الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر بعده وقبله كلامًا كثيرًا لا يمكن إيراده في هذا المكان وسيأتي الكلام على كراهة بعض الظن في الأمر بالمعروف - في الباب الخامس - إن شاء الله - تعالى.
فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد
الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد. وقال شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني - قدس الله روحه -: والمنكر ينقسم قسمين: أحدهما: ظاهر يعرفه العوام (والخواص) كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وقطع الطريق، والربا، والغصب، وغير ذلك، فهذا القسم يجب إنكاره على العوام كما يجب على الخواص من العلماء. والقسم الثاني: ما لا يعرفه إلاّ الخواص مثل اعتقاد ما يجوز على الباري - سبحانه - وما لا يجوز عليه. فهذا يختص بالعلماء إنكاره فإن أخبر احد من العلماء بذلك واحدًا من العوام جاز له ذلك ووجب على العامي الإنكار عند القدرة ولا يجوز قبل ذلك. انتهى.
…
وقال قوم: كل ما هو في محل الاجتهاد فلا إنكار فيه. وذكر القاضي أبو يعلى وجماعة: (أن الإنكار- فيما يسوغ فيه خلاف من الفروع - على من اجتهد فيه أو قلد مجتهدًا فيه، كذا ذكره القاضي والأصحاب وصرحوا: أنه لا يجوز، ومثلوه بشرب يسير النبيذ غير مسكر - عند الحنفية - وكذلك التزويج بغير ولي عندهم).
ولو تزوج امرأة تعتقد إباحة يسير النبيذ هل له منعها؟ على وجهين لأصحاب الإمام أحمد.
وذكر (العلامة أبو مغنية) أنه لا يملك منع امرأته الكتابية من شرب يسير الخمر على نص أحمد لاعتقادها إباحته، ثم ذكر تخريجًا من أحد الوجهين في لحل الثوم أنه يملك منعها، لكراهة رائحته.
وذكر- أيضًا- في مسألة مفردة أنه لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه، فإنه لا إنكار في المجتهدات.
قال الإمام أحمد في رواية أبي بكر المروذي: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم.
وعنه رواية أخرى: لا ينكر على المجتهد، بل على المقلد.
وقال ابن حمدان- في الرعاية الكبرى: ولا إنكار فيما فيه خلاف شائع من الفروع على من اجتهد فيه أو قلد مجتهدًا فيه. ذكر أبو الفرج ابن الجوزي- في المنكرات- غمس اليد بعد القيام من النوم في الماء اليسير. قال: فإن فعل ذلك مالكي لم ينكر عليه، بل يتلطف به ويقول له:(يمكنك أن لا تؤذيني بتفويت الطهارة علي أو ما في معنى ذلك) انتهى.
وقال سفيان الثوري: إذا كان الرجل يعمل العمل (الذي قد) اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنه.
وذكر أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي - في الأحكام السلطانية (خلافًا بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء أم لا يغير ما كان على مذهب غيره).
قال النووي: والأصح أنه لا يغير.
قال الغزالي: (وليس للحنفي أن ينكر على الشافعي كله الضب والضبع، ولا للشافعي أن ينكر الحنفي شربه النبيذ الذي ليس بمسكر، وتناوله ميراث ذوي الأرحام، وجلوسه في دار أخذها بشفعة الجوار إلى غير ذلك من مجاري الاجتهاد) نعم لو رأى الشافعي شافعيًا يشرب النبيذ، وينكح بلا ولي ويطأ زوجته فهذا محل (النظر). والأظهر أن له الحسبة والإنكار إذ لم يذهب أحد من المحصلين إلى أن المجتهد يجوز له أن يعمل بموجب اجتهاد غيره ولا أن الذي أدى اجتهاده في التقليد إلى شخص رآه أفضل العلماء أن له أن يأخذ بمذهب غيره فينتقي من المذاهب أطيبها عنده بل على كل مقلد اتباع مقلده في كل تفصيل.
فإذا مخالفته للمقلد متفق على كونه منكرًا بين المحصلين وهو عاص بالمخالفة.
(وعن الإمام احمد رواية أخرى. فينكر ما فيه خلاف. قال - في رواية (أبو الحسن) عبد الملك الميموني - في الرجل يمر بالقوم وهم يلعبون بالشطرنج: ينهاهم ويعظهم. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث: سمعت الإمام أحمد رحمه الله سئل عن الرجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهو فأخذ الشطرنج فرمى به؟ فقال: قد أحسن. وقال: في رواية أبي طالب -: فمن يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج. فقال: يقلبها عليهم إلاّ أن يغطوها أو
يستروها. وقال أبو بكر بن أحمد بن محمد المروذي: قلت لأبي عبد الله: دخلت على رجل وكان أبو عبد الله قد بعثني إليه بشيء فأتى بمكحلة رأسها مفضض فقطعها فأعجبه ذلك وتبسم وأنكر على صاحبها.
قال أبو العباس بن تيمية - في كتاب بطلان التحليل -: قولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيها، ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل، أما الأول فإذا كان القول مخالفًا سنة أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهو عامة السلف والفقهاء. وأما العمل إذا كان على خلاف منة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار. وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا (إجماع) وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس.
والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الإجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه يسوغ إذا عدم ذلك الاجتهاد، لتعارض الأدلة المقارنة، أو لخفاء الأدلة فيها، وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف. ثم ذكر بعد ذلك كلامًا كثيرًا، وقال - أيضًا - في مكان أخر-: من أصر على ترك الجماعة ينكر عليه ويقاتل - أيضًا - في أحد القولين عند من استحبها، وأما (من) أوجبها فإنه - عنده - يقاتل ويفسق إذا قام الدليل عنده المبيح للمقاتلة والتفسيق كالبغاة بعد زوال الشبهة. وقال - أيضًا -: يعيد من ترك الطمأنينة. ومن لم يوقت المسح نص عليه، بخلاف متأول لم يتوضأ من لحم الإبل، فإن فيه روايتين، لتعارض الأدلة والآثار فيه.
وذكر النواوي أن المختلف فيه لا إنكار فيه. قال: لكن إن ندبه على جهة النصيجة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق.
وذكره غيره من الشافعية في المسألة وجهين، وذكر مسألة الإنكار على من كشف فخذه وأن فيه وجهين.
وذكر ابن الجوزي: (أنه ينكر على من يسيء صلاته بترك الطمأنينة في الركوع والسجود مع أنها مسائل الخلاف).