الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4 -
باب الوضوء)
(الفصل الأول: فرائض الوضوء] )
(
[متى فُرض الوضوء
؟] :)
فُرض مع الصلاة قبل الهجرة بسنة، وهو من خصائص هذه الأمة بالنسبة لبقية الأمم، لا لأنبيائهم.
(1 -
[التسمية إذا ذكر] :)
(يجب على كل مكلَّف) : لمن أراد الصلاة وهو مُحْدِث أو جنب (أن يسمي) ؛ وجه وجوب التسمية ما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي [صلى الله عليه وسلم]، أنه قال:" لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "؛ أخرجه أحمد - رحمه الله تعالى -؛ وأبو داود - رحمه الله تعالى -؛ وابن ماجه - رحمه الله تعالى -، والترمذي - رحمه الله تعالى -، في " العلل "، والدارقطني - رحمه الله تعالى -، وابن السكن - رحمه الله تعالى -، والحاكم - رحمه الله تعالى -، والبيهقي - رحمه الله تعالى -، وليس في إسناده ما يُسقطه عن درجة الاعتبار.
وله طرق أخرى (1) من حديثه عند الدارقطني - رحمه الله تعالى -
(1) جمعها أخونا الفاضل الشيخ أبو إسحاق الحُويني في جزء مفرد عنوانه: " كشف المخبوء بثبوت التسمية عند الوضوء "، وهو مطبوع.
والبيهقي رحمه الله.
وأخرج نحوه أحمد - رحمه الله تعالى -، وابن ماجه - رحمه الله تعالى - من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، ومن حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
وأخرج آخرون نحوه من حديث عائشة رضي الله عنها، وسهل بن سعد رضي الله عنه وأبي سبرة رضي الله عنه، وأم سبرة رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه، وأنس رضي الله عنه.
ولا شك ولا ريب أنها جميعاً تنتهض للاحتجاج؛ بها، بل مجرد الحديث الأول ينتهض للاحتجاج لأنه حسن، فكيف إذا اعتضد بهذه الأحاديث الواردة في معناه؟ {
ولا حاجة للتطويل في تخريجها فالكلام عليها معروف، وقد صرح الحديث بنفي وضوء من لم يذكر اسم الله، وذلك يفيد الشرطية التي يستلزم عدمها العدم، فضلاً عن الوجوب؛ فإنه أقل ما يستفاد منه (1) .
(1) الحديث الأول ضعيف؛ لأنه من رواية يعقوب بن سلمة الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة
قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة.
ووقع الإسناد للحاكم في " المستدرك ": " يعقوب بن أبي سلمة "} وزعم أنه الماجشون؛ فصححه لذلك، وتعقبه الذهبي وغيره بأنه خطأ، والصواب:" يعقوب بن سلمة الليثي "! ولو سُلّم أنه الماجشون؛ فإن أباه أبا سلمة - واسمه دينار - مجهول الحال، وعلى كل فالحديث ضعيف.
وباقي الأحاديث التي ذكرها الشارح لا تصلح للاحتجاج؛ لأنها ضعيفة جداً، ولذلك قال أحمد ابن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد.
وليس لمن قال بموجب التسمية في الوضوء - على أنها شرط فيه - دليل صحيح، والحق أنها سنة. (ش) .
قلت: ومناقشة هذا الكلام تراها في جزء " كشف المخبوء
…
" الذي ذكرته آنفاً.
(إذا ذكر) : تقييد الوجوب بالذِّكر؛ للجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث: " من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهوراً لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهوراً لأعضاء وضوئه "(1) ؛ أخرجه الدارقطني - رحمه الله تعالى -، والبيهقي رحمه الله من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده متروك.
ورواه الدارقطني - رحمه الله تعالى -، والبيهقي - رحمه الله تعالى - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفي إسناده - أيضا - متروك.
ورواه أيضا الدارقطني - رحمه الله تعالى -، والبيهقي - رحمه الله تعالى - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه ضعيفان.
وهذه الأحاديث لا تنتهض للاستدلال بها، وليس فيها أيضا دلالة على المطلوب من أن الوجوب ليس إلا على الذِّكر، ولكنه يدل على ذلك أحاديث عدم المؤاخذة على السهو والنسيان، وما يفيد ذلك من الكتاب العزيز، فقد اندرجت تلك الأحاديث الضعيفة تحت هذه الأدلة الكلية، ولا يلزم مثل ذلك في الأعضاء القطعية، وبعد هذا كله: ففي التقييد بالذكر إشكال.
قال في " الحجة البالغة ": قوله [صلى الله عليه وسلم] : " لا وضوء لمن لا يذكر الله " هذا الحديث لم يُجمع أهل المعرفة بالحديث على تصحيحه، وعلى تقدير صحته؛ فهو من المواضع التي اختلف فيها طريق التلقي من النبي [صلى الله عليه وسلم] فقد استمر المسلمون يحكون وضوء النبي [صلى الله عليه وسلم] ،
(1) انظر تعليق شيخنا على " المشكاة "(428) .
ويعلّمون الناس ولا يذكرون التسمية، حتى ظهر زمان أهل الحديث (1) ، وهو نص على أن التسمية ركن أو شرط، ويمكن أن يجمع بين الوجهين بأن المراد هو التذكر بالقلب (2) ؛ فإن العبادات لا تقبل إلا بالنية، وحينئذ يكون صيغة:" لا وضوء " على ظاهرها.
نعم؛ التسمية أدب كسائر الآداب - لقوله [صلى الله عليه وسلم]-: " كل أمر ذي بال لم يبدأ باسم الله فهو أبتر "(3) ، وقياساً على مواضع كثيرة.
ويحتمل أن يكون المعنى: لا يكمل الوضوء، لكن لا أرتضي مثل هذا التأويل؛ فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ. انتهى.
وأقول: قد تقرر أن النفي في مثل قوله: " لا وضوء
…
" يتوجه إلى الذات إن أمكن، فإن لم يمكن؛ توجه إلى الأقرب إليها - وهو نفي الصحة -؛ فإنه أقرب المجازيْن، لا إلى الأبعد - وهو نفي الكمال -، وإذا توجه إلى الذات - أي: لا ذات وضوء شرعية، أو إلى الصحة -: دل على وجوب التسمية؛ لأن انتفاء التسمية قد استلزم انتفاء الذات الشرعية، أو انتفاء صحتها؛ فكان تحصيل ما يُحصِّل الذات الشرعية، أو صحتها واجباً، ولا يتوجه إلى نفي الكمال إلا لقرينة؛ لأن الواجب الحمل على الحقيقة، ثم على أقرب المجازات إليها إن تعذر الحمل على الذات، ثم لا يحمل على أبعد المجازات إلا لقرينة.
يمكن أن يقال: إن القرينة - ههنا - المسوِّغة لحمل النفي على المجاز الأبعد
(1) ونِعْم الزمان هو!
(2)
أما هذا: فلا.
(3)
وهو حديث ضعيف من سائر طرقه؛ فانظر " الإرواء "(1) و (2) .