الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه لا انغماس فيه، بل هو يتناوله تناولاً من الابتداء، فالأوْلى تحريك الماء قبل الشروع في الطهارة، ثم يتطهر (1) به.
وقد ذهب الجمهور إلى خلاف ما دلت عليه هذه الروايات، فلم يفرقوا بين المتحرك والساكن، ومنهم من قال: إن هذه الروايات محمولة على الكراهية فقط! ولا وجه لذلك.
وقد قيل: إن المُستبحر مخصوص من هذا بالإجماع.
والراجح أن الماء الساكن لا يحل التطهر به ما دام ساكناً، فإذا تحرك عاد له وصفه الأصلي، وهو كونه مطهراً.
وهذه هي المسألة الخامسة من مسائل الباب.
(
[حكم الماء المستعمل] :)
(ومستعمَل وغير مستعمَل) : هذه المسألة السادسة من مسائل الباب، وقد وقع الاختلاف بين أهل العلم في الماء المستعمل لعبادة من العبادات؛ هل يخرج بذلك عن كونه مُطهِّراً أم لا؟
فحُكي عن أحمد بن حنبل والليث والأوزاعي والشافعي ومالك - في إحدى الروايتين عنهما -، وأبو حنيفة - في رواية عنه -: أن الماء المستعمل غير مطهِّر، واستدلوا بما تقدم من حديث النهي عن الاغتسال في الماء الدائم.
ولا دلالة له على ذلك؛ لأن علة النهي عن التطهير به ليست كون ذلك الماء
(1) هذا لا يطابق معنى الحديث، وليس المقصود من التشريع إلا صيانة الماء عن القذر والنجس، وأبو هريرة فهم الحديث كما ينبغي أن يفهم. (ش)
مستعملاً؛ بل كونه ساكناً، وعلة السكون لا ملازمة بينها وبين الاستعمال.
واحتجوا أيضاً بما ورد من النهي عن الوضوء بفضل وضوء المرأة (1) ، ولا تنحصر علة ذلك في الاستعمال، كما سيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى -، فلا يتم الاستدلال بذلك لاحتماله، ولو كانت العلة الاستعمال؛ لم يختص النهي بمنع الرجل من الوضوء بفضل المرأة والعكس، بل كان النهي سيقع من الشارع لكل أحد عن كل فضل.
ومن جملة ما استدلوا به: أن السلف كانوا يكملون الطهارة بالتيمم عند قلة الماء، لا بماء ساقط منه.
وهذه حجة ساقطة لا ينبغي التعويل على مثلها في إثبات الأحكام الشرعية، فعلى هذا المستدل أن يوضح: هل كان هذا التكميل يفعله جميع السلف أو بعضهم؟
والأول: باطل.
والثاني: لا يُدرى من هو؟ {فليبين لنا من هو؟}
على أنه لا حجة إلا الإجماع عند من يحتج بالإجماع.
وقد استدلوا بأدلة هي أجنبية عن محل النزاع؛ مثل حديث غسل اليد ثلاثاً بعد الاستيقاظ قبل إدخالها الإناء، ونحوه.
(1) • يشير إلى حديث: " نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً " رواه أبو داود، والنسائي بسند صحيح، والنهي فيه للتنزيه؛ لحديث ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] في جفنة، فجاء النبي [صلى الله عليه وسلم] ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله! إني كنت جنباً، فقال:" إن الماء لا يجنب " رواه أبو داود وغيره بسند صحيح. (ن)
فالحق: أن المستعمل طاهر ومطهر؛ عملاً بالأصل، وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور.
وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف والخلف، ونسبه ابن حزم إلى عطاء، وسفيان الثوري، وأبي ثور، وجميع أهل الظاهر، ونقله غيره عن الحسن البصري، والزهري، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة - في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين -.
والحق: أن الماء لا يخرج عن كونه طهوراً بمجرد استعماله للطهارة؛ إلا أن يتغير بذلك ريحه أو لونه أو طعمه، وقد كان الصحابة يكادون يقتتلون على ما تساقط من وضوئه [صلى الله عليه وسلم] ، فيأخذونه ويتبركون به، والتبرك به (1) يكون بغسل بعض أعضاء الوضوء كما يكون بغير ذلك.
والحاصل: أن إخراج ما جعله الله طهوراً عن الطهورية لا يكون إلا بدليل.
(1) وهذا التبرك خاص بالنبي [صلى الله عليه وسلم] ، ولا يجوز إلحاق غيره به؛ لعدم مساواة غيره له [صلى الله عليه وسلم] .
وما تفعله بعض الفِرق الصوفية - وكثير من العامة - من ذلك؛ فهو غير جائز البتّة، بل قد يؤدي إلى الشرك - عياذاً بالله تعالى -.