الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8 -
باب سجود السهو)
سنّ رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- فيما إذا قصّر الإنسان في صلاته؛ أن يسجد سجدتين تداركاً لما فرّط، ففيه شبه القضاء وشبه الكفارة، والمواضع التي ظهر فيها النص أربعة؛ وسيأتي.
قال في " سِفر السعادة ": " من جملة منن الحق - تعالى - ونعمه على الأمة المحمدية: أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- كان يسهو في الصلاة، لتقتدي الأمة به في التشريع، وإذ ذاك يقول: " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني " وقال:" إنما أَنسى أو أُنسى لأسُنّ "(1) ؛ يعني: لأسُنّ ما شُرع في جبر ذلك ". انتهى.
(
[ما هو سجود السهو
؟] :)
(هو سجدتان قبل التسليم أو بعده)، ووجه التخيير: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] صح عنه أنه سجد قبل التسليم، وصح عنه أنه سجد بعده.
أما ما صح عنه مما يدل على أنه قبل التسليم: فحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد، وابن ماجه، والترمذي - وصححه -، قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول: " إذا شك أحدكم، فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين! فليجعلها
(1) حديث لا أصل له؛ فانظر " السلسلة الضعيفة "(رقم: 101) ، و " شرح الزرقاني على الموطإ "(1 / 205) .
واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا {فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا} فليجعلها ثلاثا، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس - قبل أن يسلم - سجدتين ".
وفي الباب أحاديث: منها ما هو في " الصحيح "؛ كحديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا! فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ".
ومنها ما هو في غير " الصحيحين ".
وأما ما صح عنه مما يدل على أنه بعد التسليم: فكحديث ذي اليدين الثابت في " الصحيحين "؛ فإن فيه أنه -[صلى الله عليه وسلم]- سجد بعد ما سلم.
وحديث ابن مسعود وهو في " الصحيحين " وغيرهما مرفوعا بلفظ: " إذا شك أحدكم في صلاته؛ فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين ".
وحديث المغيرة بن شعبة: أنه صلى بقوم، فترك التشهد الأوسط، فلما فرغ من صلاته، سلم ثم سجد سجدتين وسلم، وقال: هكذا صنع بنا رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-. رواه أحمد والترمذي - وصححه -.
وحديث ابن مسعود الثابت في " الصحيحين " وغيرهما: أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- صلى الظهر خمسا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال:
" لا؛ وما ذاك؟ ! " فقالوا: صليت خمسا، فسجد سجدتين بعد ما سلم.
فهذه الأحاديث المصرحة بالسجود تارة قبل التسليم، وتارة بعده: تدل على أنه يجوز جميع ذلك.
ولكنه ينبغي في موارد النصوص أن يفعل كما أرشد إليه الشارع، فيسجد قبل التسليم فيما أرشد إلى السجود فيه قبل التسليم، ويسجد بعد التسليم فيما أرشد فيه إلى السجود بعد التسليم، وما عدا ذلك؛ فهو بالخيار، والكل سنة.
قال في " سفر السعادة ": وسجد للسهو قبل السلام في بعض المواضع، وبعده في بعضها، فجعله الإمام الشافعي في كل حال قبل السلام.
والإمام أبو حنيفة جعله بعد السلام في كل حال.
وقال الإمام مالك: يسجد لسهو النقصان قبل السلام، ولسهو الزيادة في الصلاة بعد السلام، وإن اجتمع سهوان، أحدهما زائد والآخر ناقص؛ يسجد لهما قبل السلام. "
وقال الإمام أحمد: يسجد قبل السلام في المحل الذي سجد فيه النبي -[صلى الله عليه وسلم]- قبل السلام، وما عداه يسجد للسهو بعد السلام.
وقال داود الظاهري: لا يسجد للسهو إلا في هذه المواطن الخمس التي سجد فيها رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-، ولو سها في غيرها
لا يسجد للسهو، ولم يعرض له -[صلى الله عليه وسلم]- الشك في الصلاة، لكن قال:" من شك فليبن على اليقين "، ولم يعتبر الشك، ويسجد للسهو قبل السلام.
وقال الإمام أبو حنيفة: إن كان له ظن بنى علي غالب ظنه، وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين.
وقال الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد: بنى على اليقين مطلقا. انتهى.
ولا يشك منصف أن الأحاديث الصحيحة مصرحة بأنه كان يسجد في بعض الصلوات قبل السلام، وفي بعضها بعد السلام، فالجزم بأن محلهما بعد السلام فقط طرح لبعض الأحاديث الصحيحة، لا لموجب إلا لمجرد مخالفتها لما قاله فلان أو فلان! كما أن الجزم بأن محلهما قبل التسليم فقط طرح لبعض الأحاديث الصحيحة لمثل ذلك.
والمذاهب في المسألة منتشرة؛ قد بسطها الماتن في " شرح المنتقى ".
والحق عندي: أن الكل جائز وسنة ثابتة، والمصلي مخير بين أن يسجد قبل أن يسلم: أو بعد أن يسلم، وهذا فيما كان من السهو غير موافق للسهو الذي سجد له [صلى الله عليه وسلم] قبل السلام أو بعده.
وأما في السهو الذي سجد له [صلى الله عليه وسلم] : فينبغي الاقتداء به في ذلك، وإيقاع السجود في المواضع الذي أوقعه فيه -[صلى الله عليه وسلم]- مع الموافقة في السهو، وهي مواضع محصورة مشهورة، يعرفها من له اشتغال بعلم السنة المطهرة.