الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن البدلية غير مسلَّمة، وعلى فرض تسليمها: فلا نسلم أن البدل لا يجزئ إلا عند تعذر المبدَل إلى آخر الوقت، فإنهم يجعلون الظهر أصلا والجمعة بدلا، والجمعة مجزئة في أول وقت الظهر، بل لا يجزئ في ذلك الوقت غيرها لمن لم يكن معذوراً.
ثم لو سلمنا أن البدل لا يجزئ إلا عند تعذر المبدل، فوقت التعذر هو وقت الصلاة مثلا، فإذا دخل أول جزء من أجزاء الوقت، والمبدل متعذر: كان البدل في ذلك الوقت مجزئا، ومن زعم غير هذا جاءنا بحجة.
(
[بيان الأوقات التي تكره فيها الصلاة] :)
(و) أما كون (أوقات الكراهة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وعند الزوال، وبعد العصر حتى تغرب) : فلما ثبت في " الصحيح " عن جماعة من الصحابة مرفوعاً؛ من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس (1) ، وعند الزوال، وورد في روايات أخر: النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات: وقت الطلوع، ووقت الزوال، ووقت الغروب.
قال في " الحجة ": " الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر منها فليفعل "(2)، غير أنه نهي عن خمسة أوقات: ثلاثة منها أوكد نهيا من الباقيين وهي الساعات الثلاث إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف (3) للغروب حتى تغرب، لأنها أوقات صلاة المجوس.
(1) قارن ب " الصحيحة "(200) و (314) .
(2)
انظر " صحيح الترغيب "(386) .
(3)
أي: تميل؛ والحديث في " صحيح مسلم "(831) عن عقبة بن عامر.
وأما الآخران فقوله [صلى الله عليه وسلم] : " لا صلاة بعد الصبح حتى تبزغ الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب " ولذلك صلى فيهما النبي [صلى الله عليه وسلم] تارة.
وروي استثناء نصف النهار يوم الجمعة (1) .
واستنبُط جوازها في الأوقات الثلاثة في المسجد الحرام من حديث: " يا بني عبد مناف! من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار "(2) .
وعلى هذا فالسر في ذلك أنهما (3) وقت ظهور شعائر الدين ومكانه فعارضا المانع (4) من الصلاة ". انتهى.
وأقول: الأحاديث في النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر قد صحت بلا ريب، وهي عمومات قابلة للتخصيص بما هو أخص منها مطلقاً، لا بما هو أعم منها من وجه، وأخص منها من وجه، كأحاديث الأمر بصلاة تحية المسجد (5) ؛ فإنه من باب تعارض العمومين، والواجب المصير
(1) انظر أدلة ذلك في " الأجوبة النافعة "(59 - 63) ، لشيخنا الألباني.
(2)
ليس المراد من هذا الحديث إباحة الصلاة في الأوقات المذكورة، بل هو نهي لبني عبد مناف من التعرض للمصلي في أي وقت شاء؛ لما كانوا يزعمون لأنفسهم من السلطان على البيت وعلى زائريه؛ فهو حَجْر عليهم، كفّ به أيديهم عن التعرض للناس، ولكنه لا يُفهم منه أن النهي عن الأوقات إنما هو في غير البيت؛ وهذا واضح لا يخفى على متأمل. (ش)
قلت: وقد ذكر الحافظ في " الفتح (3 / 488 - 489) في المسألة أقوالاً عدة؛ فلينظر.
(3)
أي: الجمعة، والمسجد الحرام.
(4)
وهو التشبه بالكفار.
(5)
قارن ب " السيل الجرار "(1 / 189) .
إلى الترجيح، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر وجب العمل به، وإن لم يمكن؛ وجب المصير إلى الترجيح بأمور خارجة، فإن تعذّر من جميع الوجوه؛ فالتخيير أو الاطراح في مادة.
إذا تقرر هذا: فما عورضت به أحاديث النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين لا يصلح للمعارضة:
أما حديث الرجلين اللذين أمرهما [صلى الله عليه وسلم] بالإعادة (1) ؛ فقد اختلفت الرواية؛ ففي بعض الروايات أنه قال: " هذه فريضة وتلك نافلة "، وفي بعضها عكس ذلك، وعلى الرواية الأولى: لا معارضة، وعلى الثانية: غاية ما هناك أن ذلك يكون مخصصا لأحاديث النهي بمثل حال الرجلين، وهو من دخل مسجد جماعة يصلون فيه فريضة في أحد الوقتين، فإنه يتنفل معهم.
وحديث: أنه [صلى الله عليه وسلم] كان يصلي ركعتين بعد العصر (2) ؛ قد تبين في روايات الحديث الثابتة في الأمهات أنه وفد عليه وفد عبد القيس، فشغلوه عن ركعتي الظهر، فصلاهما بعد العصر، وكان هديه [صلى الله عليه وسلم] أنه إذا فعل شيئاً داوم عليه، حتى سألته بعض نسائه، وقالت: هل نقضيهما إذا فاتتانا؟ فقال: " لا "(3) .
(1) لعله يشير إلى حديث يزيد بن الأسود في الرجلين اللذين لم يصليا في ناحية المسجد
…
فقال لهما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : ". . إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام ولم يصل: فليصل معه؛ فإنها له نافلة ".
وهو حديث صحيح مخرج في " الإرواء "(2 / 315) بطرقه ورواياته وألفاظه.
(2)
تفصيل القول في هذه المسألة - بأدلتها، وشواهدها وطرق أحاديثها - في " سلسلة الأحاديث الصحيح "(6 / 2 / 1010 - 1014) .
(3)
• حديث معلول. (ن)
قلت: وجزم بذلك الشوكاني في " نيل الأوطار "(3 / 34) .
وقد ذكر من روى ذلك وما عليه شيخنا العلامة الشوكاني في " شرح المنتقى "(1) .
وأما حديث: " لا تمنعوا طائفاً
…
": فهو مع كونه غير صلاة - وإن كان مشبهاً بها؛ فليس المشبه كالمشبه به هو أيضا عام مخصص بأحاديث النهي، أو خاص بنوع من أنواع الصلاة وهو الطواف؛ فليعلم.
(1) نيل الأوطار " (3 / 28 - 29) .