الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[سنن الصلاة] :)
(وما عدا ذلك فسنن) : لأنه لم يرد فيها ما يفيد وجوبها من أمر بالفعل، أو نهي عن الترك، غير مصروفين عن المعنى الحقيقي، أو وعيد شديد يفيد الوجوب، ولا ذكر شيء منها في حديث المسيء؛ إلا على وجه لا تقوم به الحجة، أو تقوم به، وقد ورد ما يفيد أنه غير واجب.
والحاصل: أن مرجع واجبات الصلاة كلها هو حديث المسيء، فما ذكره [صلى الله عليه وسلم] فيه كان واجبا، وما لم يذكره فليس بواجب، لكن قد تشعبت روايات حديث المسيء، وثبت في بعضها ما لم يثبت في البعض الآخر، فعلى من أراد تحقيق الحق؛ أن يجمع طرقه الصحيحة (1) ، ويحكم بوجوب ما اشتملت عليه، أو شرطيته، أو ركنيته؛ بحسب ما يقتضيه الدليل، وما خرج عنه خرج عن ذلك.
وقد جمع ما صح من طرقه شيخنا الحافظ الرباني العلامة الشوكاني في " شرح المنتقى " في موضع واحد منه؛ فمن رام ذلك فليرجع إليه (2) .
(
[الرفع في المواضع الأربعة] :)
(وهي الرفع في المواضع الأربعة) ؛ أي: عند تكبيرة الإحرام، وعند
(1) وقد جمع طرقه أخونا الفاضل الشيخ محمد عمر بازمول - حفظه الله - في جزء مفرد.
(2)
ثم ما يؤمننا أن تكون هناك روايات فيه لم نطلع عليها، فقدت فيما فقد من كتب العلم، أو نسيها الرواة فلم يذكروها.
والحق ما قلناه: أنه لا عبرة بالحصر الذي فيه؛ لأجل هذا الاحتمال، فإن صح الدليل على شيء آخر؛ وجب الأخذ به. (ش)
الركوع، وعند الاعتدال من الركوع، هذه الثلاثة المواضع في كل ركعة، والموضع الرابع عند القيام إلى الركعة الثالثة، فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
أما عند التكبير فقد روي ذلك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] نحو خمسين رجلا من الصحابة، منهم العشرة المبشرة بالجنة، ورواه كثير من الأئمة عن جميع الصحابة من غير استثناء.
وقال الشافعي: روى الرفع جمع من الصحابة، لعله لم يرد قط حديث بعدد أكثر منهم.
وقال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يرفع يديه.
وقال البخاري في " جزء رفع اليدين ": روى الرفع تسعة عشر نفسا من الصحابة.
وسرد البيهقي في " السنن " وفي " الخلافيات " أسماء من روى الرفع؛ نحوا من ثلاثين صحابيا.
وقال الحسن، وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- يرفعون أيديهم، ولم يستثن أحدا منهم. كذا في " التلخيص ".
وقال النووي في " شرح مسلم ": إنها أجمعت على ذلك عند تكبيرة
الإحرام، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك، وقد ذهب إلى وجوبه داود الظاهري، وأبو الحسن أحمد بن سيار، والنيسابوري، والأوزاعي، والحميدي، وابن خزيمة (1) .
وأما الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه: فقد رواه زيادة على عشرين رجلا من الصحابة، عن النبي [صلى الله عليه وسلم] .
وقال محمد بن نصر المروزي: إنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة.
وأما الرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة: فهو ثابت في " الصحيح " من حديث ابن عمر، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والترمذي - وصححه -، وصححه أيضا أحمد بن حنبل من حديث علي بن أبي طالب، عن النبي -[صلى الله عليه وسلم]-.
وفي " حجة الله البالغة ": فإذا أراد أن يركع رفع يديه حذو منكبيه، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود، وهو من الهيئات التي فعلها النبي [صلى الله عليه وسلم] مرة وتركها أخرى، والكل سنة، وأخذ بكل واحد جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وهذا أحد المواضع التي اختلف فيها الفريقان: أهل المدينة، وأهل الكوفة، ولكل واحد أصل أصيل، والحق عندي في مثل ذلك أن الكل سنة،
(1) وهو ظاهر كلام الشافعي في " الأم " في كتاب " اختلاف مالك والشافعي ".
وسيذكره الشارح نقلا عن ابن الجوزي في آخر المسألة. (ش)
ونظيره الوتر بركعة واحدة، أو بثلاث، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع؛ فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت، غير أنه لا ينبغي لإنسان في مثل هذه الصور، أن يثير على نفسه فتنة عوام بلده، وهو قوله -[صلى الله عليه وسلم]-:" لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة "؛ ولا يبعد أن يكون ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - ظن أن السنة المتقررة آخرا هو تركه لما تلقن من أن مبنى الصلاة على سكون الأطراف، ولم يظهر له أن الرفع فعل تعظيمي، ولذلك ابتدىء به في الصلاة، أو لما تلقن من أنه فعل ينبيء عن الترك، فلا يناسب كونه في أثناء الصلاة، ولم يظهر له أن تجديد التنبيه لترك ما سوى الله - تعالى - عند كل فعل أصلي من الصلاة مطلوب. والله - تعالى - أعلم.
قوله: لا يفعل ذلك في السجود؛ أقول: القومة شرعت فارقة بين الركوع والسجود، فالرفع معها رفع للسجود، فلا معنى للتكرار. انتهى بحروفه.
وفي " التكميل " للشيخ رفيع الدين الدهلوي - ولد صاحب " الحجة البالغة " -: اختلفوا في سنية رفع اليدين في الصلاة بعد التحريمة (1) ، مع اتفاقهم على أنه لم يصح فيه أمر باستحباب، ولا بيان فضيلة، ولا نهي الصحابة عنه قط، وعلى أنه ثبت عنه [صلى الله عليه وسلم] فعله مدة، إلا أنه زاد ابن مسعود، فقال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ ! فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، وظاهر أنه لم يرد تركه أبدا، وإنما أراد تركه آخرا، كما يشعر به بعض ما ينقل عنه أن آخر الأمرين ترك الرفع، ولا يدرى مدة الترك، فيحتمل أنه تركه في أيام المرض للضعف، فظن قوم أن سنيته كانت بمجرد الفعل، فبطلت
(1) أي: تكبيرة الإحرام.
بالترك، وقوم أن الترك بعذر، وبغير نهي لا ينفي السنية كترك القيام للفرض بالعذر؛ فهي - إذا - باقية، فلا مناقشة للمجتهدين في أصل سنيته في الجملة ولا في بقاء جوازه، وإن منعه بعض المتعصبة؛ إذ ليس مما يخالف أفعال الصلاة؛ لبقائه في التحريمة والقنوت والعيدين، فلا نكير على فاعله لأحد، بل في بقاء سنيته بناء على الظن، فلا نزاع إلا في المواظبة والرجحان، وحيث واظب عليه جمع بلغوا حد الاستفاضة فوق الشهرة، ولم يتعرض [صلى الله عليه وسلم] لفعلهم كما تعرض لرفع اليد في السلام؛ حيث قال:" ما بال أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ ! "؛ وهو [صلى الله عليه وسلم] كان يرى خلفه كما يرى أمامه، فثبت بقاء سنيته.
وتركه [صلى الله عليه وسلم] أحيانا؛ كما رواه ابن مسعود، والبراء بن عازب، وعدم التعرض لتاركه يقضي بسقوط تأكيده.
ولم يبلغ أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - خبر هذا الجمع، إنما روى له الأوزاعي، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، فرجح عليه أبو حنيفة حمادا، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود: بكثرة الفقه لا بكثرة الحفظ، فكأنه ظن أنه تفطن ابن مسعود للنسخ دون ابن عمر؛ حيث لم يرفع إلا في التحريمة؛ بناء على أن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر، وما يذكر (1) عن الشافعي من عدم الرفع عند قبره مشعر بعدم التأكيد. انتهى.
وفي " تنوير العينين " للشيخ محمد إسماعيل الشهيد الدهلوي - حفيد
(1) • يشير به إلى ضعف هذه الرواية، وقد صرح الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ببطلان ذلك، فلا يركن إليها. (ن)
صاحب " حجة الله البالغة " -: " إن رفع اليدين عند الافتتاح، والركوع، والقيام منه، والقيام إلى الثالثة سنة غير مؤكدة من سنن الهدى، فيثاب فاعله بقدر ما فعل، إن دائما فبحسبه، وإن مرة فبمثله، ولا يلام تاركه وإن تركه مدة عمره.
وأما الطاعن العالم بالحديث - أي: من ثبت عنده الأحاديث المتعلقة بهذه المسالة -: فلا إخاله إلا فيمن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ونريد بسنة الهدى ههنا فعل غير فرض، وغير مختص بالنبي -[صلى الله عليه وسلم]- فعله هو والخلفاء الراشدون - رضي الله تعالى عنهم -، أو أمروا به وأقروا عليه؛ قربة، ولم ينسخ ولم يترك بالإجماع، وبغير المؤكدة: ما فعلوه مرة وتركوه أخرى.
فبقولنا: فعل؛ خرج به عدم الرفع، فإن العدم ليس بفعل، نعم؛ إذا كان العدم مستمرا في زمان النبي -[صلى الله عليه وسلم]- والخلفاء الراشدين - رضي الله تعالى عنهم -، فقطعه يكون بدعة، وليس في مفهوم البدعة إزالة السنة حتى يلزم كون العدم سنة، بل مفهومها فعل لم يفهم في زمنهم.
وبقولنا: غير فرض؛ خرجت الفرائض كلها.
وبقولنا: غير مختص؛ خرجت النوافل المختصة به -[صلى الله عليه وسلم]-؛ كالوصال في الصوم.
وبقولنا: لم ينسخ؛ خرجت السنن المنسوخة؛ كالقيام للجنازة.
وبقولنا: لم يترك بالإجماع؛ خرجت السنن المتروكة به كالرفع بين السجدتين. انتهى.
وفيما لا بد منه أن رفع اليدين عند الإمام الأعظم ليس بسنة، ولكن أكثر الفقهاء والمحدثين يثبتونه. انتهى.
وفي " سفر السعادة ": إن الأخبار والآثار التي رويت في هذا الباب تبلغ إلى أربع مئة. انتهى.
قال شارحه الشيخ عبد الحق الدهلوي: " إن الرفع وعدم الرفع كلاهما سنة ". انتهى.
وقد مر الجواب عنه.
وفي " سفر السعادة " - العربي (1) -: " وقد ثبت رفع اليدين في هذه المواضع الثلاثة، ولكثرة رواته؛ شابه المتواتر، فقد صح في هذا الباب أربع مئة خبر وأثر؛ رواه العشرة المبشرة، ولم يزل على هذه الكيفية حتى رحل عن هذا العالم، ولم يثبت غير هذا. انتهى بعبارته.
ونقل ابن الجوزي في " نزهة الناظر للمقيم والمسافر "، عن المزني، أنه قال: سمعت الشافعي يقول: لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- في رفع اليدين في افتتاح الصلاة، وعند الركوع، والرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله -[صلى الله عليه وسلم]-؛ وهذا صريح في أنه يوجب ذلك ". انتهى.
وبالجملة: فقد ثبت رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة بروايات صحيحة ثابتة، وآثار مرضية راجحة، ومذاهب حقة صادقة عن النبي -
(1) أي: النسخة العربية، لا الأردية!