الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة في غيرها.
فالواجب حمل الإضافة في الآية الكريمة على العهد؛ لما تقرر في علم الأصول والنحو والبيان: أن الإضافة تنقسم إلى الأقسام التي تنقسم إليها اللام، ومن جملة أقسام اللام: العهد، بل قال المحقق الرضي: إنه الأصل في اللام.
إذا تقرر هذا: فالجواهر، واللآليء، والدر، والياقوت، والزمرد، والعقيق، واليسر، وسائر ما له نفاسة وارتفاع قيمة: لا وجه لإيجاب الزكاة فيه، والتعليل للوجوب بمجرد النفاسة؛ ليس عليه أثارة من علم {ولو كان ذلك صحيحا؛ لكان في المصنوعات من الحديد - كالسيوف والبنادق ونحوها -، ما هو أنفس وأعلى ثمنا، ويلحق بذلك الصين، والبلور، واليشم، وما يتعسر الإحاطة به من الأشياء التي فيها نفاسة، وللناس إليها رغبة.
فما أحسن الإنصاف والوقوف على الحد الذي رسمه الشارع، وإراحة الناس من هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان}
على أن الآية التي أوقعت كثيرا من الناس في إيجاب الزكاة فيما لم يوجبه الله - وهي {خذ من أموالهم} - قد ذكر أئمة التفسير؛ أنها في صدقة النفل، وليست في صدقة الفرض التي نحن بصددها.
(
[حكم الزكاة في أموال التجارة] :)
(وأموال التجارة) لما قدمنا من عدم قيام دليل يدل على ذلك، وقد كانت التجارة في عصره -[صلى الله عليه وسلم]- قائمة في أنواع مما يتجر
به، ولم ينقل عنه ما يفيد ذلك.
وأما ما أخرجه أبو داود، والدارقطني، والبزار من حديث جابر بن سمرة قال: كان رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- يأمرنا بأن نخرج الزكاة فيما نعد ": فقال ابن حجر في " التلخيص ": إن في إسناده جهالة.
وأما ما رواه الحاكم، والدارقطني عن عمران - مرفوعاً - بلفظ:" في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته " - بالزاي المعجمة (1) - فقد ضعف الحافظ في " الفتح " جميع طرقه، وقال في واحدة منها: هذا إسناد لا بأس به.
ولا يخفاك أن مثل هذا لا تقوم به الحجة لا سيما في التكاليف التي تعم بها البلوى.
على أنه قد قال ابن دقيق العيد: إن الذي رآه في " المستدرك " في هذا الحديث: " البر " - بضم الباء الموحدة وبالراء المهملة -، قال: والدارقطني رواه بالزاي، لكن من طريق ضعيفة، وهذا مما يوجب الاحتمال، فلا يتم الاستدلال، فلو فرضنا أن الحاكم قد صحح إسناد هذا الحديث - كما قال المحلي في " شرح المنهاج " -؛ لكان مجرد الاحتمال مسقطا للاستدلال، فكيف إذا قد عورض ذلك التصحيح بتضعيف الحفاظ لما صححه الحاكم؛ مع تأخر عصرهم عنه واستدراكهم عليه؟ !
(1) انظر - لمزيد من التحقيق - " تمام المنة "(ص 363) ، و " السلسلة الضعيفة "(1178) .
ويؤيد عدم الوجوب: ما ثبت عنه -[صلى الله عليه وسلم]- في " الصحيح " من حديث أبي هريرة: " ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه "؛ وظاهر ذلك عدم وجوب الزكاة في جميع الأحوال.
وقد نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة، وهذا النقل ليس بصحيح، فأول من يخالف في ذلك الظاهرية، وهم فرقة من فرق الإسلام.
أقول: وأما الاستدلال بقوله -[صلى الله عليه وسلم]-: " وأما خالد؛ فقد حبس أدراعه وأعتده (1) في سبيل الله ": فلا تقوم به الحجة؛ إلا إذا كانت المطالبة له بزكاة ذلك الذي حبسه مع كونه للتجارة، فعرّفهم النبي -[صلى الله عليه وسلم]- أنها قد صارت محبسة، وأنه لا زكاة فيها بعد التحبيس، وليس الأمر كذلك، بل الظاهر أنهم لما أخبروا النبي -[صلى الله عليه وسلم]- بأن خالدا امتنع من الزكاة رد عليهم بذلك.
والمراد: أن من بلغ في التقرب إلى الله إلى هذا الحد - وهو تحبيس أدراعه وأعتده -؛ يبعد كل البعد أن يمتنع من تأدية ما أوجبه الله عليه من الزكاة، مع كونه قد تقرب بما لا يجب عليه، فلا يكون في ذلك دليل على وجوب زكاة التجارة.
وأما الاستدلال بقول عمر (2) ؛ فهو (3) ممن لا يقول بحجية قول
(1) العتاد - بفتح العين والتاء وبعدها ألف -: آلة الحرب من السلاح والدواب وغيرها؛ جمعه: أعتد - بضم التاء، ويجوز كسرها -. (ش)
(2)
انظره في " الإرواء "(828) - مضعفا -.
(3)
أي: ابن حزم، والظاهرية.