الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الزاعوني: رأيت في المنام كأني أمضي إلى قبر الإمام أحمد وإذا به جالس على قبره، وهو شيخ كبير في السن فقال لي يا فلان: قل أنصارنا ومات أصحابنا ثم قال: إذا أردت أن تنصر فإذا دعوت فقل: يا عظيم يا عظيم وادع بما شئت تنصر".
فإذا شرع في إزالة المنكر. قال ما ثبت في الصحيحين، ومسند أحمدن وجامع الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود -0 رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول:(جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا)(جاء الحق ومايبدئ الباطل ومايعيد).
ورواه الحافظ أبو نعيم -في الحلية- من حديث ابن عباس ولفظه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، قد ثبت لهم إبليس أقدامها بالرصاص فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قضيب فجعل يهوي إلى كل صنم منها فيخر لوجهه وهو يقول:(جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا) حتى مر عليها كلها وقد بوب أبو زكريا النووي على ذلك فقال باب ما يقول إذا شرع في إزالة المنكر. وذكر الحديث بالرواية الأولى.
وقوله (يطعنها) بفتح العين المهملة، وقيل بالضم.
وقوله (زهق الباطل) أي هلك.
فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:
ومما يستحب- بعد ذلك- للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر: الصبر والاحتمال مع التخلق بما يلحق ذلك من الأقوال والأفعال (لأن الصبر مقام من مقامات الدين، ومنزلة من منازل السالكين ومتعين على الناهين والآمرين وهو خاص ببني آدم ولا يتصور في الملائكة
والبهائم أما البهائم فلنقصانها وأما الملائكة فلكمالها فيجب الصبر -حينئذ - على ما يصاب به العبد من الأذى في غير الدين، فقد ذكر - سبحانه- الصبر فلي كتابه في نيف وسبعين من المواضع فقال عز من قائل واشرف مسؤول وكامل:{واستعينوا بالصبر والصلاة} وجمع للصابرين بين أجور لم يجمعها لغيرهم بقوله:
{أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} فالهدى والصلوات والرحمة مجموعة للصابرين.
وقال تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة أولئك هم المهتدون} . وقال تعالى {والله يحب الصابرين} وقال تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين {وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئًا إن الله بما يعملون محيط}
يرشدهم - سبحانه- إلى السلامة من شر الأشرار، وكيد الفجار، باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائه.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون}
وعلق -سبحانه- النصر على الصبر فقال تعالى: {بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربك بخمسة ألاف من الملائكة مسومين} .
وقال تعالى مثنياً على الأنبياء لصبرهم على أذى قومهم وتكذيبهم، ثم نصرهم عليهم:
{ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتتهم نصرنا}
وقال تعالى: حاكياً عن موسى: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا}
واثنى -سبحانه- على عبده "داود" حيث لم يجاوز الحد بقوله {إنال وجدناه صابراً نعم العبد}
وقال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
قال العلماء: كفى بالصبر أن الأعمال كلها تضاعف الحسنة بعشرة إلى سبعمائة إلا الصبر، فإن أجره يوفى بغير حساب.
وقال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق فإنا نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون}
وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}
وأمر - سبحانه- نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل تسهيًلا عليه وتثبيتًا له {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}
وأثنى سبحانه على عبده "داود" حيث لم يجاوز الحد بقوله: "إنا وجدناه صابراً نعم العبد".
وقال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
قال العلماء: كفى بالصبر أن الأعمال كلها تضاعف الحسنة بعشرة إلى سبعمائة إلا الصبر، فإن أجره يوفى بغير حساب.
وقال تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون).
وقال تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور).
وأمر سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولوا العزم من الرسل، تسهيلاً عليه وتثبيتاً له (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل).
ثم قال: "وتستعجل لهم" أي لا تستعجل بالدعاء عليهم، وحلول العقاب بهم في الدنيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ضجر بعض الضجر وأحب أن ينزل العذاب على من أبى من قومه فأمره بالصبر كما صبر الأنبياء من قبله {كأنهم يوم يرون مايوعدون
…
} من العذاب {لم يلبثوا} في الدنيا {إلا ساعة من نهار} لأن مكثهم في الدنيا قليل في جنب مكثهم في عذاب الآخرة.
وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} أي ولنختبرنكم. وقرأ أخياركم بالمثناة التحتية حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين عليه.
وأصل الابتلاء الاختبار والامتحان، وابتلاؤه -سبحانه- ليس ليعلم أحوالهم، لأنه عالم بأحوالهم وما ضمرت به قلوبهم وإنما ابتلاهم، ليعلم العباد أحوال بعضهم بعضًا.
وقال تعالى: {واصبر لحكم ربك}
(أي لبلائه فيما ابتلاك به قومك" فإنك بأعيننا" أي بمنظر منا نرى ونسمع ما تقول وتفعل)
وقال تعالى: {فاصبر صبرًا جميًلا} وهو الصبر ال 1 ي لا شكوى معه.
وأمر -سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه منس فهاء قومه، وأن يهجرهم هجرًا جميًلا فقال:{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرًا جميًلا} وهو الذي لا عتاب معه.
وقال تعالى: {ولربك فاصبر} أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه الله. قال مجاهد.
وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيًلا فاصبر فحكم ربك} أي كما أكرمتك بما أنزلت عليك، فاصبر على قضائي وقدري، واعلم أني سأدبرك بحسن تدبيري.
وقال تعالى: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} أي كونوا من المؤمنين العاملين صالحًا، المتواضعين بالصبر على اذى الناس، وعلى الرحمة بهم.
وقال تعالى: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} إلى غير ذلك من الآيات فسبحانه من كريم جواد يعطي عبده كل هذه الكرامات، وأضعافها بصبر ساعة، فظهر -حينئذ- أن خير الدنيا والآخرة في الصبر.
وأنشدوا:
وصبرت فكان الصبر مني سجية
…
وحسبك أن الله أثنى على الصبر.
وأما الأمر بالصبر على ما يصاب به الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بخصوصية فقد جاء مصرحًا به في قوله تعالى -حكاية عن عبده لقمان الحكيم عليه السلام حين وصى ابنه
بقوله: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}
قال المفسرون: لما نهى لقمان ابنه عن الشرك، وأخبر - ثانياً- بعلم الله- تعالى وباهر قدرته، أمره يما يتوصل به إليه -سبحانه- من الطاعات: فبدأ باشرفهما وهو الصلاة حيث يتوجه إليه بها، ثم بالأم بالمعروف والنهي عن المنكر ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها، وعلى ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف ممن يبعثه عليه، والنهي عن المنكر ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها، وعلى ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف ممن يبعثه عليه، والنهي عن المنكر ممن ينكره عليه فكثيرًا مايؤذي فاعله.
وقال جمهور أهل التفسير: وهذه الآية تقتضي حضًا على تغيير المنكر وجوازه مع خوف القتل، وان المغير يؤدي أحيانًا وأن ما تقدم من الطاعات- في هذه الآية- كان مامورًا به في سائر الملل.
قوله: "إن ذلك من عزم الأمور" قال مقاتل: إن ذلك الصبر على الأذى فيهما من حق الأمور التي أمر الله بها. وقيل معناه: إن ذلك من معزوم الأمور وقيل: (من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الخير السالكين طريق النجاة) والعزم ضبط الأمر ومراعاة إصلاحه.
وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على المكروه لا ينبغي أن يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرر إلا أن يخاف مكروهًا لا يطاق- قاله الواحدي.
فالصبر على مايصاب به الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر من أجل المقاماة، وأحسن طرقة العبادات، وهو عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة باعث الشهوة، وهذه المقاومة من خاصية الآدميين، فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين، وإن تخاذل وضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين فالجود بالصبر والاحتمال والإغضاء من أعلى مراتب الجود وأشرفها، وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال واعزل له وأنصر، وأملك لنفسه، وأشرف لها ولا يقدر عليها إلا النفوس الشريفة، فمن صعب عليه الجود بما له فعليه بهذا الجود، فإنه ثمرة عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة، وهذا جود الفتوة. قال تعالى:{والجروح قصاص}
قال الإمام أبو حامد الغوالي رحمه الله: واعلم أن الصبر ينقسم -باعتبار حكمه- إلى فرض ونقل ومكروه ومحرم. فالصبر عن المحظورات فرض. وعن المكروهات نفل والصبر على الأذى المحظور محرم كمن تقطع يده أو يد ولده، فهو يصبر عليه ساكتًا. وكمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر على إظهار الغيرة، ويسكت على ما يجري على أهله فهذا الصب محرم. والصبر المكروه، هو الصبر على أذى يناله بجهة مكروهة في الشرع، فليكن الشرع محك الصبر، فلا ينبغي أن يخيل إليك أن جميع أنواع الصبر محمودة بل المراد به أنواع مخصوصة منه، إذ لا يستغنى عن الصبر في مواطنه.
قال أبو حامد: وجميع مايلقى العبد في هذه الدار لا يخلو عن أحد نوعين:
النوع الأول: مايوافق الهوى، وهو الصحة والسلامة والمالي والجاه وكثرة العشيرة واتساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار، وجميع ملاذ الدنيا فما أحوج العبد إلى الصبر عليها، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والكون إليها والإنهماك في ملاذها المباحة أخررجه ذلك إلى البطر والطغيان.
قال الله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى}
النوع الثاني: مالا يوافق الهوى والطبع وذلك على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يرتبط باختيار العبد وهو سائر أفعاله من طاعة ومعصية وهو ضربان:
الضرب الأول: الطاعة فالعبد محتاج إلى الصبر عليها، فالصبر على الطاعة شديد، أن النفس-بطبيعتها- تنفر عن ىلعبودية وتشتهي الربوبية. ولذلك قال بعض السلف: ما من نفس إ لا وهي مضمرة ما أظهر فرعون من قوله: "أنا ربكم الأعلى" ولكمن فرعون وجد مجاًلا وقبوًلا فأظهر.
ثم من العبادات مايكره -بسبب الكسل- كالعبادات البدنية، ومنها مايكره بسبب البخل ومنها ما يكره بسببهما كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد ويحتاج المطيع إلى شدائد ولعملك المراد بقوله تعالى:{} الذين صبروا أي صبروا تمام الصبر في ثلاثة أحوال:
الأولى: قبل الطاعة. وذلك في تصحيح النية من شوائب الرياء ودواعي الآفات.
الثانية: الصبر حالة العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله ولا يتكاسل عن تحقيق
آدابه وسننه، فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ.
كما قال بعض السلف: وهذا من شدائد العمل: {نعم أجر العاملين الذين صبروا}
الحالة الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل عن إفشائهن والتظاهر به للسمعة والرياء والنظر إليه بعين العجب وعن كل ما يبطل العمل ويحبطه.
الضرب الثاني: المعاصي فما أحوج العبد إلى الصبر عنها وقد جمع الله تعالى أنواع المعاصي في قوله: {وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى}
وأشد أنواع الصبر، الصبر عن المعاصي المألوفة في العادات، فإن العادة طبيعة خامسة. فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشياطين على جند الله تعالى.
القسم الثاني: مالا يرتبط هجومه باختيار العبد له وله اختيار في دفعه كما لو أوذي بفعل أو قول، وجنى عليه في نفسه أو ماله فالصبر على ذلك بترك المكافأة تارة يكون واجباً، وتارة يكون فضيلة. فالصبر على أذى الناس من أعلى مراتب الصبر، لأن باعث الشهوة والغضب يتعاونان على باعث الدين، قال عيسى عليه السلام لقد قيل لكم من قبل: إن السن بالسن والأنف بالأنف وأنا أقول لكم ولا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول إليه الخد الأيسر، ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك، ومن سخرك لتسير معه ميًلا فسر معه ميلين.
كل ذلك أمر بالصبر على الأذى.
القسم الثالث: مالا يدخل تحت الاختيار أوله وآخره، كالمصائب مثل موت الأعزة وهلاك الأموال وزوال الصحة بالمرض وفساد الأعضاء وسائر أنواع البلاء فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر. والله أعلم.
وفي الصحيحين ومسند أحمد وسنن النسائي من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل. إنه ليشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم)
وفي صحيح البخاري، ومسند أحمد، وسنن النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا