الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله اعلم أن بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الدين، لأنه شغل الأنبياء وقد خلفهم خلفاؤهم، ولولاه شاع الجهل، وبطل العلم، والله أعلم.
فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]
.
وأما الركن الثاني من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: (وشروطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع في حقه، منكرًا، ولعله يكفي في ذلك أن يكون إنسانًا، ولا يشترط كونه مكلفًا، إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر لمنع من ذلك وأنكر عليه، وإن كان قبل البلوغ. ولا يشترط كونه مميزًا، إذ المجنون لو كان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة وجب منعه منه.
ثم قال: نعم من الأفعال ما لا يكون منكرًا في حق المجنون، كترك الصلاة والصوم وغيره ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل فإن ذلك مما يختلف فيه المسافر والمقيم والمريض والصحيح. وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي يتهيأ له بها وجه الأصل الإنكار لا بما يتهيأ للتفاصيل) انتهى.
قال أبو عبد الله محمد بن مفلح رحمه الله: (وأما غير المكلف فلا ينكر عليه إلاّ تأديبًا وزجرًا. فمن رأى صبيًا أو مجنونًا يشرب الخمر فعليه أن يهريق خمره ويمنعه. وكذلك عليه أن يمنعه من الزنا وإتيان البهائم).
قال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد رحمه الله (فالطنبور الصغير يكون للصبي؟ قال: يكره. إذا كان مكشوفًا فاكسره).
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد القوي في منظومته:
وأنكر على الصبيان كل محرم
…
لتأديبهم والعلم في الشرع بالردى
يعني ينكر على الصبيان ما هو محرم وكل محرم رديء في الشرع.
قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: في الكلام على حديث ابن عمر الذي رواه: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع زمارة راع فسد أذنيه (قال: لم يعلم أن الرقيق كان بالغًا فلعله كان صغيرًا دون البلوغ، والصبيان رخص لهم في الملعب ما لم يرخص فيه للبالغ). قال ابن مفلح: وذكر الأصحاب وغيرهم: أن سماع المحرم بدون استماعه وهو قصد السماع، لا يحرم، وذكره الشيخ تقي الدين - أيضًا - وزاد: باتفاق المسلمين.
قال: وإنما سد النبي صلى الله عليه وسلم أذنيه مبالغة في التحفظ فسن بذلك أن الامتناع من أن يسمع ذلك خير من السماع.
وفي المغني جواب آخر: إنه أبيح للحاجة في معرفة انقطاع الصوت، فكذا قال في الفنون: أبيح لضرورة الاستعلام.
كما لو أرسل الحاكم إلى أهل الزمر لا من يستمع له ويستعلم خبرهم أبيح له أن يستمع لضرورة الاستعلام.
وكالنظر إلى الأجنبية للحاجة. انتهى.
قال الغزالي: (فإن قلت: فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان فهل يجب عليه إخراجها وكل من رأى مالاً لمسلم أشرف على الضياع، هل يجب عليه حفظه؟ فإن قلتم: إن ذلك واجب، فهذا تكليف شطط، يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخر طول عمره، وإن قلتم لا يجب فلم يجب الإنكار على من يغصب مال غيره وليس له سبب سوى مراعاة حق الغير. فتقول: هذا بحث دقيق غامض والقول الوجيز فيه أن نقول: مهما قدر على حفظه من الضياع، من غير أن يصيبه تعب في بدنه، أو خسران في ماله، أو نقصان في جاهه، وجب عليه ذلك، فذلك القدر واجب في حقوق المسلم، بل هو أول درجات الحقوق والأدلة الموجبة لحقوق المسلم كثيرة وهذا أقل درجاتها، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام، فإن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام، بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم، وكان عنده شهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه، لوجب عليه ذلك وعصى بكتمان الشهادة، ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر فيه على
الدافع، فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه ذلك، لأن حقه مرعى في منفعة بدنه، وماله وجاهه، كحق غيره، ولا يلزمه أن يفدي غيره بنفسه.
نعم الإيثار مستحب وتجسم الصعاب لأجل المسلمين قربة فأما إيجاب ذلك فلا، وعلى هذا إن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع لم يلزمه السعي في ذلك، ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نومه إذا استرسلت فيه البهائم أو بإعلامه فيلزمه ذلك، فإهمال تعريفه كإهمال تعريف القاضي بالشهادة، وذلك لا رخصة فيه، ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر، حتى يقال: إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم حتى يقال: إلا قدر درهم مثلاً وصاحب الزرع يفوته مال كثير، فيترجح جانبه، لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه، كما يستحق صاحب الألف فلا سبيل إلى المصير إلى ذلك، فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغضب، أو قتل عبد مملوك للغير، فهذا يجب المنع منه، وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع، والغرض دفع المعصية وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها في تركها تعب، وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس، وهي غاية التعب) ثم ذكر بعد ذلك كلامًا كثيرًا ليس هذا محل إيراده انتهى.
قال أبو عبد الله ابن فلح - في الآداب -: (هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ .
ينبني على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض البصر؟ في المسألة قولان:
قال القاضي عياض - في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري "رواه مسلم".
قال العلماء رحمهم الله: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلاّ لغرض صحيح شرعي. ذكره الشيخ محي الدين النووي، ولم يزد عليه.
وقال ابن قدامة - في المغني - عقب إنكار عمر رضي الله عنه على الأمة التستر وقوله: "إنما القناع للحرائر".
قالوا: ولو كان نظر ذلك محرمًا لم يمنع من تستره بل أمر به، وكذا احتج هو وغيره من الأصحاب بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحجب منه).
وقال الشيخ تقي الدين (وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز، ولمن اختار هذا أن يقول: حديث "جرير" لا حجة فيه، لأن فيه وقوعه. ولا يلزم منه جوازه).
فعلى هذا. هل يسوغ الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف؟ فأما على قوله، وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة. فينبغي أن يسوغ الإنكار. انتهى كلامه.
قال - في مكان آخر - من الآداب: (فإن رؤي رجل مع امرأة فهل يسوغ الإنكار. ينظر فإن كان ثم قرينة تتعلق بالواقف أو قرينة زمان أو مكان أو غير ذلك ساغ الإنكار، وإلاّ فلا).
وعلى هذا كلام أحمد رحمه الله والقاضي أبي يعلى.
قال محمد بن يحيي الكحال للإمام أحمد: الرجل السوء يرى مع المرأة؟ قال: صح به.
وقال لأبي عبد الله - أيضًا -: الغلام يركب خلف المرأة؟ .
قال: ينهى ويقال له، إلاّ أن يقال إنها له محرم - ترجم عليهما الخلال (باب الرجل يرى المرأة مع الرجل السوء أو يراها معه راكبة).
وذكر - في هذا الباب - أن أباد داود قال: سمعت أبا عبد الله وقيل له: امرأة أرادت أن تسقط عن الدابة، يمسكها الرجل؟ قال: نعم).
قال القاضي: (ومن يعرف بالفسق منع من الخلوة بامرأة أجنبية، لما يحصل فيه من