الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية
أما قوله- سبحانه وتعالى: {ولتكن منكم أمَّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} .
فقال جماعةٌ من أهل التفسير: الأمر متوجه إلى من توجه الخطاب عليهم وهم الأوس والخزرج وأمره- سبحانه- لهم بذلك أمر لجميع الأمة ومن تابعهم إلى يوم القيامة، فهو من الخطاب الخاص الذي يراد به العام.
واللام في قوله (ولتكن) لام الأمر. و (من) - هنا- صلةٌ ليست للتبعيض.
كقوله- تعالى-: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} .
وقال أبو إسحاق الزجاج: (من) هنا- لبيان الجنس فيكون متعلق الأمر- أيضًا- جميع الأمة، يدعون جميع العالم إلى الخير- الكفار إلى الإسلام، والعصاة إلى الطاعة- فظاهر هذا يشعر بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين فيكون معنى الآية: كونوا كلكم أمةً يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقال جماعةٌ: معنى قوله: (أمة) أي أئمة فتكون (من) هنا للتبعيض أي أئمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصلح إلا لمن (علم) المعروف والمنكر وكيف يرتب الأمر في إقامته. وكيف يباشر ذلك الأمر.
(لأن) الجاهل ربما أمر بمنكر ونهي عن المعروف. وقد يغلظ في موضع اللين، أو يلين في موضع التغليظ، فعلى هذا يكون متعلق الأمر ببعض الأئمة وهم الذين يصلحون لذلك وهذا يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية. وهو قول الجمهور كما سيأتي:
قوله: {يدعون إلى الخير} هو عام في جميع التكاليف، فدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره من الطاعات. ثم جيء بالخاص، إعلامًا بفضله وشرفه. فقال:{ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} كقول الله- تعالى-: {وجبريل وميكال} وقوله:
{والصَّلاة الوسطى} وقوله: {فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ} وقوله في الحديث: (كان- صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل وما يشابه ذلك).
وقوله: {ويأمرون بالمعروف} فالأمر ضد النهي. المره منه (أمره) بالفتح، والجمع (أوامر) يقال:(أمور) بكذا على فعول. والنهي خلافه.
يقال: (نهاه)(ينهاه)(نهيًا)(فانتهى) و (تناهى) أي كف. وهو (نهوٌّ) و (النُّهية) الاسم منه. و (تناهوا) أي نهي بعضهم بعضًا.
و(المعروف) طاعة الله قاله أبو سليمان الداراني.
وقال الراغب: المعروف كل ما يستحسنه العقل. وأما المنكر فهو: معصية الله. وقيل: كل ما يستقبحه العقل وينكره. وقبل: المعروف خدمة الحق، والمنكر صحبة النفس. وقيل: المعروف إيثار حق الحق، والمنكر اختيار حظ النفس. وقيل: المعروف ما يزلفك إليه، والمنكر ما حجبك عنه.
وقوله: {وأولئك هم المفلحون} جعل سبحانه- الفلاح منوطًا بذلك يعني المتصفين بما تقدَّم هم الناجون الفائزون فازوا بالجنة ونجوا من النار.
وقيل: الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا. قاله ابن عباس. وقيل: الفلاح بمعنى البقاء أي الباقون في النعيم المقيم المقطوع لهم بالخير في الدنيا والآخرة.
فمن اتصف من الأمة بهذه الصفات دخل معهم في الثناء والمدح لهم.
كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب في حجة حجها رأى من الناس نزغة فقرأ هذه الآية: {كنتم خير أمَّةٍ أخرجت للنَّاس} قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها. رواه محمد بن جرير.
ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله: {كانوا لا يتناهون عن مُّنكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} .