الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طاعة، ومن سفره في معصية، لا سيما القصر؛ لأن صلاة المسافر شرعها الله كذلك، فكما أن الله شرع للمقيم صلاة التمام - من غير فرق بين من كان مطيعا ومن كان عاصيا بلا خلاف -: كذلك شرع للمسافر ركعتين من غير فرق.
وأدلة القصر متناولة للعاصي تناولا زائدا على تناول أدلة الإفطار له؛ لأن القصر عزيمة، وهي لم تشرع للمطيع دون العاصي، بل مشروعة لهما جميعا، بخلاف الإفطار؛ فإنه رخصة للمسافر، والرخصة تكون لهذا دون هذا في الأصل، وإن كانت هنا عامة، وإنما المراد بطلان القياس، والركعتان في السفر تمام غير قصر.
ومعناه عند الحنفية: أنه لا يكون فرض المسافر غير ركعتين، وإن صلى أربعا ولم يقعد للتشهد بطلت صلاته، وإن قعد أتمها أربعا والأخريان نفل.
وعند الشافعية: أن المسافر إذا قصر في السفر؛ فليس عليه ما تركه إذا صار مقيما بخلاف الصوم، فإنه يعيد ما أفطر إذا صار مقيما.
(
[وجوب القصر لمن خرج من بلده قاصدا للسفر دون بريد] :)
وإيجاب القصر (على من خرج من بلده قاصدا للسفر وإن كان دون بريد)(1) وجهه أن الله - تعالى - قال: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
(1) • قال في " النهاية ": و " البريد ": كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل، وأصلها:" بريده دم " أي: محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، كالعلامة لها، فأعربت، وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدا، والمسافة التي بين السكتين " بريدا "، والسكة؛ موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت، أو قبة، أو رباط، وكان يرتب في كل سكة بغال، وبعد ما بين السكتين فرسخان - وقيل: أربعة - ".
والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع ".
وفي " المنجد ": أن الفرسخ ثمانية كيلو مترات تقريبا. (ن)
جناح أن تقصروا من الصلاة} ، والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب، لكنه خرج الضرب - أي: المشي - لغير السفر؛ لما كان يقع منه [صلى الله عليه وسلم] من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه، ولا يقصر.
ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء، فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وشرعا، ومن خرج من بلده قاصدا إلى محل يعد في مسيره إليه مسافرا: قصر الصلاة، وإن كان ذلك المحل دون البريد.
ولم يأت من اعتبر البريد، واليوم، واليومين، والثلاثة، وما زاد على ذلك بحجة نيرة، وغاية ما جاءوا به حديث:" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم "، وفي رواية:" يوما وليلة "، وفي رواية:" بريدا "(1) ، وليس في هذا الحديث ذكر القصر، ولا هو في سياقه، والاحتجاج به مجرد تخمين (2) .
وأحسن ما ورد في التقدير: ما رواه شعبة، عن يحيى بن يزيد الهنائي، قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو ثلاثة فراسخ -: صلى ركعتين - والشك من شعبة -. أخرجه مسلم وغيره.
فإن قلت: محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون
(1) هي عند أبي داود، ولكنها شاذة؛ فانظر " ضعيف سنن أبي داود "(379) .
(2)
• ولذلك قال ابن التركماني في " الجوهر النقي "(3 / 138) - وهو حنفي المذهب -: " ففي الاستدلال بهذا الحديث نظر، والذي استدل به أهل المذهب هو قوله عليه السلام: " يمسح المسافر ثلاثة أيام "؛ سيق لبيان الرخصة للمسافر، فيعم جميع المسافرين، فلو ثبت السفر في أقل من ثلاثة أيام؛ لم يعم الرخصة للجميع ". (ن)
محرم: هو كونه [صلى الله عليه وسلم] سمى ذلك سفرا.
قلت: تسميته سفرا لا تنافي تسمية ما دونه سفرا، فقد سمى النبي [صلى الله عليه وسلم] مسافة الثلاث سفرا، كما سمى مسافة البريد سفرا في ذلك الحديث؛ باعتبار اختلاف الرواية، وتسمية البريد سفرا لا ينافي تسمية ما دونه سفرا.
فإن قلت: أخرج الدارقطني، والبيهقي، والطبراني من حديث ابن عباس أنه [صلى الله عليه وسلم] قال:" يا أهل مكة! لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان "(1) .
قلت: هو ضعيف لا تقوم به الحجة؛ فإن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر؛ وهو متروك.
(2)
قال الماتن: وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي.
وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام.
وفي " العالمكيرية ": الصحيح أنه لا يشترط سير كل اليوم إلى الليل، فلو بكر في كل يوم ومشى إلى الزوال ثم نزل؛ يصير مسافرا.
وقال الشافعي: أربعة برد.
وقال مالك: وذلك أحب ما سمعت يقصر فيه الصلاة إلي، وتفسيرها ستة عشر فرسخا.
(1) بضم العين وإسكان السين المهملتين: على مرحلتين من مكة. (ش)
(2)
وقد كذبه الثوري. (ش)
ويتجه على هذا أن قولهما متقاربان.
قال الأوزاعي: عامة الفقهاء يقولون: مسيرة يوم تام، وإنما يحل القصر إذا خرج من بيوت القرية.
قال العلماء: إذا جاوز عمران المصر: قصر.
أقول: مسألة أقل السفر قد اضطربت فيها الأقوال، وطال فيها النزاع، وتشعبت فيها المذاهب، وليس في ذلك شيء يستند إليه؛ إلا مجرد قول الرواة: قصر رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- في كذا؛ من دون بيان لمقدار يرجع إليه.
وأصرح ما في ذلك؛ ما قاله بعض الرواة: أنه -[صلى الله عليه وسلم]- كان يقصر إذا سافر ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ؛ هكذا على الشك! مع أنه لم يبين مقدار المسافة التي هي انتهاء سفره، وغاية ما وقع التعويل عليه أحاديث: " لا يحل لامرأة
…
" كما تقدم، والمعمول عليه ههنا رواية البريد؛ لأن ما فوقها يعتبر فيه ذلك بفحوى الخطاب.
لكن؛ لا ملازمة بين اعتبار المحرم للمرأة وبين وجوب القصر على غيرها من المسافرين؛ لأن علة مشروعية المحرم غير علة مشروعية القصر، فلم يبق في المسألة ما يصلح للاستناد إليه، فوجب الرجوع إلى ما يصدق عليه مسمى الضرب في الأرض على وجه يخالف ما يفعله المقيم من ذلك، وهو يصدق على من أراد سفرا زائدا على الميل، لا ما كان ميلا فما دون، فقد يتردد المقيم في الجوانب المقاربة لبلد إقامته، وقد كان -[صلى الله عليه وسلم]- يخرج