المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم: - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

ومما يستحب للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر القائم في حدود الله- أعانه الله تعالى- أن يكون قصده رحمة الخلق كلهم والنفقة عليهم، بكف الناس عن المنكرات التي تسبب الدمار في الدنيا والعقوبات في الآخرة.

قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفَّار رحماء بينهم} غلاظ كالأسد على فريسته. قيل: المراد {وبالذين معه} جميع المؤمنين، {رحماء بينهم} أي يرحم بعضهم بعضًا.

وقيل: (متعاطفون متوادون).

وقد سبق نظير هذه الآية في أوائل الكتاب- قوله تعالى- {

أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين

}.

فالرحمة- بفتح الراء المهملة- الحنو والعطف الرقة رحم يرحم إذا حن ورق وتعطف. والله أعلم.

(وفي الصحيحين من حديث- أسامة بن زيد- رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) في (الرحماء) يجوز الرفع والنصب. والله أعلم).

وفيهما- أيضًا- من حديث جرير بن عبد الله مرفوعًا: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله- عز وجل) وفي رواية: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس).

ورواه أحمد- في المسند- وزاد (

من لا يغفر لا يغفر له).

ص: 405

ورواه الترمذي. وقال في الثاني: حديث حسن صحيح.

وفي الصحيحين، ومسند أحمد، وسنين أبي داود، والترمذي من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه في حديث تقبيل النبي- صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من لا يرحم لا يرحم).

قوله: (من لا يرحم لا يرحم) بضم الميم- فيهما- على الخبر.

وقيل: بالجزم إن جعلت شرطًا. والله أعلم.

أخبرنا شيخنا الإمام العلامة الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي الدمشقي- فسح الله في مدته- قال: أخبرنا أبو الثناء محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنجي- قرأه عليه وهو أول حديث سمعته منه. قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم البغدادي- وهو أول حديث سمعته منه. قال: أخبرنا الإمام شيخ الشيوخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي وهو أول حديث سمعته منه يقول: قال أخبرتنا الشيخة الصالحة ست الدار شهدة بنت أحمد (الأيري) الكاتبة وهو أول حديث سمعته منها. قالت: أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي وهو أول حديث سمعته منه. قال: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن- وهو أول حديث سمعته منه. قال: حدثنا أبو حامد البزار، وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر- وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثنا سفيان بن عيينة- وهو أول حديث سمعته من- سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الراحمون يرحمهم الله. ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء).

ص: 406

وروى الحديث أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

ورواه الإمام أحمد بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: (ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين على ما فعلوا وهم يعلمون).

ورواه الطبراني، والبيهقي- في شعب الإيمان.

قوله: (ويل لأقماع القول) الأقماع جمع قمع بكسر القاف وسكون الميم، وفتحها، وقيل: بفتح القاف وسكون الميم- وهو الإناء الذي ينزل في رؤوس الظروف، لتملأ بالمائعات.

يشبه أسماع الذين يسمعون القول ولا يعونه ويحفظونه ويعملون به بالأقماع. والله أعلم.

(وروى الطبراني من حديث ابن مسعود مرفوعًا- بإسناد حسن- من لم يرحم الناس لم يرحمه الله).

وروى من حديث جرير مرفوعًا- بإسناد جيد قوي-: (من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء).

وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، وصحيح ابن حبان

ص: 407

من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) هذا لفظ الترمذي. وقال هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ صحيح.

وفي المعجم الأوسط، والصغير للطبراني، من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت فيه نفر من قريش فأخذ بعضادتي الباب. فقال: هل في البيت إلا قرشي؟ فقالوا: لا إلا ابن أخت لنا. قال: إن ابن أخت القوم منهم. ثم قال: إن هذا الأمر في قريش ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

قال المنذري: رواته ثقات.

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد- بسنده- عن أبي صالح عبد الرحمن بن قيس مرسلًا: إن الله- عز وجل رحيم. لا يضع رحمته إلا على رحيم، ولا يدخل جنته إلا رحيم. قالوا: يا رسول الله إنا لنرحم أموالنا وأهالينا. قال: ليس بذلك ولكن ما قال الله- عز وجل: {حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} .

وفي الترغيب والترهيب، لأبي القاسم إسماعيل الأصبهاني، بسنده، عن أبي هريرة مرفوعًا:(لن يلج الجنة إلا رحيم)، فقال بعض الصحابة: كلنا يا رسول الله رحيم. قال: (ليس برحمة أحدكم خاصة حتى يرحم الناس عامة).

وروى الحاكم في المستدرك، والطبراني نحوه من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ:(لن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على ما تحبون عليه؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (أفشوا السلام بينكم تحابوا والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا) قالوا: كلنا رحيم قال: (إنه ليس برحمة أحدكم ولكن رحمة العامة).

قال الحافظ عبد العظيم المنذري: رواته رواة الصحيح.

وروى أبو يعلى الموصلي، والطبراني نحوه من حديث أنس بلفظ:(والذي نفسي بيده ولا يضع الله الرحمة إلا على رحيم. قلنا: يا رسول الله كلنا رحيم. قال: ليس الرحيم الذي يرحم نفسه وأهله خاصة ولكن الرحيم الذي يرحم المسلمين).

ص: 408

وروى أبو القاسم إسماعيل الأصفهاني- في الترغيب والترهيب- بسنده، عن أبي عبد السلام، عن أبيه، عن كعب الأحبار- رحمة الله عليه- قال: قال الله- تبارك وتعالى: يا موسى أتريد أن أملأ مسامعك يوم القيامة مما يسرك؟ ارحم الصغير كما ترحم ولدك وارحم الكبير كما ترحم الصغير، وارحم الغني كما ترحم الفقير، وارحم المعافى كما ترحم المبتلى وارحم القوي كما ترحم الضعيف وارحم الجاهل كما ترحم الحليم.

وقد سبق- في الباب الأول- من حديث ابن عباس من رواية أحمد، والترمذي وابن حبان مرفوعًا:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر).

وقوله: (ليس منا) أي ليس من رحمائنا وذوي الرقة والعطف المرحومين منا. من لم يرحم الصغير أي لضعفه وعجزه وبرائته عن قبائح الأعمال. وقد يكون الصغير في المعنى مع تقدم السن. فيصغر القدر بالجهل والغفلة فيرحمها بالتعليم له والإرشاد، شفقة عليه.

وقوله: (ويوقر كبيرنا) لأن التوقير هو التفخيم والتعظيم والكبير يكون كبيرًا بأمرين: صورة ومعنى. فالصورة للكبير بالسن فله حظه من التوقير والتعظيم، لما خص به من السبق في الوجود وتجربة الأمور وأما الكبير معنى، فبالعلم والفضل والدين والتقوى فيستحق من التعظيم والتوقير بحسب ما عنده من ذلك إجلالًا لحق العلم وتبجيلًا لموضع الفضل والله أعلم.

وروى الإمام أحمد- في كتاب الزهد- بسنده عن مسلم بن أبي مريم- رحمة الله عليه- أنه بلغه أن عيسى- عليه السلام قال: لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا كأنكم عبيد فإنما الناس بين مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله تعالى على العافية.

قال لقمان: يا بني ارحم الفقراء، لقلة صبرهم وارحم الأغنياء لقلة شكرهم وارحم الجميع لطول غفلتهم.

وروى أبو القاسم في الترغيب والترهيب- بسنده- عن عبد الرحمن بن عسيلة، هو

ص: 409

عبد الرحمن الصنابجي عن أبي بكر الصديق مرفوعًا: قال الله- عز وجل: (إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي

) ورواه أبو أحمد عبد الله بن عدي- في كتاب الكامل-.

وروى صاحب الترغيب والترهيب- أيضًا- بسنده عن أسامة بن شريك الثعلبي مرفوعًا: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومن لا يرحم لا يرحمه الله، ومن لا يغفر لا يغفر الله- تعالى- له". وروى الإمام أحمد، والحاكم والأصبهاني من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه- رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها. أو قال: إني أرحم الشاة أن أذبحها.

قال: "والشاة إن رحمتها رحمك الله- تعالى".

قال الحاكم: صحيح الإسناد.

فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون كالوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديبه كما تفعل الأم، رقة ورحمة لفسد الولد، وإنما يؤدبه، رحمة به وإصلاحًا لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب بعد ذلك.

وروى أبو بكر البيهقي- من شعب الإيمان- بسنده، عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني- قدس الله سره- يقول: إنما الغضب على أهل المعاصي لجرأتهم عليها. فإذا تذكرت ما يصيرون إليه من عقوبة الآخرة دخلت القلوب الرحمة لهم. وقيل لبعض السلف: بأي شيء تعرفون الأولياء لله- عز وجل؟ قالوا: بلطف ألسنتهم وحسن أخلاقهم، وبشاشة وجوههم وسخاوة نفوسهم، وقبول عذر من اعتذر إليهم وتمام ذلك الشفقة على الخلق برهم وفاجرهم.

وليس من مقتضى رحمة أهل المعاصي ترك الإنكار عليهم واستيفاء الحدود منهم وغير ذلك، بل من كمال الرحمة بهم الإنكار عليهم وردهم إلى المنهج القويم والصراط المستقيم.

وإذا انحرفت النفس من خلق الرحمة انحرفت إلى قسوة قلب، وإما إلى ضعف قلب وجبن، كمن لا يقدم على ذبح شاة ولا إقامة حد ولا تأديب ولد، ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك. وقد ذبح أرحم الخلق بيده صلى الله عليه وسلم في موقف واحد ثلاثمائة وستين بدنة وقطع الأيدي من الرجال والنساء، وضرب الأعناق، وأقام الحدود ورجم بالحجارة حتى مات

ص: 410