الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم؛ الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجداً دون الآخر، - كما سيأتي في حديث مسلم - يدل على الافتراق في الحكم.
وأحسن من هذا أن قوله - تعالى - في آية المائدة: {منه} يدل على أن المراد التراب، وذلك لأن كلمة " مِن " للتبعيض (1) كما قال في " الكشاف ": أنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن والتراب؛ إلا معنى التبعيض. انتهى.
فإن قلت: سلمنا التبعيض، فما الدليل على أن ذلك البعض هو التراب؟ قلت: التنصيص عليه في الحديث المذكور. انتهى.
(
[ما يباح به التيمم] :)
(يستباح به ما يستباح بالوضوء والغسل لمن لا يجد الماء) : لأن حكم التيمم مع العذر المسوغ له حكم الوضوء لمن لم يكن جنباً، وحكم الغسل لمن كان جنبا، يصلي به ما يصلي المتوضئ بوضوئه، ويستبيح به ما يستبيحه المغتسل بغسله، فيصلي به الصلوات المتعددة، ولا ينتقض بفراغ من صلاة، ولا بالاشتغال بغيره، ولا بخروج وقت على ما هو الحق.
والخلاف في ذلك معروف.
والأدلة الواردة لمشروعية التيمم عند عدم الماء ثابتة كتاباً وسنة.
قال في " الحجة ": ولم أجد في حديث صحيح تصريحاً بأنه يجب أن
(1) ولكن؛ ليس دائماً، وتفصيل هذا في مظانّه.
يتيمم لكل فريضة، أو لا يجوز التيمم للآبق ونحوه، وإنما ذلك من التخريجات (1) ، وإنما لم يفرق بين بدل الغسل والوضوء، ولم يشرع التمرغ؛ لأن من حق ما لا يعقل - بادي الرأي - أن يجعل كالمؤثر بالخاصية دون المقدار، فإنه هو الذي اطمأنت نفوسهم به في هذا الباب، ولأن التمرغ فيه بعض الحرج، فلا يصلح رافعاً للحرج بالكلية.
وفي معنى المرض البرد الضار - لحديث (2) عمرو بن العاص رضي الله عنه.
والسفر ليس بقيد، إنما هو صورة لعدم وجدان الماء، تتبادر إلى الذهن، وإنما لم يؤمر بمسح الرِّجْل بالتراب؛ لأن الرِّجل محل الأوساخ، وإنما يؤمر بما ليس حاصلاً ليحصل التنبيه به. انتهى.
(أو خشي الضرر من استعماله) : لما أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني رحمهم الله، من حديث جابر رضي الله عنه، قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون له رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة؛ وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؛ أخبرناه بذلك؟ فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ ! فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل
(1) أي: التفريعات التي لا دليل عليها.
(2)
سيأتي - بعد -.
سائر جسده (1) ".
وقد تفرد به الزبير بن خريق (2) رحمه الله وليس بالقوي، وقد صححه ابن السكن رحمه الله.
وروي من طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد ذهب إلى مشروعية التيمم بالعذر الجمهور.
(1) • حديث جابر - هذا - ضعيف السند؛ كما ذكر المؤلف.
لكن له شاهد من حديث ابن عباس، يرتقي به إلى درجة الحسن، فيصح أن يحتج به على مشروعية التيمم، لخوف الضرر من استعمال الماء.
ولكن ليس في حديث ابن عباس: " ويعصب على جرحه
…
" الخ؛ فهذه الزيادة من الحديث ضعيفة، فلا يحتج بها على مشروعية المسح على الجبيرة، وإن كان ورد في المسح عليها أحاديث أخرى؛ فإنها ضعيفة جداً، لا يصح أن يتقوى الحكم بها؛ لشدة ضعفها: خلافاً لما ذكره الشيخ سيد سابق في " فقه السنة "، وقد فصلت القول في ذلك في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة ".
نعم؛ صح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه توضأ وكفه معصوبة، فمسح على العصائب، وغسل سوى ذلك؛ رواه البيهقي (1 / 328) .
وقد دعم بعضهم المسح على الجبيرة؛ بالقياس على المسح على العمامة والخفين.
فمن ظهر له قوة هذا القياس بالإضافة إلى أثر ابن عمر؛ مسح على الجبيرة.
وإلا؛ فلا يشرع المسح؛ وهذا الذي أراه؛ لعدم قيام دليل تقوم به الحجة عندي. أما الحديث؛ فقد عرفت ضعفه، هو وما في معناه.
وأما الأثر؛ فلا حجة فيه توجب العمل به.
وأما القياس؛ فلا يجوز القول به في العبادات.
والخلاصة: أن الجريح يكفيه أن يغسل سائر بدنه أو أعضائه، دون أن يمسح على الجبيرة، والله أعلم. (ن)
قلت: انظر " تمام المنة "(ص 131) .
وانظر تعليقي على " مفتاح دار السعادة "(1 / 368 - 370) لابن القيم.
(2)
• بالتصغير؛ وهو لين الحديث، كما في " التقريب ". (ن)
وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله، وروي عن الشافعي رحمه الله في قول له - أنه لا يجوز التيمم لخشية الضرر.
ولا أدري كيف صحة ذلك عنهما (1) ؟ {فإن هذا الحديث يؤيده قوله - تعالى -: {وإن كنتم مرضى} الآية.
وكذلك حديث المسح على الجبائر (2) المروي عن علي رضي الله عنه.
وكذلك حديث عمرو بن العاص: لما بعثه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في غزوة ذات السلاسل، فاحتلم في ليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما قدموا ذكروا ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ فقال:" يا عمرو} أصليت مع أصحابك وأنت جنب؟ "، فقال: ذكرت قوله الله - تعالى -: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، ولم يقل شيئاً. رواه أحمد، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، وأخرجه البخاري تعليقاً (3) .
قال في " الحجة ": وكان عمر وابن مسعود رضي الله عنهما لا يريان التيمم عن الجنابة، وحملا الآية على اللمس (4) ، وأنه ينقض الوضوء، لكن حديث عمران وعمار يشهد بخلاف ذلك.
(1) قارن ب " الإنصاف "(1 / 265) للمرداوي، و " مُغني المحتاج "(1 / 92) للشربيني.
(2)
هو في " سنن ابن ماجه "(657) ، وإسناده ضعيف.
(3)
انظر " الإرواء "(154) .
(4)
انظر " الأوسط "(2 / 15) لابن المنذر، و " تفسير القرطبي "(5 / 223) .
وقال الترمذي في " سننه "(1 / 39) - ونقله الشوكاني في " نيل الأوطار "(1 / 322) -: " وقيل: إن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك ".
قلت: وهذا مروي في " الصحيحين "، وانظر " جامع الأصول "(7 / 252) .