الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنما الشأن في صلاحية أحاديث الإثبات لمعارضة أحاديث النفي؛ لأن الترجيح فرع المعارضة.
والحاصل: أن أحاديث الإثبات مروية من طرق متعددة؛ لكنها جميعا متكلم عليها.
وقد أطال الماتن الكلام على هذا في " شرح المنتقى "، وسرد الروايات المختلفة واختلاف أهل العلم في ذلك؛ فليرجع إليه؛ فإن هذا المقام من المعارك.
(
[يصلى على القبر وعلى الغائب] :)
(ويصلى على القبر وعلى الغائب) : لحديث - أنه -[صلى الله عليه وسلم]- انتهى إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعا؛ وهو في " الصحيحين " من حديث ابن عباس.
وكذلك صلاته على قبر السوداء التي كانت تقم المسجد؛ وهو أيضا في " الصحيحين "، وغيرهما من حديث أبي هريرة.
وصلى على قبر أم سعد، وقد مضى لذلك شهر؛ أخرجه الترمذي (1) .
وصلى على النجاشي هو وأصحابه؛ كما في " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر، وأبي هريرة، وهو مات في دياره بالحبشة فصلى عليه النبي -[صلى الله عليه وسلم]- بالمدينة.
(1)(رقم 1038) بسند مرسل!
والخلاف في الصلاة على القبر والغائب (1) معروف؛ ولم يأت المانع بشيء يُعتد به.
أقول: الأدلة ثابتة في الصلاة على القبر ثبوتا لا يقابله أهل العلم بغير القبول.
أما فيمن لم يصل عليه؛ فالأمر أوضح من أن يخفى، ولا تزال الصلاة مشروعة عليه؛ ما علم الناس أنه لم يصل عليه أحد.
وأما فيمن قد صُلي عليه: فلمثل حديث السوداء المتقدم، ومعلوم أن الميت لا يدفن في عصره [صلى الله عليه وسلم] بدون صلاة عليه.
وأما المانعون من الصلاة على القبر مطلقا: فأشف ما استدلوا به؛ ما روي عنه [صلى الله عليه وسلم] في حديث السوداء المذكور، أنه قال:" إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم "(2) .
قالوا: فهذا يدل على اختصاصه [صلى الله عليه وسلم] بذلك.
وتُعقِّب بأنه [صلى الله عليه وسلم] لم ينكر على من صلى معه على القبور، ولو كان خاصا به لأنكر عليهم.
وأجيب عن هذا التعقب؛ بأن الذي يقع بالتبعية لا يصلح للاستدلال به على الفعل أصالة.
(1) ولكن بشرط التأكد - أو غلبة الظن - أنه لم يصل عليه في البلد الذي مات فيه، وانظر " أحكام الجنائز "(ص 118 - 119) .
(2)
انظر ما سيأتي - بعد -.
وأحسن ما يجاب به عن هذه الزيادة؛ بأنها مدرجة في هذا الحديث، كما بين ذلك جماعة من أصحاب حماد بن زيد (1) .
على أنه يمكن الجواب بأن كون الله ينور القبور بصلاة رسوله [صلى الله عليه وسلم] عليها لا ينفي مشروعية الصلاة من غيره تأسيا به، لا سيما بعد قوله [صلى الله عليه وسلم] :" صلوا كما رأيتموني أصلي ".
قال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": " رُدت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "، وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر، فهذا قوله وهذا فعله، ولا يناقض أحدهما الآخر؛ فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان؛ بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه؛ فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين.
ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض، وبين كونه في بطنها؛ بخلاف سائر الصلوات؛ فإنها لم تشرع في القبور، ولا إليها؛ لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد.
وقد لعن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من فعل ذلك، فأين ما لعن فاعله وحذر منه، وأخبر أن أهله شرار الخلق - كما قال: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة
(1) الزيادة في " صحيح مسلم "(957) ، وأصله في " صحيح البخاري "(1337) بدونها!
وانظر مناقشة المسألة وتحقيقها في " الفصل للوصل المدرج في النقل "(2 / 613) للخطيب، و " السنن الكبرى "(4 / 47) للبيهقي، و " الفتح "(1 / 553) للحافظ ابن حجر.
وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد " - إلى ما فعله [صلى الله عليه وسلم] مراراً متكررة؟ ! وبالله التوفيق ".