الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر، فقال [صلى الله عليه وسلم] للذي لم يعد:" أصبت السنة "؛ أخرجه أبو داود، والحاكم وغيرهما من حديث أبي سعيد (1) ، فإنه يرد قول من قال بوجوب الانتظار إلى آخر الوقت على المتيمم، سواء كان مسافراً أو مقيماً.
إذا تقرر لك هذا: استرحت عن الاشتغال بكثير من التفاريع المحررة في كتب الفقه؛ فإن هذه هي ثمرة الاجتهاد.
فأي فرق بين من لا يفرق بين الغث والسمين من المجتهدين، وبين من هو في عداد المقلدين؟ !
(
[الخلاف في الصعيد الذي يتيمم به] :)
قال في " القاموس ": والصعيد: التراب، أو وجه الأرض. انتهى.
والثاني هو الظاهر من لفظ الصعيد؛ لأنه ما صعد؛ أي: علا وارتفع على وجه الأرض، وهذه الصفة لا تختص بالتراب، ويؤيد ذلك حديث:" جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً "؛ وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره.
وما ثبت في رواية بلفظ: " وتربتها طهوراً "؛ كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة؛ فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء،؛ لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه على أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية.
(1) انظر " المشكاة "(533) ، و " التلخيص الحبير "(1 / 156) .
وهذا مفهوم لقب (1) لا ينتهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة، ولهذا لم يعمل به من يعتد به من أئمة الأصول، فيكون ذكر التراب في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام.
وهكذا يكون الجواب عن ذكر التراب في غير هذا الحديث، ووجه ذكره: أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة، ويؤيد هذا ما تقدم من تيممه [صلى الله عليه وسلم] من جدار.
وأما الاستدلال بوصف الصعيد بالطيب، ودعوى أن الطيب لا يكون إلا تراباً طاهراً منبتاً لقوله - تعالى -:{والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} : فغير مفيد للمطلوب إلا بعد بيان اختصاص الطيب بما ذُكر، والضرورة تدفعه؛ فإن التراب المختلط بالأزبال أجود إخراجاً للنبات.
قال الماتن في " شرح المنتقى "(2) : ومن الأدلة الدالة على أن المراد خصوص التراب ما ورد في القرآن والسنة من ذكر الصعيد، فالأمر بالتيمم منه وهو التراب، لكنه قال في " القاموس ": والصعيد: التراب أو وجه الأرض، وفي " المصباح ": الصعيد وجه الأرض؛ تراباً كان أو غيره، قال الزجاج: لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله - تعالى -: {صعيدا طيبا} هو التراب، وفي كتاب " فقه اللغة " للثعالبي: الصعيد تراب وجه الأرض، ولم يذكر غيره، وفي " المصباح " - أيضا -: ويقال: الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي وجه الأرض، وعلى وجه الأرض، وعلى الطريق.
(1) وهو من أضعف المفاهيم؛ كما قال الصنعاني في " إجابة السائل "(ص 245) .
(2)
" نيل الأوطار "(1 / 261) .
ويؤيد حمل الصعيد على العموم تيممه [صلى الله عليه وسلم] من الحائط؛ فلا يتم الاستدلال.
وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب الشافعي، وأحمد، وداود.
وذهب مالك، وأبو حنيفة، وعطاء، والأوزاعي، والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها.
قال: واستدل القائل بتخصيص التراب بما عند مسلم من حديث حذيفة مرفوعاً بلفظ: " وجُعلت تربتها لنا طهوراً "، وهذا خاص؛ فينبغي أن يُحمل عليه العام.
وأجيب بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره، فلا يتم الاستدلال.
ورُدّ بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ: " التراب "؛ أخرجه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي:" جُعل التراب لي طهوراً "؛ أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن (1) .
وأجيب أيضا عن ذلك الاستدلال بأن تعليق الحكم بالتربة مفهوم لقب، ومفهوم اللقب ضعيف عند أرباب الأصول، ولم يقل به إلا الدقاق، فلا ينتهض لتخصيص المنطوق.
ورُدّ بأن الحديث سيق لإظهار التشريف، فلو كان جائزاً بغير التراب لما اقتصر عليه؛ وأنت خبير بأنه لم يقتصر على التراب إلا في هذه الرواية.
(1) انظر " صحيح ابن خزيمة "(264) والتعليق عليه.