الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي " الصحيحين " عن معاذ: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما بعثه إلى اليمن قال له: " خذها من أغنيائهم، وضعها في فقرائهم ".
(
[تجزئ الزكاة وإن دفعت لسلطان جائر] :)
(ويبرأ رب المال بدفعها إلى السلطان وإن كان جائرا) : لحديث ابن مسعود في " الصحيحين " وغيرهما، أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:" إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها " قالوا: يا رسول الله {فما تأمرنا؟ قال: " تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم ".
وأخرج مسلم، والترمذي - وصححه - من حديث وائل بن حُجر، قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ورجل يسأله، فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟} فقال: " اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حُملوا وعليكم ما حُملتم ".
وأخرج أبو داود من حديث جابر بن عتيك (1) - مرفوعاً - بلفظ: " سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون؛ فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم ".
وأخرج الطبراني (2) عن سعد بن أبي وقاص - مرفوعاً -: " ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس ".
(1) في الأصل: " جابر بن عبيد "، وهو خطأ. (ش)
قلت: والحديث ضعيف؛ كما في " تخريج أحاديث مشكلة الفقر ".
(2)
في " الأوسط "(1369) ، وضعفه الهيثمي في " المجمع "(3 / 80) .
وفي الباب آثار عن الصحابة؛ حتى أخرج البيهقي عن عمر، أنه قال: ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمر؛ وإسناده صحيح.
وأخرج أحمد (1) من حديث أنس: أن رجلا قال لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] : إذا أديت الزكاة إلى رسولك؛ فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال: " نعم، إذا أديتها إلى رسولي؛ فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها ".
وأخرج البيهقي من حديث أبي هريرة: إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك، فإن اعتدى عليك؛ فوله ظهرك ولا تلعنه وقل: اللهم {إني أحتسب عندك ما أخذ مني.
وقد ذهب إلى ما دلت عليه هذه الأدلة الجمهور، وأن الدفع إلى السلطان أو بأمره يجزي المالك، وإن صرفها في غير مصرفها، سواء كان عادلاً أو جائراً.
أقول: لا ريب أن مجموع الأدلة يقتضي أن أمر الزكاة إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] ؛ فإن قوله - تعالى -: {خذ من أموالهم} خطاب له، إن سُلم أنه في صدقة الفرض، وقد تقدم ما فيه.
وأنص من الآية على المطلوب حديث: " أمرت أن آخذها من أغنيائكم "، وأحاديث بعثه [صلى الله عليه وسلم] للسعاة، وأمره لهم بأخذ الصدقات.
(1)(3 / 136) ، والحاكم (2 / 360 - 361) - وصححه على شرط الشيخين، ووافق الذهبي -.
وفي سعيد بن أبي هلال كلام؛ في ضبطه، وفي سماعه من أنس}
ومن ذلك الأدلة الواردة في الاعتداد بما أخذه سلاطين الجور، فإنها متضمنة لوجوب الدفع إليهم، والاجتزاء بما دفع إليهم:
ومن ذلك حديث: " من أعطاها مؤتجرا فله أجره، ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله "(1) .
ومنها الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب طاعة أولي الأمر.
ولكن لا يخفى أن مجموع هذه الأدلة وإن أفاد أن للأئمة والسلاطين المطالبة بالزكاة وقبضها، ووجوب الدفع إليهم عند طلبهم لها؛ فليس فيها ما يدل على أن رب المال إذا صرفها في مصرفها قبل أن يطالبه الإمام بتسليمها لا تجزئه، ولا يجوز له ذلك؛ لأن الوجوب على أرباب الأموال، والوعيد الشديد لهم، والترغيب تارة والترهيب أخرى، لمن عليه الزكاة إذا لم يخرجها، يستفاد من مجموعه أن لهم ولاية الصرف.
أما مع عدم الإمام: فظاهر.
وأما مع وجوده من غير طلب منه: فكذلك أيضا، ويؤيد ذلك حديث:" أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله "؛ فإنه [صلى الله عليه وسلم] أجاب بذلك على من قال له: إن خالداً منع من تسليم الزكاة.
وأما مع المطالبة من الإمام؛ فالظاهر أنه لا يجوز لرب المال الصرف؛ لأنه عصيان لمن أمر الله بطاعته، ولكن؛ هل يجزئه ذلك أم لا؟
(1) صحيح؛ " المشكاة "(64) .
الظاهر الإجزاء؛ لأنه لا ملازمة بين كونه عاصيا لأمر الإمام، وبين عدم الإجزاء، ومن زعم ذلك طولب بالدليل.
فإن قيل: الدليل ما تقدم من قوله [صلى الله عليه وسلم] : "
…
ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله ": فيقال: الحديث - على ما فيه من المقال - لا يصلح للاستدلال به على هذا؛ لأن المراد أنه منع الزكاة؛ ولم يسلمها إلى الإمام، ولا صرفها في مصارفها، كما هو مدلول المنع الواقع على ضمير الزكاة في الحديث، كما في أحاديث الوعيد لمانع الزكاة، فإن المراد به المانع لها عن الإخراج مطلقاً.
ومما يؤيد ثبوت الولاية لرب المال قوله - تعالى -: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} ؛ ففي هذه الآية أعظم متمسك وأوضح مستند، ومن زعم أنها في صدقة النفل بدليل السياق؛ فلم يصب؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر في الأصول.
نعم؛ تطبيق الأدلة الواردة منه [صلى الله عليه وسلم] على من بعده من الأئمة والسلاطين حتى يكون لهم مثل الذي له في أمر الزكاة؛ يحتاج إلى فضل نظر، ولا يقنع الناظر بمجرد الإجماع السكوتي الواقع من الناس بعد عصره [صلى الله عليه وسلم] .
وأما قتال الصحابة لمانعي الزكاة؛ فلكونهم ارتدوا بذلك، وصمموا على منع إخراجها، وقد أمر [صلى الله عليه وسلم] أمته بقتال الناس حتى يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويفعلوا سائر أركان الإسلام.
وأعظم ما يُستأنس به ما ورد في طاعة السلاطين؛ وإن ظلموا، وأن
دفعها إليهم من الطاعة لهم؛ كما في حديث ابن مسعود، أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:" إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها "، قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: " تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم "، أخرجه الشيخان وغيرهما.
وعن وائل بن حُجر، قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ورجل يسأله، فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ قال: " اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم "، أخرجه مسلم وغيره.
وفي الباب أحاديث كثيرة، وهي تفيد وجوب طاعتهم فيما طلبوا إذا كان في معروف غير معصية، وطلبهم للزكاة من المعروف إذا كانوا يجعلونها في أمر غير معصية الله، والأمر بالطاعة فرع ثبوت الولاية، وثبوتها يستلزم الإجزاء، وقد ذهب إلى هذا الجمهور من الصحابة فمن بعدهم.
ويؤيد ذلك حديث جابر بن عتيك عند أبي داود مرفوعاً بلفظ " سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون؛ فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم ".
وأخرج الطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا: " ادفعوا إليهم؛ ما صلوا الخمس ".
ويغني عن جميع هذا؛ التكليف بطاعة سلاطين الجور ما أقاموا الصلاة، وفي بعض الأحاديث الأمر بالطاعة للظلمة ما لم يظهروا كفرا؛ فمن طلب الزكاة منهم؛ لم تتم الطاعة له التي كلفنا الله بها إلا بالدفع إليه، والله أعدل
أن يجمع على رب المال في ماله زكاتين: زكاة للظالم المأمور بطاعته، وزكاة أخرى تصرف إلى غيره.