الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأصل أن الصلاة عبادة تصح تأديتها خلف كل مصل، إذا قام بأركانها وأذكارها على وجه لا تخرج به الصلاة عن الصورة المجزئة، وإن كان الإمام غير متجنب للمعاصي، ولا متورع عن كثير مما يتورع عنه غيره، ولهذا إن الشارع إنما اعتبر حسن القراءة والعلم والسن، ولم يعتبر الورع والعدالة، فقال:" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا " أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي مسعود.
وفي حديث مالك بن الحويرث: " وليؤمكما أكبركما "، وهو في " الصحيحين " وغيرهما.
وقد استخلف النبي -[صلى الله عليه وسلم]- ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم، وهو أعمى.
والحاصل: أن الشارع اعتبر الأفضلية في القراءة، والعلم بالسنة، وقدم الهجرة، وعلو السن، فلا ينبغي للمفضول في مثل هذه الأمور أن يؤم الفاضل إلا بإذنه، ولا اعتبار بالفضل في غير ذلك.
(
[الأولى أن يكون الإمام من الخيار] :)
(والأولى أن يكون الإمام من الخيار) : لحديث ابن عباس، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم "، رواه الدارقطني (1) .
(1) حديث ضعيف؛ انظر " الضعيفة "(1822) .
وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي، عنه [صلى الله عليه وسلم] :" إن سركم أن تقبل صلاتكم؛ فيؤمكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم "(1) .
قال في " منح المنة ": وكان [صلى الله عليه وسلم] يجيز إمامة الأرقاء، وكان سالم - مولى أبي حذيفة - يصلي بالمهاجرين الأولين لما نزلوا بقباء (2) لكونه أكثرهم قرآنا، وكان [صلى الله عليه وسلم] يقول:" صلوا خلف كل بر وفاجر "(3) ، وكانت الصحابة يصلون خلف الحجاج (4) ، وقد أحصي الذين قتلهم من الصحابة والتابعين، فبلغوا مئة ألف وعشرين ألفا. اه.
أقول: الأحاديث الواردة - في الصلاة خلف كل بر وفاجر، وما قابلها من الأحاديث المقتضية للمنع من الصلاة خلف الفاجر، ومن كان ذا جرأة -: لم يبلغ منها شيء إلى حد يجوز العمل عليه، فوجب الرجوع إلى الأصل.
وأما عدم اعتبار قيد العدالة: فلعدم ورود دليل يدل عليه.
وأما كون الصلاة خلف كامل العدالة، واسع العلم، كثير الورع؛ أفضل وأحب: فلا نزاع في ذلك؛ إنما النزاع في كون ذلك شرطا من شروط الجماعة، مع أنه قد ثبت ما يدل على عدم الاعتبار، مثل حديث:" يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فعلى أنفسهم " - أو كما قال -، وهو حديث صحيح.
(1) انظر المرجع السابق (1823) .
(2)
في " المصباح ": " موضع بقرب مدينة النبي [صلى الله عليه وسلم] من جهة الجنوب، نحو ميلين، وهو بضم القاف؛ يقصر ويمد، ويصرف ولا يصرف ". (ش)
(3)
حديث ضعيف؛ رواه الدارقطني (2 / 57) ، وفي سنده متروك.
(4)
انظر " شرح العقيدة الطحاوية "(479) لابن أبي العز الحنفي.
والحاصل: أن الدين يسر، وقد جاءنا [صلى الله عليه وسلم] بالشريعة السمحة السهلة، ولم يأمرنا بالكشف عن الحقائق، وسن لنا أن نصلي بعد من كان بالنسبة إلى الواحد منا في الحضيض، باعتبار المزايا الموجبة للفضل، فإنه [صلى الله عليه وسلم] صلى بعد أبي بكر، وعتاب بن أسيد (1) ، وهما بالنسبة إليه لا يعدان شيئا.
ولا ريب أن الذي ينبغي تقديمه لمثل هذه العبادة، ليكون وافد المؤتمين به إلى الله: هو من أرشد إليه [صلى الله عليه وسلم] بقوله: " يؤم القوم أقرأهم
…
" إلى آخر الحديث.
إنما الشأن فيمن يلعب به الشيطان في الوسوسة المفضية إلى إساءة الظن بأئمة الصلاة المتبعين للسنة، فيوقع في قلبه العداوة لكل واحد منهم، بمجرد خيالات مختلة وضلالات مضلة، فيقول له: هذا العالم لا يصلح للإمامة لكونه كذا {وهذا الفاضل لا يصلح لها لكونه كذا} (2) ثم ينقله من درجة إلى درجة، ومن واحد إلى واحد، حتى لا يجد على ظهر البسيطة من يصلح لإمامة الصلاة {فهذا مخدوع؛ قد لعب به الشيطان كيف يشاء، حتى أحرمه (3) فضيلة الجماعة التي هي من أعظم شعائر الإسلام، وأجل أسباب الأجور، ومع هذا؛ فهو قد أوقعه في ورطة أخرى، وهي حمل جميع المسلمين على غير السلامة، فصار ظالما لكل واحد منهم مظلمة يستوفيها منه بين يدي الجبار.
(1) انظر " الإصابة "(4 / 211) لابن حجر.
(2)
ومن أشباه هؤلاء - اليوم - الطاعنون بعلمائنا، ومشايخنا وكبرائنا؛ ممن لا يساوون - بجنبهم - وزن ريشة} !
(3)
حرمه الشيء - من باب ضرب -: منعه منه، ويتعدى لمفعولين.
قال في " المصباح ": " وأحرمته؛ لغة فيه ". (ش)