى الدليل، فإن ورد ما يدل على أحد الطرفين كان العمل عليه، وإن لم يرد فالأصل الصحة، والفساد خلاف الأصل، لا يصار إليه إلا لقيام دليل يدل على الفساد، ولكنه إذا صدر من المصلي من الأفعال - التي لمجرد العبث - ما يخرج به عن هيئة من يؤدي هذه العبادة؛ مثل أن يشتغل بعمل من الأعمال التي لا مدخل لها في الصلاة، ولا في إصلاحها؛ نحو حمل الأثقال، والخياطة، والنسخ ونحو ذلك: فهذا غير مصل.
فإذا قال قائل بفساد صلاته؛ فهو من حيث إنه قد فعل ما ينافي الصلاة.
وأما الاستدلال بحديث: " اسكنوا في الصلاة ": فهو - مع كونه لا يفيد إلا الوجوب، والواجب لا يستلزم عدمه فساد ما هو واجب فيه -: مخصص بجميع ما فعله [صلى الله عليه وسلم] ، أو أذن به، أو قرره.
وما خرج عن ذلك؛ ففعله غير جائز، بل يجب تركه فقط؛ فمن تركه كان ممدوحا، ومن فعله كان مذموما.
ومن قال: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده (1)، والنهي يقتضي الفساد - كما هو مذهب طائفة من أهل الأصول -: فغاية ما هناك أن ذلك الفعل الذي فعله ولم يتركه - كما يجب عليه - فاسد، وأما كون الصلاة التي فعل فيها ذلك الفعل فاسدة؛ فشيء آخر.
قال مجد الدين الفيروزآبادي في " الصراط المستقيم ": " ولسماع بكاء الطفل كان يخفف الصلاة، وأحيانا كان يتعلق به وهو في الصلاة طفل فيحمله على عاتقه، وأحيانا كان يأتي الحسين وهو في السجود، فيركب على ظهره المبارك، فيطيل السجود لأجله، وأحيانا كانت عائشة تأتي وهو في الصلاة؛ وقد غلق الباب، فيخطو ليفتح الباب لها، وأحيانا كان يسلم عليه وهو في الصلاة، فيجيب بالإشارة باسطا يده، وقد يومئ برأسه المبارك، وكانت عائشة نائمة تجاه صلاته، فكان عند السجود يضع يده على رجلها؛ لتخلي مكان السجود بضم رجلها، وكان قد يصل إلى آية السجدة على المنبر، فيهبط إلى الأرض ليسجد ثم يصعد، واختصم وليدتان من بني عبد المطلب، فتصارعتا، فلما دنتا منه أمسكهما بيده وفرق بينهما (2) ، وكان يبكي في الصلاة كثيرا، ويتنحنح أحيانا لحاجة، ويصلي منتعلا وغير منتعل، وقال: " صلوا في نعالكم خلافا لليهود ". اه.
قال في " الحجة البالغة ": " إن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد فعل أشياء في الصلاة بيانا للمشروع، وقرر على أشياء، فذلك وما دونه لا يبطل الصلاة.
والحاصل من الاستقراء: أن القول اليسير - مثل: ألعنك بلعنة الله،
(1) هو مذهب الجمهور؛ فانظر " إرشاد الفحول "(101) .
(2)
انظر " صحيح سنن النسائي "(727) .
ويرحمك الله، وياثكل أماه {وما شأنكم تنظرون إلي؟} والبطش اليسير مثل وضع صبية من العاتق ورفعها، وغمز الرجل، ومثل فتح الباب، والمشي اليسير؛ كالنزول من درج المنبر إلى مكان - ليتأتى منه السجود في أصل المنبر -، والتأخر من موضع الإمام إلى الصف، والتقدم إلى الباب المقابل ليفتح، والبكاء خوفا من الله - تعالى -، والإشارة المفهمة، وقتل الحية والعقرب، واللحظ يمينا وشمالا من غير لي العنق -: لا يفسد، وإن تعلق القذر بجسده أو ثوبه - إذا لم يكن بفعله، أو كان لا يعلمه - لا يفسد ". اه.
قلت: اتفقوا على أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة.
في " العالمكيرية "(1) : إن حمل صبيا أو ثوبا على عاتقه؛ لم تفسد صلاته، وإن حمل شيئا يتكلف في حمله؛ فسدت.
وفي " المنهاج ": الكثرة بالعرف، فالخطوتان والضربتان قليل، والثلاث كثير، وتبطل بالوثبة الفاحشة، لا الحركات الخفيفة المتوالية، كتحريك أصابعه في سبحة، أو حك - في الأصح -.
وفي " العالمكيرية ": لو فتح على غير إمامه تفسد؛ إلا إذا عنى به التلاوة دون التعليم، وإن فتح على إمامه؛ فالصحيح لا تفسد بحال.
وفي " المنهاج ": " لو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم، ك {يا يحيى خذ الكتاب} ، قصد معه قراءة؛ لم تفسد، وإلا بطلت "؛ كذا في " المسوى ".
(1) هي " الفتاوى الهندية " المعروفة في مذهب أبي حنيفة. (ش)