المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر] - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

وقال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله اعلم أن بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الدين، لأنه شغل الأنبياء وقد خلفهم خلفاؤهم، ولولاه شاع الجهل، وبطل العلم، والله أعلم.

‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

.

وأما الركن الثاني من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: (وشروطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع في حقه، منكرًا، ولعله يكفي في ذلك أن يكون إنسانًا، ولا يشترط كونه مكلفًا، إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر لمنع من ذلك وأنكر عليه، وإن كان قبل البلوغ. ولا يشترط كونه مميزًا، إذ المجنون لو كان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة وجب منعه منه.

ثم قال: نعم من الأفعال ما لا يكون منكرًا في حق المجنون، كترك الصلاة والصوم وغيره ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل فإن ذلك مما يختلف فيه المسافر والمقيم والمريض والصحيح. وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي يتهيأ له بها وجه الأصل الإنكار لا بما يتهيأ للتفاصيل) انتهى.

قال أبو عبد الله محمد بن مفلح رحمه الله: (وأما غير المكلف فلا ينكر عليه إلاّ تأديبًا وزجرًا. فمن رأى صبيًا أو مجنونًا يشرب الخمر فعليه أن يهريق خمره ويمنعه. وكذلك عليه أن يمنعه من الزنا وإتيان البهائم).

قال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد رحمه الله (فالطنبور الصغير يكون للصبي؟ قال: يكره. إذا كان مكشوفًا فاكسره).

وقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد القوي في منظومته:

وأنكر على الصبيان كل محرم

لتأديبهم والعلم في الشرع بالردى

ص: 185

يعني ينكر على الصبيان ما هو محرم وكل محرم رديء في الشرع.

قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: في الكلام على حديث ابن عمر الذي رواه: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع زمارة راع فسد أذنيه (قال: لم يعلم أن الرقيق كان بالغًا فلعله كان صغيرًا دون البلوغ، والصبيان رخص لهم في الملعب ما لم يرخص فيه للبالغ). قال ابن مفلح: وذكر الأصحاب وغيرهم: أن سماع المحرم بدون استماعه وهو قصد السماع، لا يحرم، وذكره الشيخ تقي الدين - أيضًا - وزاد: باتفاق المسلمين.

قال: وإنما سد النبي صلى الله عليه وسلم أذنيه مبالغة في التحفظ فسن بذلك أن الامتناع من أن يسمع ذلك خير من السماع.

وفي المغني جواب آخر: إنه أبيح للحاجة في معرفة انقطاع الصوت، فكذا قال في الفنون: أبيح لضرورة الاستعلام.

كما لو أرسل الحاكم إلى أهل الزمر لا من يستمع له ويستعلم خبرهم أبيح له أن يستمع لضرورة الاستعلام.

وكالنظر إلى الأجنبية للحاجة. انتهى.

قال الغزالي: (فإن قلت: فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان فهل يجب عليه إخراجها وكل من رأى مالاً لمسلم أشرف على الضياع، هل يجب عليه حفظه؟ فإن قلتم: إن ذلك واجب، فهذا تكليف شطط، يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخر طول عمره، وإن قلتم لا يجب فلم يجب الإنكار على من يغصب مال غيره وليس له سبب سوى مراعاة حق الغير. فتقول: هذا بحث دقيق غامض والقول الوجيز فيه أن نقول: مهما قدر على حفظه من الضياع، من غير أن يصيبه تعب في بدنه، أو خسران في ماله، أو نقصان في جاهه، وجب عليه ذلك، فذلك القدر واجب في حقوق المسلم، بل هو أول درجات الحقوق والأدلة الموجبة لحقوق المسلم كثيرة وهذا أقل درجاتها، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام، فإن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام، بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم، وكان عنده شهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه، لوجب عليه ذلك وعصى بكتمان الشهادة، ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر فيه على

ص: 186

الدافع، فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه ذلك، لأن حقه مرعى في منفعة بدنه، وماله وجاهه، كحق غيره، ولا يلزمه أن يفدي غيره بنفسه.

نعم الإيثار مستحب وتجسم الصعاب لأجل المسلمين قربة فأما إيجاب ذلك فلا، وعلى هذا إن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع لم يلزمه السعي في ذلك، ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نومه إذا استرسلت فيه البهائم أو بإعلامه فيلزمه ذلك، فإهمال تعريفه كإهمال تعريف القاضي بالشهادة، وذلك لا رخصة فيه، ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر، حتى يقال: إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم حتى يقال: إلا قدر درهم مثلاً وصاحب الزرع يفوته مال كثير، فيترجح جانبه، لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف فلا سبيل إلى المصير إلى ذلك، فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغضب، أو قتل عبد مملوك للغير، فهذا يجب المنع منه، وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع، والغرض دفع المعصية وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس، وهي غاية التعب) ثم ذكر بعد ذلك كلامًا كثيرًا ليس هذا محل إيراده انتهى.

قال أبو عبد الله ابن فلح - في الآداب -: (هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ .

ينبني على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض البصر؟ في المسألة قولان:

قال القاضي عياض - في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري "رواه مسلم".

قال العلماء رحمهم الله: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلاّ لغرض صحيح شرعي. ذكره الشيخ محي الدين النووي، ولم يزد عليه.

ص: 187

وقال ابن قدامة - في المغني - عقب إنكار عمر رضي الله عنه على الأمة التستر وقوله: "إنما القناع للحرائر".

قالوا: ولو كان نظر ذلك محرمًا لم يمنع من تستره بل أمر به، وكذا احتج هو وغيره من الأصحاب بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحجب منه).

وقال الشيخ تقي الدين (وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز، ولمن اختار هذا أن يقول: حديث "جرير" لا حجة فيه، لأن فيه وقوعه. ولا يلزم منه جوازه).

فعلى هذا. هل يسوغ الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف؟ فأما على قوله، وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة. فينبغي أن يسوغ الإنكار. انتهى كلامه.

قال - في مكان آخر - من الآداب: (فإن رؤي رجل مع امرأة فهل يسوغ الإنكار. ينظر فإن كان ثم قرينة تتعلق بالواقف أو قرينة زمان أو مكان أو غير ذلك ساغ الإنكار، وإلاّ فلا).

وعلى هذا كلام أحمد رحمه الله والقاضي أبي يعلى.

قال محمد بن يحيي الكحال للإمام أحمد: الرجل السوء يرى مع المرأة؟ قال: صح به.

وقال لأبي عبد الله - أيضًا -: الغلام يركب خلف المرأة؟ .

قال: ينهى ويقال له، إلاّ أن يقال إنها له محرم - ترجم عليهما الخلال (باب الرجل يرى المرأة مع الرجل السوء أو يراها معه راكبة).

وذكر - في هذا الباب - أن أباد داود قال: سمعت أبا عبد الله وقيل له: امرأة أرادت أن تسقط عن الدابة، يمسكها الرجل؟ قال: نعم).

قال القاضي: (ومن يعرف بالفسق منع من الخلوة بامرأة أجنبية، لما يحصل فيه من

ص: 188