الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه أيضا: ولا جمعة على معذور مرخص [له] في ترك الجماعة.
وفي " العالمكيرية ": " المطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم؛ مسقط ".
قال في " المنح ": " وكان -[صلى الله عليه وسلم]- يرخص في تركها وقت المطر، ولو لم يبتل أسفل النعلين (1) ، وكان يرخص في السفر يوم الجمعة لا سيما للجهاد ". انتهى.
(
[الجمعة لا تخالف الصلوات إلا في مشروعية الخطبة قبلها] :)
(وهي كسائر الصلوات لا تخالفها) : لكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها في غير ذلك.
وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل: إنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم، والمصر الجامع، والعدد المخصوص! فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها؛ فضلا عن وجوبها؛ فضلا عن كونها شروطا، بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة؛ فقد فعلا ما يجب عليهما.
فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة، وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط (2) ، ولولا حديث طارق بن شهاب - المذكور قريبا - من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة، ومن عدم إقامتها في زمنه [صلى الله عليه وسلم] في غير جماعة: لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات.
(1) انظر كتابي " أحكام الشتاء "(ص 99 - 102) .
(2)
انظر " الأجوبة النافعة "(ص 91) - للمناقشة والترجيح -.
وأما ما يروى من: " أربعة إلى الولاة
…
": فهذا قد صرح أئمة الشأن بأنه ليس من كلام النبوة (1) ، ولا من كلام من كان في عصرها من الصحابة، حتى يحتاج إلى بيان معناه أو تأويله، وإنما هو من كلام الحسن البصري.
ومن تأمل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله - تعالى - عليهم في الأسبوع، وجعلها شعارا من شعائر الإسلام، وهي صلاة الجمعة؛ من الأقوال الساقطة، والمذاهب الزائغة، والاجتهادات الداحضة (2) : قضى من ذلك العجب.
فقائل يقول: الخطبة كركعتين، وإن من فاتته لم تصح جمعته؛ وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- من طرق متعددة يقوي بعضها بعضا، ويشد بعضها من عضد بعض (3) ، أن " من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة؛ فليضف إليها أخرى، وقد تمت صلاته "، ولا بلغه غير هذا الحديث من الأدلة.
وقائل يقول: لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الإمام {
وقائل يقول: بأربعة}
وقائل يقول: بسبعة {
وقال يقول: بتسعة}
وقائل يقول: باثني عشر!
(1)" نصب الراية "(3 / 326)
(2)
أي: الباطلة. (ش)
(3)
انظر طرق الحديث وألفاظه من " إرواء الغليل "(622) ، وهو حديث صحيح.
وقائل يقول: بعشرين {
وقائل يقول: بثلاثين}
وقائل يقول: لا تنعقد إلا بأربعين {
وقائل يقول: بخمسين}
وقائل يقول: لا تنعقد إلا بسبعين {
وقائل يقول: فيما بين ذلك}
وقائل يقول: بجمع كثير من غير تقييد {
وقائل يقول: إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع}
وحدّه بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف {
وآخر قال أن يكون فيه جامع وحمام}
وآخر قال: أن يكون فيه كذا وكذا {
وآخر قال: إنها لا تجب إلا مع الإمام الأعظم، فإن لم يوجد، أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه؛ لم تجب الجمعة ولم تشرع.
ونحو هذه الأقوال، التي عليها أثارة من علم، ولا يوجد في كتاب الله - تعالى - ولا في سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطا لصحة الجمعة، أو فرضا من فرائضها، أو ركنا من أركانها.
فيا لله العجب} ما يفعل الرأي بأهله، ومن يخرج من رؤوسهم من
الخزعبلات الشبيهة بما يتحدث الناس به في مجامعهم، وما يخبرونه في أسمارهم من القصص والأحاديث الملفقة، وهي عن الشريعة المطهرة بمعزل؟ !
يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة، وكل متصف بصفة الإنصاف، وكل من ثبت قدمه، ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال.
ومن جاء بالغلط؛ فغلطه رد عليه مضروب به في وجهه، والحكم بين العباد هو كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله -[صلى الله عليه وسلم]- كما قال - سبحانه:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ، {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} ، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} .
فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة، وتفيد أعظم فائدة؛ أن المرجع مع الاختلاف إلى حكم الله ورسوله، وحكم الله هو كتابه، وحكم رسوله بعد أن قبضه الله - تعالى - هو سنته؛ ليس غير ذلك، ولم يجعل الله - تعالى - لأحد من العباد - وإن بلغ في العلم أعلى مبلغ، وجمع منه ما لا يجمع غيره -، أن يقول في هذه الشريعة بشيء لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، والمجتهد - وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل -؛ فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنا من كان.
وإني - كما علم الله - لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين، وتصديره في كتب الهداية، وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به، وهو على شفا جرف هار، ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب، ولا بقطر من الأقطار، ولا