الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[بيان أول وقت العشاء وآخره] :)
(وهو) - أي: ذهاب الشفق وغروبه - (أول العشاء) للإجماع على دخوله بالشفق، والأحمر هو المتبادر منه؛ لأن وقت الاستحباب الذي يستحب أن يصلى فيه هو أوائل الأوقات؛ إلا العشاء.
(وآخره نصف الليل) فالمستحب الأصلي تأخيرها، وهو قوله [صلى الله عليه وسلم] :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء "، ولأنه أنفع في تصفية الباطن من الأشغال المنسية لذكر الله - تعالى -، وأقطع لمادة السمر بعد العشاء، لكن التأخير ربما يفضي إلى تقليل الجماعة، وتنفير القوم، وفيه قلب الموضوع، فلهذا كان النبي [صلى الله عليه وسلم] إذا كثر الناس عجّل، وإذا قلوا أخّر.
كذا في " الحجة "، فهذه علامات، وكان المعلم لها جبرائيل عليه السلام، ثم محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] للأمة.
(
[بيان أول وقت الفجر وآخره] :)
(وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر) أي: ظهور الضوء المنتشر، وبينه [صلى الله عليه وسلم] أشفى بيان، فقال لهم:" أنه يطلع معترضاً في الأفق "، و " أنه ليس الذي يلوح بياضه كذنب السِّرحان (1) "، وهذا شيء تدركه الأبصار، وقال - تعالى -:{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ، فجاء بلفظ التفعل، لإفادة أنه لا يكفي إلا التبين الواضح، أي: يتبين لكم شيئاً فشيئاً حتى يتضح؛ فإنه لا يتم تبينه وظهوره إلا بعد كمال ظهوره، فإنه يطلع - أولا -
(1) السِّرحان هو: الذئب؛ والمراد ارتفاع نوره عموديا في السماء.
تباشير الضوء، ثم ذنب السِّرحان وهو الفجر الكذاب، ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح، ولذلك قال الشاعر:
(وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه
…
وأول الغيث قطر ثم ينسكب)
قال ابن القيم: " إن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يقرأ بالستين آية إلى المئة، ثم ينصرف منها والنساء لا يُعرفن من الغلس (1) ، وأن صلاته كانت في التغليس حتى توفاه الله - تعالى -، وأنه أسفر بها مرة واحدة، وكان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية، فرُد ذلك بمجمل حديث رافع بن خديج: " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " (2) ، وهذا - بعد ثبوته - إنما المراد به الإسفار بها دواماً، لا ابتداء، فيدخل فيها مغلسا ويخرج منها مسفرا، كما كان يفعله رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، فقوله موافق لفعله لا مناقض له، وكيف يُظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه؟ ! " انتهى.
(وآخره طلوع الشمس) : ومما ينبغي أن يُعلم: أن الله عز وجل لم يكلف عباده في تعريف أوقات الصلوات بما يشق عليهم ويتعسر، فالدين يسر، والشريعة سمحة سهلة، بل جعل -[صلى الله عليه وسلم]- للأوقات علامات حسية يعرفها كل أحد، فقال في الفجر: طلوع النور الذي هو من أوائل أجزاء النهار يعرفه كل أحد، وقال في الظهر:" إذا دحضت الشمس "(3) ، إذا زالت الشمس،
(1) الظلام.
والحديث؛ رواه البخاري (1921) ، ومسلم (1097) .
(2)
حديث صحيح، انظر " إرواء الغليل "(258) .
(3)
هي رواية عند مسلم (606) عن جابر بن سمرة.