الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقتله في الإنكار ليسر معصية. وقطع طرف نفسه معصية، وذلك كدفع الصائل على المسلم بما يأتي على نفسه، فإنه جائز لا على معنى أن التعدي على درهم من مال مسلم يعدل روح مسلم، فإن ذلك محال ولكن لأن قصد أخذ مال المسلم معصية ومثله في الدفع عن المعصية معصية وإنما المقصود دفع المعاصي.
فإن قيل: فلو علمنا أنه لو خلا بنفسه لقطع طرف نفسه فلينبغي أن يقتله في الحال؛ حسمًا لباب المعصية: قلنا: ذلك لا يعلم يقينًا ولا يجوز سفك دمه بتوهم معصية ولكننا إذا رأيناه في حالة مباشرة القطع دفعناه، فإن قاتلنا قاتلناه ولم نيال ما يأتي على روحه، وقالت المعتزلة: ما لا يتعلق بالآدميين فلا، إنكار فيه إلاّ بالكلام أو بالضرب لكن للإمام لا للآحاد.
قال بعض العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على العوام من الناس. وهذا قول ضعيف؛ فإن الأمر والاستطاعة عامان في حديث طارق بن شهاب السالف في الباب الأول وغيره ولا وجه للتخصيص والله أعلم.
فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:
وأما الدرجة الثامنة: فهي أن لا يقدر على إزالة المنكر بنفسه، ويحتاج فيه إلى أعوان يستعين بهم من أهل الخير فإن لم يزل المنكر في عوان السلطان وغيرهم من أهل الشر يشهرون السلاح. وربما يستمد الفاسق- أيضًا- بأعوانه ويؤدي ذلك إلى أن يتقابل الصفان ويتقاتلا، فهذا قد ظهر الاختلاف في احتياجه إلى إذن الإمام فقال قائلون: لا ينكر أحد بسيف إلاّ مع ذي سلطان، ولا يستقل آحاد الرعيَّة بذلك لأنه يؤدي إلى تحريك الفتن وهيجان الفساد وخراب البلاد.
وقال آخرون: لا يحتاج إلى إذن الأمام.
قال أبو حامد: وهو الأقيس، لأنه إذا جاز للآحاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وأوائل درجاته تجر إلى ثوان والثواني إلى ثوالث) وقد ينتهي إلى التضارب لا محالة والتضارب يدعو إلى التعاون فلا ينبغي أن يبالي بلوازم الأمر بالمعروف، ومنتهاه، تجنيد الجنود في رضى الله - تعالى - ودفع معاصيه.
ثم قال- رحمه الله ونحن نجوز للآحاد من الغزاة أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فرق الكفار، قمعًا لأهل الكفر فكذلك قمع أهل الفساد جائز، لأن الكافر لا بأس بقتله، والمسلم إن قتل فهو شهيد، وكذلك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر المحق إذا قاتل الفاسق المناضل عن فسقه وقتل مظلومًا فهو شهيد وعلى الجملة: فانتهاء الأمر إلى هذا من النوادر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يعتبر به قانون القياس بل يقال: كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك. بيده وبسلاحه وبنفسه وبأعوانه، فالمسألة إذًا محتملة. والله أعلم.
والمقصود: أن المنكر يبدأ بالأسهل والأرفق فإن لم يزل المنكر وزاد بقدر الحاجة: فإن لمن ينقطع أغلظ فيه فإن زال وإلاّ دفعه إلى ولي الأمر- كما سبق: -
وإذا انجر الأمر إلى الاستعانة فلا يستعان بأهل الأهواء والبدع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا في شيء من أمور المسلمين.
قال أبو الحسين بن أحمد بن الفضل: (دخلت على أحمد بن حنبل رحمه الله فجاء رسول الخليفة، فسأله عن الاستعانة بأهل الأهواء فقال "أحمد" لا يستعان بهم.
فقال: يستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بهم؟ قال: إن اليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم وأصحاب الأهواء داعية، ذكره البيهقي في مناقب أحمد، وكذلك ابن الجوزي.
قال أبو العباس بن تيمية: فالنهي عن الاستعانة بالداعية لما فيه من الضرر على الأمة. انتهى.
قال ابن مفلح: وهو كما ذكرنا - في جامع الخلال - عن الإمام أحمد أن أصحاب بشر المريسي وأهل البدع والأهواء لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين والمسلمين.
وروي البيهقي في مناقب أحمد بن حنبل، عن محمد بن أحمد بن منصور المروذي: (أنه استأذن على أحمد بن حنبل، فأذن فجاء أربعة رسل المتوكل يسألونه، فقالوا: الجهمية يستعان بهم على أمور السلطان أولى أمر اليهود والنصارى. فقال أحمد: أما الجهمية فلا يستعان بهم على أمور السلطان قليلها ولا كثيرها، وأما اليهود والنصارى فلا بأس أن يستعان