الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج؛ فالمراد بتجزئة الصدقة تجزئة مصارفها، كما هو ظاهر الآية التي قصدها -[صلى الله عليه وسلم]-، ولو كان المراد تجزئة الصدقة نفسها، وأن كل جزء لا يجوز صرفه في غير الصنف المقابل له؛ لما جاز صرف نصيب ما هو معدوم من الأصناف إلى غيره، وهو خلاف الإجماع من المسلمين.
وأيضا؛ لو سلم ذلك؛ لكان باعتبار مجموع الصدقات التي تجتمع عند الإمام، لا باعتبار صدقة كل فرد، فلم يبق ما يدل على وجوب التقسيط؛ بل يجوز إعطاء بعض المستحقين بعض الصدقات وإعطاء بعضهم بعضا آخر.
نعم؛ إذا جمع الإمام جميع صدقات أهل قطر من الأقطار، وحضر عنده جميع الأصناف الثمانية؛ كان لكل صنف حق في مطالبته بما فرضه الله، وليس عليه تقسيط ذلك بينهم بالسوية، ولا تعميمهم بالعطاء؛ بل له أن يعطي بعض الأصناف أكثر من البعض الآخر، وله أن يعطي بعضهم دون بعض، إذا رأى في ذلك صلاحا عائدا على الإسلام وأهله.
مثلا: إذا جمعت لديه الصدقات وحضر الجهاد، وحقت المدافعة عن حوزة الإسلام من الكفار أو البغاة؛ فإن له إيثار صنف المجاهدين بالصرف إليهم، وإن استغرق جميع الحاصل من الصدقات، وهكذا إذا اقتضت المصلحة إيثار غير المجاهدين.
(
[تحرم الزكاة على بني هاشم ومواليهم] :)
(وتحرم على بني هاشم) ، وبنو عبد المطلب مثلهم.
أقول: الأحاديث القاضية بتحريم ذلك عليهم قد تواترت تواترا معنويا،
ولم يأت من خادع نفسه بتسويغها بشيء ينبغي الالتفات إليه، بل مجرد هذيان هو عن الحق بمعزل، واحتج لعدم التحريم بحديث:" إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم "، قال: فإذا منعوا ذلك حلت لهم الزكاة، وفي إسناده حسين بن قيس الرحبي؛ الملقب بحنش (1) .
قال الهيثمي: وفيه كلام كثير، وقد وثقه أبو محصن (2) .
وقال في " خلاصة البدر المنير ": ضعفوه.
وليس في هذا - مع كونه أشف ما جاء به هو وغيره ممن ترخص في هذا الأمر - ما يدل على الحل؛ لأنهم إذا منعوا ما يحل لهم؛ لم يحل لهم ما حرم عليهم، فما وزان هذا إلا وزان قول القائل: لا يحل الزنا؛ لأن في النكاح ما يغني عنه {فهل يقول من له أدنى تمسك بالعلم: إنه إذا لم يقدر على النكاح حل له الزنا؟}
وأما التعليل للتحريم بالتهمة له -[صلى الله عليه وسلم]-، وقد زالت بموته، فحلت لقرابته، كما رواه عن أبي حنيفة رحمه الله: فمجرد تخمين لا مستند له، وتخيل لا مرشد إليه، ولو كان الأمر كذلك؛ لكانت التهمة في الخمس وصفي الغنيمة أدخل وأشد؛ والله المستعان.
(ومواليهم) : لحديث أبي هريرة مرفوعا وفيه: " إنا لا نأكل الصدقة "، وفي
(1) قال النسائي: ليس بثقة. (ش)
قلت: انظر " مجمع الزوائد "(3 / 91) ، و " خلاصة البدر المنير "(1847) ، و " المعجم الكبير "(11543) .
(2)
هو الراوي عنه في بعض رواياته!
وانظر " تهذيب الكمال "(6 / 467) .
لفظ: " إنا لا تحل لنا الصدقة "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما.
وفي حديث أبي رافع: " إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم "، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - وصححه -، وابن حبان، وابن خزيمة - وصححاه أيضا -.
وفي رواية لأحمد (1)، والطحاوي من حديث الحسن بن علي:" لا تحل لآل محمد الصدقة ".
وفي حديث المطلب بن ربيعة، أنه [صلى الله عليه وسلم] قال:" إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس "؛ وهو في " صحيح مسلم ".
وفي الباب أحاديث.
قال في " الحجة البالغة ": " إنما كانت أوساخا؛ لأنها تكفر الخطايا، وتدفع البلايا، وتقع فداء عن العبد في ذلك، فيتمثل في مدارك الملأ الأعلى أنها هي، فتدرك بعض النفوس العالية أن فيها ظلمة، وقد يشاهد أهل المكاشفة (2) تلك الظلمة، وكان سيدي الوالد - قدس سره - يحكي ذلك من نفسه (2) .
وأيضا؛ المال الذي يأخذه الإنسان من غير مبادلة عين أو نفع، ولا يراد به احترام وجهه؛ فيه ذلة ومهانة، ويكون لصاحب المال عليه فضل ومنة؛ وهو قوله [صلى الله عليه وسلم] :" اليد العليا خير من اليد السفلى "؛ فلا جرم أن التكسب بهذا النوع شر وجوه المكاسب، لا يليق بالمطهرين المنوه بهم في الملة ". اهـ.
(1) رواه أحمد (1 / 200) بسند صحيح.
(2)
هذا نفس تصوف لا دليل عليه {}