الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:
ومن هؤلاء من يقول: من نظر إلى الناس بعين العلم مقتهم ومن نظرهم بعين الحقيقة عذرهم كما قال بعضهم: العالم ينشقك الخل والخردل، والعارف ينشقك المسك والعنبر.
قال العلامة شمس (الدين) محمد بن القيم رحمه الله: ومعنى هذا أنك مع العالم في تعب، ومع العارف في راحة، لأن العارف يبسط عذر الخلائق، والعالم يلوم فانظر إلى ما تضمنه هذا الكلام الذي ملمسه ناعم وسمه قاتل من الإنحلال عن الدين والراحة من أحكام العبودية وعذر اليهود والنصارى وعباد الأوثان والظلمة والفجرة، وأن أحكام الأمر والنهي الواردين على ألسنة الرسل للقلوب بمنزلة من يعطي الخل والخردل، وأن شهود الحقيقة الكونية الشاملة للخلائق والوقوف معها والإنقياد لحكمها بمنزلة تنشيق المسك والعنبرة فليهن الكفار والفجار والفساق انتشاق هذا المسك والعنبر إذا شهدوا هذه الحقيقة وانقادوا لحكمها، ويا تعس الأبرار المحكومين لما جاء به الرسول من كثرة سعوطهم بالخل والخردل، فإن قول العالم هذا يجوز وذا لا يجوز وهذا حلال وهذا حرام وهذا يرضي الله وهذا يسخطه حل عند هؤلاء الملاحدة وإلاّ قالحقيقة تشهدك الأمر بخلاف ذلك، وكذلك إذا نظرت عندهم إلى العالم بعين الحقيقة عذرت الجميع فتعذر من لامه الله ورسوله أعظم العلامة. ويا لله العجب إذا كانوا معذورين في الحقيقة فكيف يعذب الله -سبحانه- المعذور ويذيقه أشد العذاب، وهلا كان الغني الرحيم أولى بعذره من هؤلاء؟ ! نعم العالم يلوم بأمر الله، والعارف يرحم بقدر الله ولا يتنافى عنده اللوم والرحمة. ومن رحمته عقوبة من أمر الله بعقوبته وذلك رحمة له وللأمة وترك عقوبته زيادة في أذاه وأذى غيره، وأنت مع العالم في تعب يعقبه كل راحة ومع عارف هؤلاء في راحة يعقبها كل تعب وألم.
ثم قال رحمه الله -في مكان-: كلهم محجوبون وعن الظفر بالمطلب الأعلى